كان جالسا على الرصيف مقابل تمثال العود، وكان الشارع فارغا، ولأول مرة منذ أن عرف هذا الشارع وجده مخيفا، كأن كل من أتوا إليه تركوا أحلامهم هنا وهربوا فتحولت تلك الأحلام السعيدة المليئة بالأمل إلى كوابيس وحيدة ومخيفة.. وكل الأصوات والصور التي عبروا بها عن مشاعرهم تجلت في أبشع صورها أمامه، لم يبق إلا تمثال العود أمامه، لذا كان يركز نظره عليه وسمعه على أصوات الذكريات التي صنعت أمامه.. أو بالأحرى على ذكرى واحدة، يوم قدم عرضه أمام ديانتوس.. إلى أن رأى ظلا قادما من بعيد..
كانت تتقدم ببطء، ترتدي فستانا أبيضا، وتضع قناعها الأبيض المزين باللون الذهبي، إلى أن وصلت إليه.. وابتسمت، وفي لحظات خاطفة مرت أمام عينيه كل لحظة ابتسمت له فيها منذ أول لقاء لهما في سنوية المسرح عندما عرفته عليها تلك السيدة التي لا يتذكر من هي الآن، عندما قدم لها الوردة في الشرفة، وعندما التقيا في محطة المترو بدون أقنعة لأول مرة دون أن يعرف أي منهما الآخر، في المطعم، في المسرح، في غرفتهما ليلة الزفاف، وفي المطار عندما ودعته لآخر مرة...
نزعت القناع، وقالت بابتسامة رقيقة سحرته: "ساحري.."
نهض واقفا على قدميه، والصدمة تعلو وجهه: "زينب.. أنت هي ديانتوس!"
زينب: لكنك لم تتذكر.. لم تتذكر إلا ديانتوس.. بعد كل ما عشناه، بعد كل الحب الذي منحته لك كنت ستتخلى عني.. عنا..
آدم: أنا.. أنا آسف.. كنت غبيا..
زينب: تأخر الوقت على الأسف الآن (ووضعت يدها على خده) اعتني بنفسك يا ساحري..
همّ بإمساك يدها لكنها اختفت.. فراح ينادي عليها: "زينب.. كاتبتي.. (وصرخ والدموع تملأ عينيه) زينب.."
هاه.. هاه.. هاه..
فتح عينيه ليقابله سقف أبيض، وشعر بألم في رأسه، ونار تشتعل في صدره.. رفع ذراعه ليرى إبرة المصل.. وفجأة وكأن ذاكرته عادت إليه، نزع الإبرة بعنف ونهض يجر قدمه ويحارب ألم رأسه.. ينادي في الردهة على الممرضين أو أي أحد، إلى أن ركضت إليه إحدى الممرضات، تقول وهي تحاول إعادته إلى سريره: "ما الذي تفعله يا سيد؟ عليك أن ترتاح الآن.. لم تشفى تماما بعد.."
سحب آدم ذراعه منها وقال بقلق: "زينب.. ما الذي حدث لزينب؟ أين هي الآن.. علي رؤيتها.. هناك الكثير من الأمور التي يجب أن أقولها لها.."
الممرضة: هل هي المرأة التي أحضروها معك؟
آدم: اهاه.. أين هي الآن؟
الممرضة: .........
اتسعت عينا آدم وسرعان ما اغرورقت بالدموع وراح يهز رأسه وهو يقول بغير تصديق: "مستحيل.. هذا مستحيل..."
.............................
قبل ثلاث سنوات..
كان في غرفة تبديل الملابس يستريح بعد أن تدرب اليوم بطوله.. أرسل رسالة لزوجته يخبرها أنه اشتاق إليه، ثم وضع الهاتف جانبا، واستلقى على الأرض مغمض العينين، عندما سمع فجأة صوت انفتاح الباب، كان يظن أنه واحد من طاقم العمل معه، وأتى للبحث عنه، ولأنه كان يعرف أنه لن يظهر من مكانه لمن يطل من الباب فقد نهض وهمّ بالخروج ليخبره أنه هنا.. لكنه توقف بمجرد أن وضع يده على المقبض وسمع صوتا مألوفا.. صوتا لا يحبه..
YOU ARE READING
Masked love
عاطفيةبعد ثلاث سنوات من اختفائه، يعود زوجها مجددا إلى المنزل لكنه يعود متزوجا بامرأة أخرى وبجسد نصف مشلول وبنظرات شخص لم يعرفها أبدا.. من جهة أخرى، بعد التعرض لحادث أليم يجعله مشلولا، تحولت حياة آدم إلى جحيم وصار غير قادر على ممارسة أكثر مهنة يحبها.. الس...