فصرخت والدته بارتياع :
_ ولدي .
أسرع (سالم) يقول :
_ أهدئي يا أمي ، هو بخير ..
إنه ذلك الضعف السخيف بعد شهر بأكمله في غيبوبة ..
سأتكلم مع صديق لي دكتور متخصص في المخ و الأعصاب ، و أطلب منه أن يأتي ليفحصه
معي .
و بعد ساعتين كان قد استعاد وعيه مرة أخرى ..
فنظر إلى (سجى) بصمت ، و هو يسمع والدته تتحدث معها ..
و تلك الأخيرة تحدثها بمرح و كأنها تعرفها منذ زمن ، و ما زاده دهشة أن سمع والده هو الآخر يتباسط معها في الحديث ..
من يسمع الحديث المتبادل يظن أنها ابنتهما لا
هو ! ..
حتى وقعت عينيها عليه ، فتهللت أساريره و أخبرتهما بأنه مستيقظ ، ووجهت هاتفها لوجهه ، كي يتواصل مع والديه ..
فابتسم لمرآهما ، و توسل والدته قائلاً :
_ أماه ، أنا بخير ..
أقسم لكِ ، لا داعي لدموعكِ هذه .
فقالت بحنان و لهفة :
_ وهل ستزرف لأعز منك يا نبض القلب و
روحه ؟! ..
كيف تشعر يا بني ؟ .
أجابها بابتسامة و قال :
_ أشعر بالحيرة ، فجسدي لا يؤلمني ، لكن ..
ما الذي أوصلني لهذا الوضع ؟! .
فقصت (سجى) عليه ما تعرف منذ مشاهدتها للحادثة التي تعرض لها حتي هذه اللحظة ..
فاستوعب ما حدث له ، و مط شفتيه و هو يكتم غضبه من ذلك القذر ، الذي لا يعلم أحد عنه شيئاً إلا هو ..
و سألها باستنكار :
_ أنتِ ، كيف تسمحين لنفسك أن تتورطي لهذا
الحد ؟! ..
ألا تخافين على نفسك يا فتاة ؟! ..
تعرفين أنه حادث متعمد ، و تعلنين خطبة مزيفة ، و تدورين تبحثين ورائي !! .
خجلت كثيراً من هجومه فعاتبه والده قائلاً :
_ لن تتوقف عن عادتك هذه
أبداً ! ..
ظننت أن الارتجاج الذي أصاب مخك أعاده طبيعياً ، لكن للأسف لم يعود ..
ها أنت فظ غليظ تفتقر لأبسط قواعد اللباقة .
ضحكت بخفوت ، و قد انساها والده حديثه ، بينما نظر هو لأبيه هاتفاً :
_ ما الخطأ في حديثي ؟ .
هنا تكلم (سالم) لأول مرة ..
فقد كان جالساً يتابع حديثها مع والديه ، و تابع كلامه هو ، لكنه تدخل لينفي تلك التهم عن شقيقته قائلاً :
_ هي ليست وحدها يا بطل ..
ورائها رجال ..
(يحيى) الضابط المسئول عن قضيتك كان يدور و يبحث معها ..
و أخي (ساجد) يعمل على حمايتها ، فلا تقلق .
و أكملت هي موضحة :
_ أنا محامية ، و لقد طلب (يحيى) أن أعاونه فوافقت .
و أشارت لأخيها قائلة :
_ و هذا دكتور (سالم) في واقع الأمر هو أخي ..
و لقد رحب بتخبئتك في عيادته ، و لتكون تحت ملاحظته ..
و إلى جانب (ساجد) فقد عين عليّ (يحيى) حراسة خفية .
لا يعرف لم حديثها عن ذلك اليحيى بالذات أثار غيرته ! ..
و نظر إلى (سالم) و سأله بجدية :
_ و هل تثق إلى هذا الحد في ذلك الضابط كي توافق شقيقتك على هذا الجنون ؟! ..
أنتما لا تعرفان في ماذا ورطتما أنفسكما .
اعترى (سالم) بعض الخوف على شقيقته ، فلقد عملوا على نشر إشاعة تلك الخطبة ، و صارت الأعين جميعها عليها ..
لكنه قال بثبات :
_ إن الله معنا ، و يعرف
مقصدنا ..
نحن لم نقصد شراً لأحد ، بل كانت نيتنا هي معاونتك في استرجاع حقك .
تنهد (قصي) بتعب و قال بامتنان :
_ لا أعرف كيف أشكركما على ما تفعلانه من أجلي و معي ..
كلامي هذا نابع من خوفي
عليكم ..
أريد الالتقاء بذلك الضابط من فضلكما .
أومأت برأسها و هي تقول :
_ لقد أخبرته بعودتك لوعيك ، و سيأتي لك غداً بمشيئة الله ..
و أنا صرت المحامية خاصتك ، لذا سأحضر ذلك اللقاء .
لا يعرف لم عاوده شعوره السخيف بالغيرة !! ..
و هز رأسه موافقاً دون كلام ..
فانهي المكالمة مع والديه ، و انصرفت هي
بهدوء ..
تبقى (سالم) معه يرافقه في ليلته ، ليخبره وضع جسده بالتفصيل ..
***
كان لقاءه بـ(يحيى) طويلاً للغاية ، فقد أخبره في محضر رسمي ، ذلك الذي يتعلق بالحادثة ، أنه لا يعلم الفاعل ..
لكن مع إلحاح الضابط بشكل غير رسمي ، سلم أمره لله ، و قرر أن يخبره الحقيقة لكن ..
بشكل غير رسمي ..
لهذا صرف (يحيى) مساعده ، و أخرجوا (سجى) من الغرفة رغم اعتراضها ..
و امتدت تلك الجلسة السرية ساعتان و نصف ..
قضتهم هي و فضولها لا يتركها تهنأ بجلوس على مقعد ، أو بوقوف جوار النافذة لتشاهد المارة و تضيع الوقت ..
و أخيراً رحماها ، و غادر (يحيى) متعجلاً ! ..
فدخلت كالعاصفة على (قصي) تعاتبه قائلة :
_ كيف تطلب الاجتماع به
وحده ؟! ..
ألست محاميتك ؟! ..
أم أنك لا تقتنع بي ؟! .
ابتسم قائلاً لها بود :
_ هل أنا مجنون حتى لا أقتنع
بكِ ؟! ..
الأمر و ما فيه يا خطيبتي العزيزة هو أنني اخشى عليكِ .
عقدت ذراعيها أمام صدرها ، و تغافلت عامدة عن تلك الضجة الذي أحدثت داخلها مع نطقه للعلاقة الزائفة بينهما ، و قالت في اعتراض :
_ و لماذا تخشى عليّ ؟ ..
أنسيت أنني في حماية أخي ، فضلاً عن أنني استطيع حماية نفسي جيداً .
ابتسم و قال ساخراً :
_ اتخذي ما حدث ليّ عبرة و عظة لكِ يا فتاة ..
هل أنتي أقوى مني ؟! ..
من نجابههم لا يتعاملون بمنطق الإنسانية و الرحمة ، بل بالتجبر و القسوة ..
و لن يتوانوا عن سحقنا لو أدركوا أننا نمثل لهم مصدر تهديد .
و عبست ملامحه في حزن
مردفاً :
_ لم أكن أعرف أن كل هذا سيحدث لي فقط عندما حاصرتهم بالأسئلة ..
أدركوا أنني بت أعلم عنهم الكثير ، فحاولوا تلقيني درساً في عدم الاقتراب منهم ، و المجازفة مرة أخرى .
فغمغمت بخفوت :
_ لكن ذلك لا يجب أن يرجعنا ، فنحن لسنا بجبناء و ...
قاطعها هاتفاً بحنق :
_ أنا لست جباناً ، و لن أتراجع ..
كل ما أعنيه أنني لست مؤهلاً الآن للوقوف في وجههم ..
ولن أضعكِ أنتِ وسط ذلك الخطر ..
افهميني ، أنتِ عرضة للخطر بشكل كبير .
فقالت محتجة :
_ على الأقل عرفني فيما ورطت نفسي ..
من حقي أن أعرف من عدوي الآن .
توترت نظراته و أبعدها عنها ، ففهمت ما يجول بخاطره ..
هي تطالبه بالإدلاء لها بكل ما لديه ، و هو لا يثق فيها بعد ..
لا يأمن لها ..
ومع غضبها المتصاعد فضلت الانسحاب من معركة هي فيها ليست محل ثقة ..
فأخرجت من جيب سترتها هاتف محمول ، و أعطته إياه قائلة بهدوء :
_ خذ هذا الهاتف ، لقد ابتاعه والدك لك ..
كي يتسنى لهما الاتصال بك وقتما يشاءان .
لا يعرف لم انقبض قلبه فجأة ! ..
حاول أن يعتذر لها ، لكنها أدارت له ظهرها بسرعة بعد أن تناول الهاتف منها ، و حيته
راحلة ..
قلبه يحدثه أنه لن يراها مجدداً ، فصار يتلوى بين ضلوعه ..
***
عادت لحياتها الطبيعية ، و لم تشغل بالها من وقتها لما يحدث له أو إلى ماذا توصل (يحيى) بشأن ذلك الخطر المحدق به ..
أو هكذا تحاول خداع نفسها ..
أسبوعين لا تعرف عنه شيئاً ، و لا تحاول حتى ..
بضع مكالمات مع والدته فحسب ، فالسيدة أصبحت تحبها بالفعل ، و تسأل عنها دوماً ..
و كأنها خطيبة ابنها حقاً ..
أغمضت عينيها في محاولة لأن تركز و تولي اهتمامها لملف قضية ما ، كلفها أستاذ (وليد)
بها ..
و بينما هي تقرأ التقارير المدونة داخل الملف ، إذ بشقيقها الأوسط يدلف إلى مكتبها بادي
الانزعاج ! ..
و قبل أن تسأله عما يعاني ، وجدته يقول لها بلهجة متوترة بعض الشيء :
_ تعالي معي يا (سجى) ..
احتاجك لأمر مهم للغاية ، و لا يحتمل التأجيل .
فرفعت حاجبيها بدهشة ، و أغلقت الملف الذي لم تفقه فيه حرفاً واحداً ، و قالت لأخيها بمرح لتبدد
توتره :
_ حسناً ، أنا في خدمتك لكن ..
أنت مدين لي بتفسير ، و ستفعل و نحن في
الطريق ..
اتفقنا ؟ .
أومأ لها برأسه ، لكنه لم يفي
بذلك ..
فقد ظل صامتاً طوال الطريق الذي لدهشتها كان يقود لمكان عيادة أخيها الأكبر ! ..
و الذي يمكث فيها (قصي) ! ..
فسألته بدهشة فيها بوادر غضب :
_ لم تأتي بي إلى هنا يا (ساجد) ؟ ..
تعلم أنني نزعت يدي من ذلك الأمر كله .
أجابها بخفوت رغم حنقه :
_ ليس بيدي و لا بيدك ..
هذا لحمايتكما .
مع من يجمعها الآن ؟! ..
ماذا يحدث ؟! ..
و لم هذا الضيق الواضح في صوته و
انفعالاته ؟! ..
صمته ذاك أنبأها أنه لن يتحدث ، فهي تعرفه عندما يكون غاضباً ..
و لم يطل الطريق بهما طويلاً ، بل انتهى و ترجلا من السيارة ، ليصعدا و يلحقان بالركب ..
**
فوجئت (سجى) بعائلتها هناك و أيضاً والدا (قصي) فضلاً عن هذا الأخير ، الذي كان ينظر لها بنظرة غريبة ! ..
افتقاد ربما ! ..
لن تسرح بخيالها لأبعد من ذلك ، و لم يمهلها (سالم) حتى تلقي التحية أو تحاول الجلوس بينهم ..
إذ قال لها باهتمام :
_ حبيبتي تعالي اجلسي هنا ، كيف حالك ؟ ..
و لم انقطعت عن المجيئ ؟! .
جلست بجواره تحاول أن تبتسم و ألا تحيد عينيها عنه هو لأي شخص معهما بالغرفة ، و قالت بخفوت :
_ لم يعد هناك داعي لمجيئي ..
فلقد تركت تلك اللعبة .
رقص قلبه و هلل بعد أن سمع صوتها أخيراً ، وود لو يتحدث معها ، إلا أنه لا يوجد مجال
لذلك ..
فمط شفتيه و هو ينظر للجميع و هي من بينهم ، حتى لا يلحظ اهتمامه بها أحد ..
دخل عليهم تلك اللحظة (يحيى) و معه شخص آخر لا تعرفه ، و حاول (سالم) أن يجذب انتباهها ، و هو متنحي بها عن الجميع في أحد أركان الغرفة ، فقال بهدوء :
_ (سجى) ، لقد وضعنا جميعاً في موقف لا نحسد عليه ..
فبعد تحريات (ساجد) و (يحيى) عن أمر الحادثة و ما ورائها ، وجدوا أنه لابد من إخفائكما انتما الاثنان لفترة لا يعلمانها تحديداً .
عقدت حاجبيها و هي تسأله بدهشة :
_ ماذا ؟! ..
كيف ذلك و لماذا ؟! ..
هل كشف مكانه ؟! ..
ثم حتى و لو كشف ، ما دخلي أنا بالأمر ؟! .
تنهد و أجابها باهتمام :
_ ألستِ خطيبته أمام الجميع ؟ ..
لم ينكشف أمره لكن ..
ما سيحدث في الأيام المقبلة سيجعلهم يبحثون عنه و عن كل من له علاقة به ..
حتى أن والديه سيسافران لعائلتيهما بالصعيد ..
و نحن سيعين علينا أخيكِ حراسة خفية ، و أنا سأنتقل للعيش مع والدينا أنا وزوجتي ..
و أنتما يجب أن تختفيا تماماً ، و لا يظهر طرفكما حتى .
بدت علامات عدم الفهم تلوح على وجهها و هي تنظر إليه ، فأردف مدققاً في عينيها لكي تستوعب ما هو آت :
_ والدك لم يوافق أن تكونا معاً في مكان واحد دون رابط شرعي ، لهذا فقد أحضر (يحيى)
المأذون .
و مع اتساع عينيها ببلاهة ، أكمل عليها قائلاً :
_ هذا اقتراح والده في الواقع ..
و قال إنه منذ فترة كان (قصي) يخبره أن يحول الخطبة الزائفة إلى حقيقية ، و هو من كان يريد تأجيل التحدث في ذلك الأمر حتى يشفى ابنه تماماً لكن ..
الظروف الآن هي ما جعلته يطلبك رسمياً من والدك .
و أشار للجميع متابعاً :
_ و ها أنت تدركين أن الجميع قد وافق ..
فما رأيك ؟ .
ابتسمت و ردت ساخرة :
_ و هل تركتم لي اختيار ؟! .
تأملت شقيقها لحظات قبل أن تسأله بقلق :
_ ألا يوجد حل آخر ؟ .
تنهد بعمق قدو غمغم :
_ ليته يوجد يا حبيبتي ..
أنتما بالذات معرضان لخطر داهم ، و اختفائكما ضرورة قصوى ..
سيأخذكما (يحيى) لمكان لا علاقة له به ، بل تعود ملكيته لأحد معارفه ..
حتى تكونا بمأمن .
شرد ذهنها هذه اللحظة في كلمة ألقاها عليها (سالم) ذات مرة ..
" هو لا يدرك وجودك معه من الاساس ..
هذا الشاب بالتأكيد لديه أحد يشغل عقله و تفكيره ..
و أنت لستِ على قائمته " ..
معه حق ..
ربما يعشق فتاة أخرى ، لكن ظروفهما هي ما أوقعتهما بهذه الورطة ..
و حديثه مع والده ذاك يكون مجرد كذبة منه ..
لا أحد يدري ..
فليكن ..
لتستسلم الآن لكن ..
لكل مقام مقال ..
سترى فيما بعد ما عليها فعله ..
***
قاد بهما طوال الطريق (يحيى) لغرض إيصالهما لمكان إقامتهما ، فكان (قصي) يجلس بجانبه رغم إلحاح الأخير عليه أن يجلس في الخلف لكي يقوم بفرد ساقه المجبرة على الأريكة الخلفية ، و تجلس (سجى) بجانبه ، فرفض بشدة ..
لذا فقد جلست هي وراءه صامتة طوال الطريق ، في حين قال (يحيى) بمرح :
_ هااي مرحباً ! ..
أهذه ملامح اثنين قد تزوجا للتو ؟! ..
و في حين ارتسمت ابتسامة ساخرة على ركن شفتيها ، كان (قصي) يراها في مرآة السيارة الجانبية ، مبتسماً بشوق ..
لقد افتقدها حقاً ! ..
و حينما لم يرد عليه واحداً منهما ، مط شفتيه في استنكار لوضعهما و غمغم :
_ حسناً ، سألوذ بالصمت أنا الآخر ..
لكن قبلها أود أن أخبركما أنه قد تم تزويد مكان إقامتكما بمؤن تكفيكما شهراً .
***
أنت تقرأ
زووم إن
ChickLitصحفي يتعرض لمحاولة قتل، وتنقذه محامية شابة مرات عديدة.. نوفيلا كاملة (رومانسية، مغامرة)