《أَعفيتُك مِنِّي》5

3.5K 94 0
                                        

نظرت إليه نظرة مملوءة حزناً وقهراً، وسقطت من عيناها دمعتان كبيرتان، واختنقت عبراتها في صدرها، وخفق قلبها خفقاناً شديداً، وارتعدت ارتعاداً قوياً، حين رأته في خلوةٍ مع فتاة، فما أبشعُ منظرهما، وما أفظعُ ألم قلبها!، فأدركها هو في الحال وابتعد عن تلك الساقطة، ولكن من صدمته لم تتحرك قدماهُ من مكانهما، وبعد صمت طويل لم ينطق كلا منهما بحرفٍ واحد، أطبقت جفنيها على دمعةٌ تنحدر من بينهما، ثم انصرفت مسرعة وهي تحملُ ثقلاً على قلبها، فاندفع إلى الباب ملتحقاً بها وهو يشعر بداخله بالرعب من هول مصيبته الكبرى، والتي ربما لم ينجو منها.
كانت تطوف في الطرقات عاجزةً ضعيفةً، لا يعلم بحالها وما تحملهُ بين جنبيها من هموم وأحزان إلا الله، و الآن هي بحاجةً إلى من يرحمُ قلبها، ويحنو عليها، ويخفف عنها حزنها، فذهبت إلى بيتها لعلها تجد من يعينها في تلك الساعة الشاقة على روحها، ويعطفُ عليها ويضمها بصدراً ليناً و مهدئاً وراحماً.
دخل القصر متجهّم الوجه وأخذ يبحثُ عنها في كل مكان، ولكنه لم يجدها، فجاءته الجدة في حيرة من أمره وتسألت ما باله، فأجاب في حنق:
-هي فيروزة مرجعتش البيت؟.

-لا يابني من وقت ما خرجت وهي لسه ماجتش، ولكن أنت ليه بتدور عليها ما تتصل بيها أحسن وتشوفها!.

-ما أنا بحاول اكلمها لكن الهانم قافلة تليفونها.

بعد عدة ساعات وقد غربت الشمس وحل الليل، عادت إلى المنزل كئيبةٌ مخذولةٌ تجر ورائها أرذل الخيبات، وما أن رأته يقبل عليها أحسّت بالحزن الشديد، ولكنها تمالكت نفسها وهدأت، وعندما تسأل عن غيابها طيلة هذه المدة، وأين كانت، نظرت إليه نظرة هادئة، وقد تأكدت بداخلها بأنها خلال تلك الفترة كانت تعبث بديارٍ ليست بديارها، وها هي الآن قد ألقت بجميع أسلاحتها بعد ما أنتهت كل محاولاتها في إصلاحه وإسترجاعهُ إلى وطنها، فوقفت قباله وقالت بصوتٍ هادئ ساكن لا يُمازجه غضب:
-أنا فكرت كتير أوى قبل ما أخد القرار ده، وعلى ما أظن أنك عندك معرفة بيه بما إننا اتكلمنا فيه إمبارح، وأخيراً قدرت أكسر حاجز الخوف اللى كان عندي بعد محاولات كتير، وقررت المرادي اختار نفسي، وهختارها دايماً لأني مؤمنة إيمان تام إن الحاجة اللى هتخليني أحتار بينها وبين نفسي تبقى مش من نصيبي.
فنزعت خاتم زفافها من إصبعها، ومدت يدها إليه واضعة إياهُ في كفه، وقالت:
-ده أفضل وأحسن قرار أنا خدته في حياتي، وهو إني أبعد عنك العمر كله.

فصاح بها بغضبٍ وقال:
-أنتِ اتجننتي إزاي تاخدي قرار زي ده من غير ماترجعيلي هو أنا لعبة في أيدك؟!.

فنظرت له نظرةً منكسرة وهي تتذكر خيانته لها، فكانت تلك ضربةٌ قويةٌ كاد ألمها يفقدها روحها، ولكنها سوف تستعينُ بخالقها كى تتخطاها بصبرٍ وسكون:
-بالعكس ده أكتر وقت أنا عاقلة فيه.

دنا منها أبيها وتسأل بقلقٍ:
-مالك يابنتي إيه اللى حصل وخلاكي تقلعي دبلتك، مش ده وليد اللى كنتِ بتحبيه، وكنا خلاص هنحدد فرحكم أنا وعمك اليومين دول؟!.

"لحن الزعفران" قيد التعديل🦋حيث تعيش القصص. اكتشف الآن