الغصل السادس

42 5 0
                                    

في غرفتها ترقد رنا على الفراش، مرتدية الرداء الأبيض الخاص بالمرضى وجهها رطب بدموعها الجافة، تتنهد رنا، وتشعر بهذا الثقب إياه في صدرها، هذا الثقب الناجم عن الحزن، هذا الكيان الخام الذي يأتيك بغتة ويمكث في قلبك ليجعلك بلا روح، يسلب طاقتك ويلتهم شغفك يقيد أحلامك ويعرضها في محاكمة عامة أمام الشعب قبل أن يعدمها واحدا تلو الآخر وسط تهليل العامة، لقد فقدت رنا أحلامها واحدا تلو الآخر، قاسية هي تلك الحياة ومخادعة، لقد وعدت رنا بزواج ومستقبل وحياة أقصى قلقها فيها كان الحمل والولادة وأماكن السفر والمفروشات لكنها الآن ترقد في مستشفى للمرضى النفسيين مقيدة الأوصال وتنتظر حكم إعدامها.

لقد رأت الموت أمام عينيها، وتغير كل شيء بعدها، رؤية جثة زوجها كانت كلحظة ظهور الشيب في شعر كهل للمرة الأولى، تلك اللحظة القاسية التي تخبرك أن كل شيء قد تغير، وبالفعل قد تغير كل شيء تقضي لحظاتها تبكي وتصرخ وتضغط على رأسها بيديها حتى لتكاد تهشمها محاولة إيقاف كثرة التفكير والهوس بما حدث لها، موت والدتها وأخيها وزوجها اتهامها بالقتل، كونها وحيدة ومنبوذة في تلك اللحظة بعدما كانت شخصا نشطا في المجتمع، لقد لفظتها الحياة خارج المعادلة تغمض رنا عينيها وتئن في ألم مغمغمة العالم مكان سيء، العالم مكان سيء.

ولا تعلم متى ولا كيف خلدت الفتاة للنوم.في الحلم كانت تسير في غابة مقفرة ترتدي فستانا أسود القمر مكتمل وهناك كوخ على أطراف الغابة أمامه بحيرة تسير رنا بقلب واجم تجاه الكوخ وترى زوجها يرتدي بذلة الزاوج ويحمل وردا بين يديه، ينظر إليها مبتسفا، وجواره تقف والدتها تلوح لها دامعة العينين من السعادة، يختلج قلب رنا وتشعر بسعادة هائلة، ترى أخاها جوارها فترتمي في أحضانه

ليستقبلها ضاحكا، تهمس له باكية: لا تتركوني أبدا.

لكنها تراه يقترب من بعيد، كمال الآخر.. الشبيه عيناه حمراوان و مخالبه طويلة، كثيف الشعر ويبدو كرجل الغاب، لكنه شبيه زوجها، بإمكانها تمييز هذا جيدا، يصطبغ لون القمر بلون الدم وتتلون السماء كلها باللون الأحمر وتمطر دماء، وتطفو جثث والدتها وكمال ومحمود في البحيرة، فتلتفت حولها ولا تجدهم هم في البحيرة الآن يقف الشبيه أمامها ويجذبها تجاهه، يفتح فمه فترى أنيابه الطويلة وهي تقطر دما، تصرخ رنا، تصرخ بلا توقف قبل أن تفتح عينيها وتعتدل من رقدتها، تنظر لانعكاس ظلها على الحائط، وتواصل البكاء.

***

راقدا على فراشه يحدق هشام في السقف، وهو عاقد كلتا ذراعيه حول

رأسه، يغمغم لنفسه بخفوت ليل طويل لا ينتهي.

كان يفكر في رنا ويحاول تخيل ما تشعر به الآن قبل أن يغمض عينيه طيلة عمره شخص مختلف في نظر الجميع، البشر لا يسامحون المنطوي والمنعزل أبدا، يرى دوما نظراتهم المتهكمة تجاهه، يرى نفسه وهو طفل نحيف في المدرسة يعدو بعيدا عن المتنمرين وهم يسخرون منه، يعرقله أحدهم فيسقط أرضًا باكيا، لم يجد الونس سوى مع الكتب والسينما الفرنسية، لقد حلم كثيرًا مع آلان ديلون وموريك لبلان، وتخيل نفسه بطل کدارتينيان يغامر ويعيش مستمتعا بالحياة، ولكنه كان يعلم أن تلك أهوام وقد أجاد هشام توظيف أوهامه تلك جيدا عندما أصبح كاتبا.

ليلة ظهور القرينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن