[... الفصل الرابع...]

18 8 8
                                    

قال الشيخ بصوته العميق الذي يعكس عمره، بعد أن سعل قليلاً: "لقد جهزت لرحلتي ولم أخبر أحداً بوجهتي لكي لا أقلق المقربين وأتجنب سخرية الشامتين. أخبرتهم أنها رحلة كالتي سبقتها، لكن هذه المرة ربما أطيل قليلاً."

ودعت أهلي وأخذت رحلي منطلقاً. عند ركوبي للسيارة، أوقفني أحد أصدقائي القدامى، اسمه صالح، الله يذكره بالخير.

قال صالح بنبرة مهتمة: "أين هذه المرة يا عبدالله؟"

أجاب عبدالله بابتسامة غامضة: "نتمشى ونرى الديار ونجمع الأخبار كالعادة."

رد صالح بحماس: "جميل، طيب انتظرني سآتي معك."

اعتذر عبدالله بلطف: "أعتذر، ما باخذ أحد معي. بسافر وحدي."

أصر صالح بمرح: "ما طلبت إذنك أو موافقتك."

ضحك عبدالله قائلاً: "يا ابن الحلال، المرة المقبلة تبشر بالذي يسرك."

رد صالح بابتسامة واسعة: "المرة المقبلة بنتظر موافقتك لا مشكلة."

أكمل الشيخ حديثه بعد تنهيدة طويلة: "احترت في إقناعه. كنت أعلم قبل بداية النقاش أن الأمر ميؤوس منه، يستحيل إقناع شخص مثله. لكن كما أقول، جرب حظك ولو عضك هههه."

بعدها فكرت في أن أغير وجهتي برحلة عادية حتى يمل صديقي وأعيده ثم أنطلق لهدفي الرئيسي. فسألت الشيخ: "لماذا لا تود أن تأخذه معك؟"

أجاب الشيخ بحكمة: "يا ولدي، هل تأخذ معك أثمن كنوزك في رحلة مجهولة؟ بالطبع لا! ولذا كان الحُجاج قديماً قبل رحلتهم يدفنون أموالهم وكنوزهم في مكان ما. لنعد إلى قصتنا."

ركب صالح السيارة مع حقيبته وأغراضه وقرأ دعاء السفر ثم أتبع قائلاً: "بسم الله، حرِّك."

شغلت السيارة بتململ وبدأنا المسير. سأل صالح بفضول: "وين أول محطة؟"

أجاب عبدالله بصوت هادئ: "بعد أربعة كيلو."

استدرك صالح قائلاً: "أقصد الوجهة، وين رايحين؟"

أجاب عبدالله بدون حماس: "يمكن مدينة الدمام."

ضحك صالح قائلاً: "من متى تسافر بدون ما تحدد وجهتك؟!"

رد عبدالله بلا نفس: "من يوم ركبت معي السيارة."

قال صالح بمرح: "هيا يا صاحبي، اترك التشاؤم وانطلق لرحلتك المخفية."

أوقف عبدالله السيارة بجانب الطريق وقال بجدية: "أي رحلة تقصد؟"

أخذ صالح نفساً طويلاً وقال: "بتقنعني أن وجهتك الشرقية وأنت ترست السيارة كلها من أولها لآخرها بأغراض الرحلات عكس عادتك! ذكرني كم سنة نعرف بعضنا؟ 5 أو 10 سنة؟ لا انتظر! تذكرت 15 سنة فلا تتذاكى علي يا صاحبي واترك اللف والدوران."

فما كان من عبدالله إلا الاعتراف وأخبره بقصته مع الشامي وعزيمته وأين يريد أن يذهب.

صمت صالح لبرهة، ثم قال مستهزئًا: "سكران؟! مريض؟ عندك ارتجاج في الدماغ؟ أكلت شيء منتهي الصلاحية؟ سلامات، أنت بكامل قواك العقلية؟!"

رد عبدالله بسعادة: "يا سلام، بما أنك عرفت أنها رحلة تافهة كوجهك، خفف عني المؤونة وارجع لبيتك."

قال صالح بسخرية: "بالله تخيل أضيِّع فرصة أتشمت عليك في وسط الصحراء! أخخ، فرصة لا تتكرر ولا تعوض. هيا انطلق."

قال عبدالله متعجباً: "استوعبت وجهتي أم الموضوع أكبر من قدراتك العقلية؟"

أجاب صالح وقد ضجر: "خلاص يا عبدالله، استعجل وتحرك، ما بجلس اليوم كله أجادلك بهذا الموضوع."

وبدأت السيارة تشق طريقها عبر الصحراء، بينما كان الأفق يتلون بألوان الغروب الدافئة، وكانت مغامرتهم الحقيقية قد بدأت.

الرحلة المخفيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن