٥) تهور إمرأة

110 6 5
                                    

خرج من الشركة بوجهه العابس و جبينه المنكمشة ، لا يطيق رؤية "راضي" و لا حتى يرغب في سماع صوته ، كلما تذكر حديثه الذي يقطر طمعا مع شريكه، شعر بأنه يريد دفنه حيا ، لقد وضعه في موقف حرج أمام معارفه ، جعله لا يستطيع أن يتحدث أمامهم و لا يرفع عيناه فيهم.

كان "رضوان" يشتعل غضبا و حنقا أثناء سيره بجوار "راضي" الذي تعلو ملامحه إنشكاح و سعادة لا متناهية بما أجناه و سيجنيه من تلك المصلحة التي أتت له من السماء.

_ إيه السعادة اللي أنت فيها دي يا راضي ، ده هما يا دوبك ٣٠ ألف اللي معاك و بعدين أنت خليت شكلي زفت قدام الناس ، لإني كنت متفق معاهم على الفلوس إنها هتبقى ٢٠ ألف زي ما أنت قولتلي لما كلمتك، و سيادتك روحت قايل ٥٠ مرة واحدة.

خرج حديث "رضوان" بإنفعال لم يقوى على كبحه ، قابل رفيقه ذلك الإنفعال بسماجة و هدوء لا يكترث بضجره من الموقف برمته مردفا: أنا أتفقت معاك على السعر و أنا معرفش الناس اللي أنا هتعامل معاهم شكلهم ايه ، لكن لما روحت و شوفت الفخامة اللي عايشين فيها قولت ليه منزودش شوية في السعر و بعدين دول أخر حاجة هيفكروا فيها الفلوس ، يعني يقدروا يدفعوا ٢٠ و ٥٠ و ١٠٠ كمان و كله هيبقى في مصلحتهم و انا بحري يحب الزيادة

طامع جشع، مرتشي، و أيضا مُستغل ، لقد أتى به "رضوان" إلى هنا كي يقابل صاحب العمل و يتفق معه على ما يريد و لكن في الحقيقة هو أتى ليعاين المكان و أهل المكان كي يرضي أطماعه.

لم يجد "رضوان" ردا مناسبا على حديث "راضي" الأخير و قرر أن يتحلى بالصمت و الثبات الإنفعالي و رمقه بنظرات منزعجه فحسب،  فهو إذا إنتفلتت أعصابه أكثر من ذلك من الممكن أن يسبه بالألفاظ التي يعلمها و لا يعلمها ، و بالطبع إذا فعلها لن يكون الأمر في صالحه على أي حال.

ركبا معا في السيارة ليعودا من حيث أتيا معا ، ساد الصمت في الطريق لمدة لا بأس بها حتى صدح صوت رنين هاتف "رضوان" برقم غريب فأجاب بإقتضاب ، حتى أتاه صوت يجهله قائلا: حضرتك والد يوسف رضوان؟

إنتابه القلق من أن يكون قد تورط نجله في أمر ما أو أصابه مكروه فرد عليه سريعا: أيوه أنا ، ماله يوسف؟

_ ابنك في مستشفى*** في العين السخنة ، متصاب في خناقة كانت في حفلة هناك.

هوى قلبه و إرتخت أعصاب أطرافه من صدمته و خوفه على ولده، كادت أن تنقلب به السيارة لولا "راضي" الذي أمسك بإطار السيارة سريعا مردفا بفزع: في إيه يا رضوان ، حصل ايه؟

عاد لرشده و تمالك ذاته مخبرا إياه بما حدث لولده ، فحثه "راضي" أن يذهبا معا إلى هناك كي يطمئنا على "يوسف" و القلق كان هو سيد الموقف بينهما.
___________________________

مكالمة واحدة كانت كفيلة بجعله يطير على الطريق بسيارته كي يطمئن قلبه على ابنه، ابنه الوحيد الذي أرهقه بمصائبه التي لا تنتهي ، و لكن كل ذلك لا يهم الآن ، كل ما يريده أن يصبح "يوسف" بخير ، لا يريد أن ينكسر ظهره بفراقه ، حتى و إن قسا عليه يوما فكل ذلك كان لمصلحته فهو في النهاية أب و لا يريد سوى سعادة ولده و صلاح أحواله.

جوازة و السلام.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن