١) والدتها مفقودة

214 12 2
                                    

رائحة البخور تعم المكان ،و جميع نوافذ البيت مفتوحة على مصرعيها ،معظم الأثاث قد قامت بتجميعه في مكان واحد كي يتسنى لها مسح تلك الأرضية السيراميكية بحرية ، قامت بسكب الماء المصحوب بالمعطر و الصابون و بدأت بالتنظيف بالطريقة الإعتيادية و هي عاقصة لخصلاتها بإحدى أوشحة والدتها القديمة، تغني تلك الأغنية التي تليق مع عملها الآن قائلة:

و الله يا زمن
لا بإدينا زرعنا الشوك و لا روينا يا زمن

-بت يا فرح تعالي غيري المايه بتاعت المسح دي عقبال ما أرتب أوضة مدام ألفت.

كان ذلك صوت والدة "فرح" الذي قاطعها و جعلها تتوقف عن تكملة غناء تلك الأغنية القديمة بصوتها الشاذ ، فإعتدلت تقوم بتجفيف يديها المبتلتين في جلبابها البيتي القديم الذي خصصته لذلك العمل و ذهبت لفعل ما طلبته منها امها فهي تذهب مع والدتها لمساعدتها أثناء عملها كعاملة في منزل سيدة ميسورة الحال في إحدى المناطق الراقية في القاهرة.

تعمل "رجبية" والدتها كعاملة لدى السيدة "ألفت" منذ عدة سنوات فقد إضطرتها ظروف المعيشة إلى اللجوء للخدمة في المنازل كي تكسب و تطعم صغارها بأموال حلال ، و لأن نيتها كانت منذ البداية خير و هي تسعى لكسب الرزق الحلال ،سخر الله لها أحد المعارف الذي أرشدها إلى تلك السيدة الفاضلة "ألفت"،أرملة في أواخر العقد الخامس من عمرها تعيش رفقة إبنتها "نيرة" ذات الثماني عشر ربيعا.

كانت "ألفت" خير معين لها بعد ربها ، فقد أكرمتها و لم تُشعرها يوما بالحرج من عملها بل كان تعاملها الودود و إحسانها لها ما يهون عليها شعور التعب و الشقاء الذي كانت تشعر به بين الحين و الأخر من مشقة ذلك العمل.

و نظرا لصحة "رجبية" التي أصبحت في حالة هشة قليلا قررت ابنتها الكبرى "فرح" أن تساعدها عند ذهابها للعمل في منزل "ألفت" ، لم تمانع سيدة المنزل بذلك بل رحبت بهم و لم ترغب في زيادة مشقة "رجبية" و جعلها تعمل في المنزل بمفردها دون مُعين و هي تعلم بحالتها الصحية.

كانت "فرح" أفضل إخواتها في الأعمال المنزلية و كانت تتميز بالخفة و النظافة لذلك أحبتها "ألفت" و أيضا إبنتها "نيرة" و بقيت تساعد والدتها منذ مدة حتى وقتنا هذا.

قامت "فرح" بعمل ما طلبته منها والدتها ثم عادت لما كانت تفعل و لكن دون غناء هذه المرة بل أسرعت في إنهاء ما تقوم به كي تعود هي و والدتها لمنزلهم سريعا قبل عودة زوج أمها من العمل.

و أثناء إنشغالها بما تفعل سمعت صوت جرس الباب فتوجهت لفتحه حتى قابلتها "نيرة" بإبتسامتها المرحة المحببة للأخرى قائلة بحماس: السلام عليكم يا فروحة.

إبتسمت لها "فرح" في المقابل كأن البسمة عدوى قد أصابتها بسبب بشاشة تلك الصغيرة و ردت عليها و هي تفسح لها مجال الدخول: و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته،شكلك مبسوطة، حليتي حلو في أمتحان النهاردة؟

جوازة و السلام.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن