30.

28 4 49
                                    



* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

" كَانت المَّرارة بصدره حَارقةٌ جٍدًا، كما لو سَكب أحدهم النَّار به دُون تَردد".

-

عَقب انجلاء الحُزن عن صِغار القَرية، وانقضاء أيامٍ طَويلة مُنذ الحادثة، عاد الجَميع لمزاولة حياتهم بطبيعةٍ مُصطنعة، علّها تُعينهم على العودة إلى طَبيعةٍ حَقيقةٍ كما كانوا، ويَزول أثر الفَزع من وجوههم ولو قليلًا.

كَان أحد اليَافعين يُواصل السَّير جِوار العُمدة كما اعتاد، مُواصلًا مُشاركته ما يَدور بعقله بشأنِّ الأيام القادمة وما لدى العَجوز لفعله سواءً داخل القَرية أو خارجها، وما سيكون قادرًا على مُرافقته بها لارتباطه بأشياء أُخرى مع أقرانه.

بجانبٍ أخر، كان الأخوان قد خرجا للعب خارجًا كما طلبت أصغرهما ذلك، وشَقيقها يُواصل السَّير خلفها أثناء شدها له من كفه، دُون أنّ يَتمكن من الإدلاء بكلمةٍ واحدةٍ لها، فلا يَزال صَوته مَفقودًا وقُدرته على الحديث بعد الحادثة صعبة.

وجدت نارومي الأرجوحة مُتوفرةً أمامها، فتلتقط كِلتا كفيه كفيها الصَّغيرتين، وتبدأ بالقَفز أمامه بحماس، وتُردف: أريد اللَّعب لاو، أيُمكنكَ دَفعي قليلًا؟

اكتفى الصَّبي بالإيماء لها برأسه، وابتسامةٌ جانبيةٌ مُجبرة قد استقرت على وجهه، كما لو حاول بذلك إظهار ما يستطيع من تعابير، فيتجه كِلاهما إليه، ويقوم بحملها ووضعها عليها مُنذ كانت مُرتفعةً بالنِّسبة لها، ويتجه خلفها ما أنّ تأكد من كونها تجلس بصورةٍ صحيحة، بادئًا بدفعها بسُرعةٍ مُلائمة، لئلا تُخيفها السُّرعة العالية.

عَقب انقضاء قُرابة الخمس والعِشرين دَقيقة، كَان الأخوان قد عادا للسير بلا هدف داخل القَرية، وأصغرهما تُواصل الحديث بما تَرغب بفعله عند عودتهما إلى المَّنزل، فيستوقفهما رجلٌ مألوف الهَيئة لهما، يَكسو رأسه القليل من الشَّيب، وعلى وجهه تستقر ابتسامةٌ ودودة أثناء تَحديقه بهما.

توقف كِلاهما عن السَّير حال رُؤيتهما له، مُلقيين نظرةً مُستفهمة عليه، فيجثو على ركبته حتى أصبح بمستوى أنظارهما، ويُردف: لدينا ضَيفٌ جديد أتى للعيش معنا برفقة والدته، يَبدو عليه الخَوف رُغم استمرار والدته بطمأنته، لذا أيُمكنكما القُدوم والتَّرحيب به بودية؟

نظر الأخوان إلى بعضهما البعض لوهلة، ومن ثُمَّ أومأت أصغرهما له برأسها، جاذبةً شَقيقها خلفها حال إشارة السَّيد لهما بالوجهة، والأكبر يُواصل مُراقبتهما بهدوء أثناء سيره خلفهما.

حال بلوغهم الوِجهة، كَانت أعين الأخوين قد وقعتا على هَيئة السَّيدة وابنها، يملك كِلاهما خُصلاتٍ ذَهبيةً لامعة، كما لو كانت قِطعة من الشَّمس، وأعينهما الزَّرقاء بدت وكأنَّها البَحر والسَّماء بآنٍ واحد، يكسو ملامحهما نَوعٌ من المَّرارة، بدت بطريقةٍ ما مألوفةً للناظرين، لكنها بذات الوقت غَريبةً من ناحيةٍ أُخرى.

Wonderحيث تعيش القصص. اكتشف الآن