الفصل السابع

6 1 0
                                    

_ هل هرّب الأموال فور حصوله عليها ؟! .
سأل (يحيى) ذلك المسئول الكبير الذي كان يتعاون مع (قصي) من قبل ، فرد عليه باقتضاب :
_ نعم ، قام بتحويلها لبنك آخر داخل البلاد أولاً ، ثم حوّلها بعد ذلك باسم جديد للخارج .
فسأله (يحيى) بشك :
_ و هل سيادتك متأكد من عودتها على يد المخابرات ؟ .
ابتسم بثقة قائلاً :


_ هذا إن كانت غادرت بالفعل ..
المخابرات بدأت عملها منذ مدة يا (يحيى) ..
لا تستهين بهم .
فهتف سريعاً :
_ لا سيدي معذرة ، لا استهين لكن ..
كوني لا أعرف قواعد اللعبة يجعل فضولي يشتعل و أريد إجابات شافية .
رد عليه بثقة و حسم :
_ كلٌ له دوره في اللعبة ..
و كلٌ يعرف بقدر ما يحتاج .
فعاد يسأل باهتمام :


_ و متى سننهيها و نقبض عليه ؟ .
ابتسم قائلاً :
_ عله قريب ، بضعة أيام على أقصى تقدير .
فاستأذن بالانصراف و قد انتهى دوره في اللعبة فور تدخل مخابرات بلاده ، و ذهب ليبشر (ساجد) بقرب الإفراج عن شقيقته و زوجها ..


***




حلّ المساء على بطلينا و كان هو يجلس شارد الذهن تماماً ، فنادت عليه مراراً حتى التفت لها بتساؤل ، فسألته بدهشة :
_ في ماذا تفكر بهذا العمق ؟! ..
هل اتصال (ساجد) بنا هو السبب ؟! .
فضحك بمرح مجيباً :
_ لا بالطبع ، فاتصاله يعني أنه قد قاربنا على العودة لحياتنا السابقة ، و هذا صعب عليّ أن أفكر فيه .
و عبست ملامحه و هو يستطرد بتذمر بدى طفولي. للغاية :
_ لا أريد من الاساس .


فقالت بتهكم :
_ و تقول أنك لست مدللاً ! .
ناظرها بحاجب مرفوع في استنكار ، لكنه رغماً عنه شرد مرة أخرى فيما يشغل عقله ..
فهي و منذ أن تخلص من تلك الجبيرة السخيفة التي قيدت قدمه ، تستيقظ متأخرة ! ..
و تنام بعد أن يسقط هو نائماً من شدة إرهاقه بسبب تدريباته القاسية لإعادة الحركة بصورة طبيعية لقدمه من جديد ..
و ما يشغل باله لهذا الحد هو لماذا ؟! ..
لماذا تستيقظ في وقت متأخر ؟! ..




ماذا تفعل وحدها ليلاً إن كان هو يتركها و يغط في النوم مبكراً ؟! ..
و بحاسة الصحفي لديه كان لابد أن يعلم ، و لهذا نظر لها قائلاً :
_ حبيبتي ، هل ليّ بطلب ؟ .
ردت بتلقائية شديدة :
_ بالطبع ! .
ابتسم لسرعتها في إجابته و غمغم متعمداً الدلال :
_ أريد كوكتيل عصير إن أمكن ..
فهل تصنعيه لي أم سأرهقك معي ؟ .



ضحكت على أسلوبه و قالت و هي تنهض لتفعل ما يريد :
_ لك الحق أن تتدلل هكذا ..
أحلامك أوامر أيها العابث .
فأشار لها بالاقتراب قائلاً :
_ تعالي هنا قبل أن تذهبي .
فهتفت ضاحكة :
_ لا ، أصبحت غير مأمون الجانب ، لن اقترب منك .
ليضحك عالياً ثم يقول :


_ إلى متى حبيبتي ..
وقت الدلال خاصتك انتهى ، و دقت ساعة العمل .
ابتسمت و لم ترد عليه لأنها ذهبت إلى المطبخ كي تصنع له ما طلب ..
و قلم هو مسرعاً قدر استطاعته و انشغل دقائق قليلة ، و بعدها عاد مكانه مرة أخرى دون أن تشعر المأسوفة على أفعالها ..
و بعد مضي الليلة ما بين شد و جذب منهما جاء الصباح ..
و استيقظ هو كالعادة مؤخراً مبكراً عنها ..
فبحث عن ضالته من دون صوت ، و فتحه قائلاً و هو يضيق عينيه :



_ لنرى ماذا تفعلين بعد أن أنام يا زوجتي
العزيزة .
أمسك هاتفه الذي خبأه بعناية الليلة الماضية و هو تارك الكاميرا خاصته لتصنع له فيديو مميز ..
حتى و إن أغلق الهاتف فالكاميرا تواصل العمل بلا توقف ، حتى نفاذ شحن البطارية ..
لهذا أغلق هو الفيديو بيده في الصباح ، و بدأ يستعرضه ..
شاهد مشاكستهما بعد أن جلبت له العصير ، فابتسم تلقائياً و راح يسرع في العرض حتى وصل لوقت نومه وغفلتها هي عن ذلك ..



نظر حوله ليتأكد أنها لم تصحوا بعد ، وواصل المشاهدة و ...
على حين غرة اتسعت عيناه ذهولاّ لما يرى ! ..
يا إلهي ! ..
من هذه ؟! ..
أهذه زوجتي الخجول ؟! ..
رآها و قد اقتربت منه و تحسست شعره بأناملها برقة لكنه كان كجوال البطاطا لا يصد
و لا يرد ! ..
وضع أصبعه على شفتيه و كأنه يفكر فيما يشاهد ، و يترقب ما سيحدث ..


و شيئاً فشيئاً تتسع ابتسامته ..
تجرأت كثيراً حين تيقنت أنه نائم بعمق ، و أخذت تقبله ليفغر هو فاه في بلاهة ! ..
تحتويه و تربت على وجنته ! ..
توقف عن التنفس و هو يغمغم بخفوت :
_ يا إلهي ! ..
تلك الماكرة ! ..
أترك لها الفرصة كي تعتاد وجودي في حياتها ، لتعاملني هي كزوجها و تتركني أنا أعاملها كخطيبتي ! ..
أقسم بكل عزيز لديّ أن انتقم منك أيتها ال...




لم يستطع إكمالها و هو يرى تخشبها فور أن حاول تغيير وضع نومته ووضع ذراعه على كتفها و هي جالسة أرضاً بجوار الأريكة ، ففلتت منه ضحكة عالية على وجهها الذي أصبح كثمرة ناضجة و حان وقت قطفها ..
و ترقب بلهفة و استمتاع ما سيحدث ، إلا أنه قد خاب ظنه بالتأكيد ، فهو لم يشعر بها البتة و هو نائم ، و كان يتمنى أن يفتح عينيه في التسجيل ! ..
و بعد دقائق عندما تأكدت هي أنه عاد للنوم بعمق ، رفعت ذراعه عنها برفق و حذر شديدين ، ووضعته جانبه ، و قامت مسرعة من
مكانها ..

و ذهبت لغرفتها ..
ظل يشاهد ما حدث بعدها بلقطات سريعة ، إلا أنها لم تخرج مجدداً حتى انتهى التسجيل ..
فوضع هاتفه بجواره ، و هو لا يستطيع التحكم في ابتسامته البلهاء ، التي احتلت شفتيه ..
و أغمض عينيه يستعيد بريق عينيها وهي تتأمله بعشق ..
حبيبته تحبه كل هذا الحب ! ..
يا له من سعيد الحظ بها ! ..
هي تفعل ذلك منذ تلك الليلة ..
حررت حبها له و لم تعد تملك سيطرة عليه منذ أن رأته يتألم ! ..


انتهى الأمر بالنسبة له ، و اشعلت فتيله بتهورها ..
و ...
_ صباح الخير ، على ماذا كنت تضحك منذ
قليل ؟! ..
أم أنني كنت أحلم ؟! .
التفت نحوها و لمعان عينيه يسبقه قائلاً لها بصوت مهزوز من تأجج مشاعره :
_ صباح الورد و السعادة على زوجتي الحبيبة ..
بل كنت أضحك على شيئاً ما رأيته في هاتفي .
هل به شيء مختلف ؟! ..




عقدت حاجبيها و هي تتساءل داخلها ، لكن ..
لا هو طبيعي ، دوماً ما يرد تحيتها له هكذا ..
و كذبت حدسها و هي تبتعد عنه لتفعل روتينها اليومي ..
لم يكن لديها فضول لتعرف ماهية هذا الشيء الذي تحدث عنه ..
غير أنه على غير العادة شاركها بحماس لا تعرف سببه في إعداد الفطور ! ..
و بعد أن تناولاه قام يزاول تدريباته في تحريك ساقه حتى لم تعد تؤلمه ، فجلس على مقعده و تحرك به نحو غرفتها ! ..
أصابتها الدهشة و ...


حسناً لتعترف أنه غريب الأطوار ، و تصرفاته أغرب هذا الصباح ! ..
و بعد قليل نادى عليها ، فذهبت إليه ووقفت بالباب تسأله في حيرة :
_ هل تريد النوم هنا ؟ .
فسألها بخفوت وخبث لم تدركه :
_ هل هناك ما يمنع ؟ .
هزت كتفيها قائلة بعفوية :
_ لا ، خذ راحتك ..
هل تريد شيء ؟ .
حك رأسه بإحراج مفتعل قائلاً :


_ اشعلي التلفاز هنا و اجلسي معي حتى أنام على الأقل .
باتت تتنفس بسرعة و قد تورد وجهها لوجودهما سوياً بغرفة نوم ، لكنها وافقته بصمت ، فنام هو على الفراش ، و جلست هي على المقعد الخاص بالمرآة الجانبية في الغرفة ..
ليجز على اسنانه بغيظ دون أن تلاحظه و توعد لها بشدة ..
و بحركة خاطفة لم ترها أبعد مقعده عن متناول يده ، فحاول أن يعتدل و يمد ذراعه كي يجلبه فلم يستطع ، لتهب هي سريعاً و تجلبه له و تقربه من الفراش ، فأمسك يدها بسرعة لتقع عليه ..


صرخت بفزع و ذهول ، فمد يده يغلق فمها بها قائلاً بهمس مبحوح :
_ اهدأي حبيبتي .
وجعلها تعتدل و هي بجواره ، و لم يتخلى عن يدها ، فسألته باستنكار :
_ ما هذا التهور ؟! .
ستؤلمك ساقك و ستشعر بها بعد زوال أثر
المسكن .
ابتسم لها بتيه وهو غارق في عينيها و غمغم :
_ سأقطعها بنفسي إن أبعدتكِ عني بعد الآن .



لم تفهم ما قاله ، إلا أن قربه ذاك أفقدها توازنها ، فاقترب أكثر ليحقق ما فعله في خياله مراراً و تكراراً طول هذا الشهر الذي قضياه سوياً في ذلك المكان ..
التقط شفتيها بعشق جارف ، و تشبث بها حتى فقد كل سيطرة على مشاعره ..
فهتفت به بهمس و قد أضعفها معه :
_ (قصي) توقف .
فهمهم بكلمات لا يدري هو نفسه معناها و من
بينها :
_ اعشقك (سجى) ، اتركيني رجاءاً حبيبتي .



و لم يعد هناك ما يقال ، فلقد رحل الاثنان لعالمهما الخاص ..
و راحا ينسجانه بلوعة قلبيهما ..
و يلونانه بحبهما الذي طغى و فاض منهما
عليهما ..
اسبوع آخر مر عليهما لكن الشهر الذي سبقه و السبعة أيام التي تلته في الألم و التدريب ، لم يحتسبوا لهم ..
بل حسبا عمريهما بدأً من هذا الأسبوع ..
ففي بدايته أعلن عشقهما لبعضهما عن وجوده ، و صارا روح واحدة في جسدين ..


و من وقتها لا يفترقان ..
أتى لهما (يحيى) بعد مضى الشهر بمؤون تكفيهم شهراً آخر ..
كانا مستلقيان على ظهريهما فوق الأريكة معاً ، يشاهدان البحر و يسمعان صوته في صمت
مهيب ..
هي بين ذراعيه يضمها إليه خشية أن تبتعد عنه ، بعد أن أصبحا بهذا القرب ..
يفكر كيف هي شكل حياتهما بعد الرجوع إلى الأهل ، و الذي اقترب كثيراً ..
و بين الحين و الآخر يزفر بقلة حيلة و ضيق و يضمها أكثر ..



أما هي فلم تتعدى أفكارها عن ذكريات الماضي
القريب ، منذ أن وقعت عيناها عليه لأول مرة ..
مروراً بجلوسها معه و قصها عليه احاديثها مع والديه ..
ترفع رأسها عن كتفه لتتأكد أنه واعياً معها ، و تتنهد بحمد لله أنه بخير و أصبح يمشي على قدميه بحرص شديد ..
تجده شارد عاقد حاجبيه و كأنه يفكر في شيء هام و خطير ..
فابتسمت و انقلبت على جانبها لتواجهه ، و قبلته على وجنته لتنتزعه نزعاً من أفكاره المتلاطمة ..



فنظر لها و مازالت ملامحه على حالها ، حتى تنبه فابتسم لها بتيه ..
فسألته بهمس :
_ بماذا تفكر بعمق هكذا ؟ .
مط شفتيه و قال في حزن نوعاً :
_ أفكر في حالنا ..
كيف سيكون بعدما نعود ؟ ..
لا أريد الفراق ، و لن أسمح به .
اتسعت ابتسامتها لتقول بمرح :
_ عدة أيام فقط حبيبي حتى نعد أنفسنا و منزلنا و....

قاطعها بحنق هاتفاً :
_ لا ، لا عدة أيام ، و لا عدة ساعات حتى .
و واجهها هو الآخر و قيدها بين ذراعيه قائلاً :
_ لن تتركيني قط ، و لن أتركك ..
نحن زوجان بحق الله ، لم نفترق ؟! .
ضحكت و هي تخبئ وجهها في كتفه ..
فنظرت له هامسة بمكر :
_ حسناً ، افعل ما بدا لك ..
أنت الرجل ..





يحق لك فرض نفسك على عائلتي و المكوث معي هناك ، حتى نستعد للانتقال لمنزلنا .
رفع حاجبيه باستمتاع و سرور لفكرتها ، لكن
سرعان ما عبست ملامحه مجدداً و عاد لوضعه الأول و سألها بغيظ :
_ و ذلك الغيور هناك ، هل سيسمح بذلك ؟ .
ضحكت بدلال و قالت وهي تضع أناملها على وجنته تداعب شعيرات لحيته التي تعشقها :
_ لا تخشى منه لهذا الحد ، أبي سيمنعه عنك فهو يحبك .



نظر لها بعين لامعة بعشق قائلاً :
_ و أنا عاشق لابنته .
و بعد عدة دقائق أخرى كان يتأملها بعدما غفت على ذراعه ، فأمسك أناملها يعبث بها عند شفتيه و يقبلها ، و لا يعرف لم يشعر به سبباً ! ..
قلبه منقبض وقد ارجع ذلك لاقتراب عودتهما لحياتهما السابقة ، لكنها ببساطة أعطته الحل ..
سيكون معها عند والديها ، أو تكون معه عند والديه ، لا يهم ..
المهم أنهما سيكونان سوياً ..
لم لا زال قلبه منقبض إذن ؟! ..
عاد يتأملها و يعبث بوجهه في وجهها ..



يتحسس بأنفه أنفها و يقبل شفتيها قبل خفيفة ..
و بعد وقت قصير شعر برغبته في النوم ، فلم
يمانع ..
خبأ وجهها ما بين عنقه ووجهه و أغمض عينيه ..
واستيقظ الاثنان بهلع من رنين هاتفيهما الذي ما إن ينقطع حتي يبدآن في الرنين من جديد ! ..
فأسرعت تجلب الهاتفين بينما اعتدل هو يسألها بدهشة :
_ من يا (سجى) ؟! .
ناولت هاتفه و هي تقول بلهفة :
_ أخي و (يحيى) .


استقبلا المكالمتان بسرعة ، فسمعت (ساجد) يقول لها بصوت يملئه الانفعال و الجزع :
_ (سجى) ، تحركا بسرعة و غادرا المنزل ..
هناك سيارة تنتظركما قد أعدها لكما (يحيى) ..
اتركا كل شيء و عودا ، و أنا سألاقيكم في طريق العودة .
فهتفت بسرعة و قلق بدأ يعتري مشاعرها :
_ حسناً أخي ، سنتحرك في الحال .
سمعته يقول قبل أن ينهي المكالمة :
_ احرصي على سلامتك حبيبتي .



طمأنته و هي تتلوى من الخوف على زوجها الذي لم يتحرك على قدميه بشكل طبيعي بعد ..
فوجدته هو الآخر قد أتم مكالمته ، و بينما النظرات في اتصال جزع ، وجدته يبتسم لها ابتسامة شاحبة ليشجعها على الإسراع ..
فأسرعت تجلب له ملابس للخروج و دلفت هي الى الغرفة لتبدل ملابسها ، و حينما انتهيا ، خرج يستند عليها و يتحرك ببطء شديد ، فوجدا بالفعل سيارة تنتظرهما في الخارج ..
عاون سائقها (قصي) على الركوب في الخلف ، و لم تفكر هي كثيراً ، فركبت بجوار زوجها ..



انطلق السائق على الفور ينهب الأرض الصحراوية نهباً ..
فأمامهم ستة ساعات على الأقل ليخرجوا من ذلك الطريق الصحراوي ، الذي يفصلهم عن
العاصمة ..
و هو بالمناسبة يعد مصيدة رائعة لمن يريد التخلص من أحدهم ..
لم يسأله الزوجان عن كيفية وجوده قريب من منزلهما ظناً منهما أن (يحيى) قد استدعاه لهما قبل أن يهاتفهما بنفسه ..
مرت الساعات الثلاث الأولى بخير ، و لم يحدث لهم شيئاً ..


و ركن السائق السيارة قريباً من استراحة على الطريق و قد شارف الليل ليسدل أستاره ، فنزل ليجلب لهم ما يعوضهم عن طعام الغداء الذي لم يتناولونه بعد ..
و شعر (قصي) بألم في ركبته جراء ثني ساقه ، رغم إلحاح (سجى) عليه بفردها ، لكنه أبى و ظن أنه سيتحمل ..
ووسط كل هذا ظهرت سيارة قوية من العدم ، ووقفت قريب منهم ..
و ما إن أبصرتها (سجى) حتى أدركت أن لحظة المواجهة مع الخطر قد حانت ..
***

زووم إنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن