《حِلمٌ ينعش الروح》8

2.7K 71 3
                                        

جاء صباحاً مشرقاً، فهبت "فيروزة" من مضجعها بنشاط وسرور، بعد ماراودها في منامها حلماً جميلاً، انعش قلبها وجعله يرفرف بجناحيه في الفضاء، فقد كان بمثابة سربة أمل تسلّلت إلى روحها، وهنا خيل لها بأنها سمعت صوتاً مغرداً منطلقاً من أفواه العصافير، حين أطلت بنظرها إلى خارج الشرفة، وكأنهم يشاركونها لحظاتها المفرحة، ثم لبست رداءها وتوجهت إلى الأسفل، ولكنها لم تجد أحداً هناك في حجرة الجلوس، فتقريباً خرج البعض من المنزل لقضاء حوائجهم، وأثناء ذلك سارت بتمهل في حين كان باب المنزل مفتوحاً يمر من خلاله نسيم الربيع الدافئ، وهنا وصلت المطبخ وأعدت لنفسها إفطاراً شهياً، ولما أنتهت من إفطارها الشهي جلست بجانب النافذة المفتوحة، حين دخلت عليها جدتها العجوز وهي تحمل بعض الحقائب، ثم قالت بود:
-خير يا روزا شايفاكي مبسوطة النهاردة ووشك منور على غير العادة!.

فتبسمت "فيروزة" بلطف، وكانت مثل الوردة الناضرة، وأجابت عليها:
-أصل أنا سافرت في منامي لأجمل مكان في العالم.

تعجبت الجدة من قولها، لذا جلست بجانبها وأمرتها بأن تخبرها عن منامها:
-احكيلي إيه اللى شوفتيه وفرحك.

فراحت تقص عليها في نبرة مسرورةٌ و رقيقةٌ، في حين البسمة لم تفارق فاها:
-أنا عيشت لحظات وأوقات جميلة في منامي، أنا حلمت إني بصلي في المسجد النبوي واللى كان على هيئته القديمة، وكأني كنت عايشة في نفس العهد، وبعد ما انتهيت من الصلاة، لاقيت اتنين ستات بيقربوا مني وبيرحبوا بيا بقوة و بفرحة كبيرة، وهما بيقولوا بكلامهم الودود أنهم من أهل البيت، وجاين مخصوص علشاني، علشان يرحبوا بيا ويكرموني في حجرة السيدة عائشة، ولكن قبل ما نروح هناك ضيفوني بأكل كان طعمه جميل جداً أول مرة ادوق زيه، وبعدها خدوني للحجرة علشان أشوفها وأعيش فيها دقايق حلوة، وأول ما دخلت قلبي انشرح وعيني دمعت من كتر الفرحة، وأنا بتخيل أمنا عائشة بصحبة الرسول في كل ركن من أركان الحجرة، وهنا استحضرت كل موقف جميل بينهم، ومابين المواقف اللى حبيتها، لما كان بيقرأ القرآن وهو مستند عليها رغم أنها حائض، وموقف تاني رواته السيدة عائشة رضي الله عنها بنفسها فقالت: زارتنا سودة يومًا فجلس رسول الله بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري، والأخرى في حجرها، فعملت لها حريرة فقلت: كلى! فأبت فقلت: لتأكلي، أو لألطخن وجهك،فأبت فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهها، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجله من حجرها لتستقيد منى، فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.
وبعدها دخلت لأعظم ركن جمع بين الرسول وأصحابه في دفنهم.
تمهلت في حديثها وهي تكمل ما تبقى من القول بنفس فرحة مُمتزجة بالبكاء، حين نظرت إلى قبرهُ سطع أنوارهِ، فوضعت كفّها على بصرها، ولما هدأ الضوء راحت تقلب بصرها بين الثلاث قبور، حتى توقفت عيناها على ذاك القبر الذي وهو مرقد الحبيب، فهو نورٌ أطل على الحياة رحيماً، وبكفه فاض السلام عظيماً، ولم تعرف الدنيا مثله عظيماً، ذاك هو النبي الودود الرحيم الذي وصفنا بالمؤنسات الغاليات، ووصى بنا خيراً، ذاك هو المصطفى التي ذكرته الروح حباً، وعليه القلب صلي.
وهنا جلست "فيروزة" بجانب القبر وهي تلقى عليه السلام، وبينما هي تمسح على قبره، كانت تصلي عليه حتى تلاشى حزنها، وطابت نفسها.

"لحن الزعفران" قيد التعديل🦋حيث تعيش القصص. اكتشف الآن