٢) وفاء لحبيبٍ راحل

153 11 1
                                    

شعرت بالإرهاق و أخذت تلهث فتوقفت "عصمت" و ربتت على كتفها قائلة بتشجيع: عاش يا فرح ، خدي بريك و نكمل بعد عشر دقائق.

أومأت لها موافقة و ما كادت أن تجلس على إحدى المقاعد القريبة حتى صدح هاتفها برقم "هنا" ، تجاهلته في البداية و لكن مع إلحاح المتصل أجابت.

جاءها صوت اختها الباكي و هي تسثغيث بها: إلحقينا يا فرح مش لاقيين ماما و دورنا عليها في كل حتة مش عارفين راحت فين.

شُلت حركة جسدها فجأة من شدة خوفها و لكنها تمالكت نفسها و سألت المتصلة قائلة: طب إهدي يا هنا ، هي مش في البيت بقالها قد إيه؟

مسحت "هنا" دموعها و هي تجيبها: مش عارفة إحنا كنا في أوضتنا من بعد ما مشيتي و لما طلعت برا بصيت من البلكونة لقيت بابا قاعد على القهوة عند عمو رضوان و ماما مش موجودة.

مسحت "فرح" حبات العرق المتصببة على جبينها ثم تحدثت بنبرة حاولت جعلها ثابتة: طيب يا هنا أنا هروح أدور عليها بس بالله عليكي أنتِ و أخواتك محدش ينزل من البيت علشان منتوهش من بعض، أنا هدور عليها و هجيبها و أجي محدش منكوا يتحرك من البيت ، تمام؟

وافقتها أختها الصغرى و أخبرت شقيقاتها بما قالته "فرح"

بينما "فرح" وقفت تنظر للمكان حولها ، تشعر بأنها تائهة حتى سألتها "عصمت" عن سبب تبدل أحوالها بتلك الطريقة ، فأجابت: ماما مش في البيت ، و مش عوايدها تسيب البيت دلوقتي أو لما يحصل خناقة عندنا.

نبهتها مدربتها و حثتها قائلة: يعني أمك طفشت و أنتِ لسه واقفة ، روحي يا بت إنزلي دوري عليها ، و الله لو طفشت يبقى حقها محدش يعاشر سي راضي ده و ميسبش الدنيا كلها و يرحل.

تجهزت "فرح" و نزلت إلى الشارع سريعا و بدأت تسأل معظم الجيران عن والدتها ما إذا كان أحدهم رأها أو يعرف أين ذهبت.

كانت تسير في الشارع و تسأل هذا و ذاك فوقعت عيناها على زوج والدتها يجلس على المقهى و لا يعبأ بأحد ، يدخن لفافة تبغه و يضحك رفقة الحاج "رضوان" صاحب ذلك المقهى و لا يهتم بما فعله منذ قليل و إهانته لأمها أمامهم.

كانت تنظر له بغل ترغب لو تذهب و تحطم رأسه الآن و لكن عليها أن تعرف أين ذهبت والدتها أولا ، ظلت تنظر حولها تحاول أن تتوصل لأي مكان يمكن أن تذهب والدتها إليه في ذلك الوقت ، لم يأتي في بالها سوى المقابر ، كانت فكرة تلح عليها بأن والدتها ربما تذهب هناك عند مقابر والدها.

و على الرغم أن هناك جزء كبير داخلها يخبرها بأن تفكيرها خطأ و أن والدتها لا يمكن أن تكون قد ذهبت إلى هناك ، إلا أنها قررت أن تفعل ما بوسعها و تذهب للبحث عنها هناك فالمكان لم يكن بعيدا على أي حال.
____________________

بعد أن أنهت شجارها مع "رنا" وقفت في الشرفة بمفرده على أمل أن تأتي والدتها الآن و تخبرها بأن كل شيء سيكون ، ترتدي إسدالا بسيط و تقف بترقب لعلها تلمح طيف أمها حتى قاطع كل ذلك الترقب ظهوره الغير المتوقع في حارتهم.

جوازة و السلام.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن