رأى السائق من مكانه داخل محل لبيع المخبوزات تلك السيارة ، وشاهد ثلاث رجال أشداء يقفزون منها و يتجهون نحو سيارته ، فألقى ما في يده سريعاً ليصل أسرع منهم لكن ..
وجد (سجى) قد احتلت مقعد القيادة و هي تهم بتشغيل المحرك ، فأسرع يتخذ مكانه جانبها ، فانطلقت بسرعة صاروخية ..
و ما إن ابتعدا قليلاً حتى قال لها آمراً :
_ هيا ، ابدلي مكانينا .
فقالت له بحزم :
_ أهدأ قليلاً ، أنا ماهرة في القيادة .
كادت عيناه أن تخرج من محجريهما و هو يتطلع إليها بدهشة ، و (قصي) في الخلف لا يدري ماذا عليه أن يفعل بينهما ! ..
فقال الرجل معترضاً :
_ سيدتي ليس هذا وقت للتفاخر ، إن ...
قاطعته بلهجة أشد حزماً من زي قبل :
_ قلت لك أهدأ ، لن اترك لك القيادة الآن ، فدعني اركز ..
فنحن مطاردان من أوغاد لا ندري ماذا يريدان
منا .
لم يجد الرجل الوقت للمناقشة و الجدال أكثر من هذا ، إذ ظهرت سيارة الأوغاد تطوي الطريق خلفهم بسرعة حتى تلحق بهم ..
و بعد مرور بعض الوقت دنت منهم السيارة الأخرى ، و شاهدت (سجى) من خلال المرآة الجانبية رجلين يخرجان ذراعيهما منها و في يديهما مسدسين ، فقالت بانفعال :
_ يا إلهي ! ..
اخفضا رأسيكما بسرعة .
ثقتها في قولها الآمر و ثقتها الأكبر في تنفيذهما له جعلت سائق السيارة يشد شعره من الحنق ..
لكن مع قيادتها في خط متعرج لتصعب مهمة الرجلين في التصويب أنبأته أنها تعرف ما تفعل بالفعل ..
و قبل أن يتخذ أي ردة فعل و جدها تنحرف عن الطريق الممهد لتسير بالسيارة في قلب الصحراء ..
فسألها متعجباً بهجوم :
_ لماذا فعلتي ذلك ؟! .
ستبطئين من حركتنا ! .
فأجابته باهتمام و هي لا زالت تولي الطريق جل تركيزها :
_ معهم قناصة ..
سيتصيدون بها عجلات السيارة أو مخزن الوقود بسهولة ..
أو يتصيدوننا نحن ..
فضلاً عن أنهم كانوا يسعون لحصارنا .
سارعت هي تختبئ وراء بعض الكثبان الرملية ، بعد أن تم إطلاق النار عليهم بالفعل ..
و بعد عدة مناورات بالسيارة خلف عدد من الكثبان الرملية ، علت سحابة من الرمال الناعمة المكان ، فقال لها السائق بحزم :
_ حسناً ، توقفي ..
لدي خطة .
نظرت له بشك ، فأردف بقوة :
_ نسيت أن أعرف نفسي إليكما ..
أنا المقدم ( توفيق) و مهمتي هي حمايتكما ، و الرجوع بكما سالمين .
أوقفت السيارة بالفعل مع مسحة من الخجل طغت على وجهها ، بينما يتساءل (قصي) عن مدي صحة قرارهما هذا ، في هذا التوقيت ! ..
و كيفية التعامل مع الموقف في ظل ظروفه
الصعبة ! ..
خرجا من السيارة متسترين بسحابة الرمال و في محاذاة أحد الكثبان ، تقدمهما ذلك المقدم بخطوة
حتى يتأكد من صحة تخمينه ..
فهو قدر أن هؤلاء الأوغاد سيقفون بسيارتهم قريباً من سيارته كي يتفقدوها ، فعمل على اخفاء الزوجان جيداً حتى تحين اللحظة المناسبة ..
و بالفعل صح توقعه ..
فخرج ثلاثة ليبحثوا عنهم ، بينما انتظر اثنان في السيارة ..
فتعامل معهم بمسدسه الكاتم للصوت ، و أسرع لـ(قصي) يحاول جذبه للسيارة كي يستقلونها بدلاً من سيارتهم ..
فرأت (سجى) الثلاثة يفترقون ليعثروا عليهم و قد يلمحهم أحد في اقترابهم من السيارة ، فأسرعت هي مرة أخرى لمقعد السائق ، ليهتف المقدم بغيظ :
_ اللعنة ! .
كان ( قصي) يقفز على قدم واحدة ليسرع و عندما اقترب من السيارة ، القى بنفسه داخله و هو يلهث بشدة ، و عندما هم (توفيق) اللحاق بهما لمحهم أحد الرجال بالفعل ، ليصرخ في زميليه ، و يسرع إليهم تسبقه رصاصاته ..
فقفز (توفيق) هو الآخر بجوار (قصي) ، حتى يحميه ، و يطلق نيرانه عليهم ..
و قادت (سجى) السيارة للخلف حتى تبتعد ، فليس هناك وقت لتعدّل وجهتها ، و حاولت قدر الإمكان
مراوغة خصومها تساعدها الرمال المتصاعدة لتغشي العيون عنهم قليلاً ، حتى ابتعدت بالفعل عن مرمى رصاصهم ، فعدلت وجهة السيارة و انطلقت بها لتعود للطريق الممهد مرة أخرى ..
فضحك المقدم (توفيق) وقال له في تعجب :
_ يا لكِ من فتاة ! ..
من الشيطان الذي علمك كل هذا ؟! .
عبست ملامح (قصي) في غيرة واضحة على زوجته رغم انبهاره هو الآخر بما تفعل ، بينما
عبست ملامحها على ذلك اللفظ و قالت له باعتراض :
_ لا تقول عنه شيطان ، إنه ملاكي الخاص ..
و أخي .
فقال مبتسماً :
_ (يحيى) هذا يفاجئني بأفعاله ..
هذه المرة سأرفع له القبعة .
فقال (قصي) بصوت بان فيه الألم :
_ شقيقها يدعى (ساجد) ، وليس (يحيى) .
مط شفتيه بحرج و قال بخفوت :
_ اعتذر عن سوء الفهم .
و استدار لها مجدداً و هو يردف :
_ هل لي بمقعد القيادة الآن من فضلك ؟ ..
و لتعتني أنتِ بزوجك .
فوافقت و اوقفت السيارة ليتبادلا الأماكن مرة أخرى ، و عندما ركبت بجوار زوجها ، أصرت هذه المرة بأن يفرد ساقه عليها ، لكن للأسف من سرعة تحركهم لم يجلبا علاجه معهما ..
و بعد ساعة و نصف تقابلوا بقوة أمنية يقودها (ساجد) و (يحيى) حتى يتدخلوا لحمايتهم إن كانت المواجهة لم تحدث بعد ..
فأوقف السيارة و عاون (ساجد) على مساندة (قصي) كي يركب الزوجان مع الأول في سيارته ، بعد أن غير من وضعية المقعد الأمامي و جعل
ظهره ينحني بزاوية مستقيمة مع المقعد نفسه حتى يجلس (قصي) في الخلف و يمدد ساقه عليه ..
فجلست زوجته بجواره في الخلف بعد أن تعانقت هي و شقيقها بحرارة كادت تذيب ذاك المتألم من الغضب ..
فهما لم يعبآ بكم الرجال من حولهما و نسيا نفسيهما تماماً و هما يتعانقان و يتهامسان ! ..
بينما كان (توفيق) يقص على (يحيى) ما حدث ، لتنقسم القوة الأمنية إلى نصفين ..
الأولى بقيادة (يحيى) و (توفيق) للعودة لأولئك الأوغاد و تمشيط المنطقة ..
و الأخرى لحماية الشاهد الوحيد بالقضية ، و العودة به و بزوجته سالمين للعاصمة ..
و بينما هم في طريق العودة ، سأل (ساجد) زوج شقيقته بقلق :
_ ما بك يا (قصي) ؟! ..
هل أرهقتك الرحلة إلى هذا الحد ؟! .
لم يكن في استطاعته الرد من شدة ألمه ، لكنه أجاب بخفوت :
_ ساقي تؤلمني بشدة من طول هذه الجلسة .
فسأل لشقيقته باستغراب :
_ لم لا تعطيه قرص مسكن ؟! .
مطت شفتيها بأسف و حزم قائلة :
_ لم نجلبه معنا للأسف ..
نسيت إحضار دوائه من ربكتنا وقتئذ .
فأوقف سيارته في جانب الطريق بعد أن هدأ سرعتها ، فتوقفت السيارات التابعة له بدهشة ، و نزل هو ليفتح حقيبتها الخلفية مخرجاً صندوق صغير ، و ركب مكانه مرة أخرى وهو يقول :
_ دكتور (سالم) يصر على وضع هذا الصندوق بسيارتي دوماً ..
و به كل ما نحتاج إليه من إسعافات .
فتهللت أساريرها كثيراً و تذكرت هذا الأمر ،
فقال لزوجها آسفة :
_ اعتذر بشدة ، لقد نسيت هذا .
أمسك يدها قائلاً بخفوت و حنان ، و قد بدأ يتصبب عرقاً :
_ لا عليكِ حبيبتي .
جز (ساجد) على أسنانه في حنق من سماعه لما تفوه به (قصي) ، و أخرج محقن ليعده قائلاً :
_ حسناً ، ليس معي أقراص مسكنة ، لكن معي محقن سيأتي بمفعول أقوى و أسرع من
الأقراص ..
هيا يا (سجى) انزلي من السيارة و انتظري قليلاً
ريثما أعطيها له .
فساله (قصي) بدهشة :
_ أهي تؤخذ في الوريد ؟! .
هز رأسه نفياً ، و هو يقوم بإفراغ محتويات عبوة صغيرة من المادة الفعالة داخل المحقن ، فعاد يسأله مجدداً :
_ لماذا إذن تطلب منها مغادرة السيارة و هي من ستحقنني بها ؟! .
تجمد (ساجد) تماماً عند نهاية الجملة ، و شعرت (سجى) بذلك الشرر الذي تطاير من عيني شقيقها ، و تنبئت بقرب اندلاع الحرب بينهما ..
فصمتت تماماً و هي ترى أخيها يستدير برأسه وينظر لزوجها شزراً سائلاً له ببطء :
_ ماذا قلت ؟! .
و أردف بلهجة لا نقاش فيها :
_ أنا من سأحقنك بها .
فعاند الآخر وهو يعرف أن الغيرة هي ما تدفع بالشقيق ليبعد زوجته عنه ، فأثبت له أن غيرته هو عليها مضاعفة ..
فأمسك يدها و قال في حزم :
_ إما أن تعطيني هي إياها ، أو لن آخذ شيئاً على الإطلاق .
فأخرج الشقيق زفيراً حارقاً من أنفه و أذنيه ، وعينه مسلطة على يدها القابعة في كف ذلك المستفز ..
و قال بعد أن ألقى المحقن بإهمال داخل الصندوق :
_ فليكن لن تأخذه .
و انطلق بالسيارة بعنف شديد ،
ولم تجد الفرصة كي تلطف الجو بينهما ..
تعرف جيداً أنها ما إن ينطلق لسانها بكلمة تنصر بها زوجها عليه ، فستكون أعطته السبب الذي يحتاجه بشدة ليدفنهما أحياء بنفسه في تلك الصحراء قبل أن يخرجوا منها ..
فأطبقت على شفتيها بحزن شديد و هي تنظر لـ(قصي) بتعاطف و شفقة ، و يدها في يده تحاول التربيت على راحة يده من الداخل بأناملها لتآزره في تعبه ..
فتوجه لها بوجهه باسماً ، و رأسه يلقيها على ظهر المقعد ..
فمدت الأخرى تمسح بها حبات العرق عن جبينه ،
فشاهدهما (ساجد) من خلال مرآة السيارة الداخلية ، اصطكت اسنانه من الغيظ و الغيرة ، و أغمض (قصي) عينيه بإرهاق بالغ ، و راح في النوم و ملامحه متغضنة من شدة ألمه ..
فركن السيارة جانباً للمرة الثانية خلال نصف الساعة ، فتبعه المرافقون له وهم لا يفهمون شيئاً ، و ترجل هو وراح يتمتم ببعض الألفاظ التي لم يسمعها سواه و أغلق بابها خلفه بقوة ايقظت من نام
بداخلها منتفضاً متسع العينين بجزع ، فاحتوت رأسه زوجته لتهدئه قائلة :
_ أهدأ حبيبي ، إنه أخي .
فأخذ يلهث قليلاً وعيناه زائغة من الألم ، فهو يصنع شوشرة و تشتت لمستقبلات حواسه داخل عقله ، فسألها بهمس :
_ ماذا حدث ؟ .
فأجابته باسمة و هي تتركه لتعد له المحقن :
_ رضخ لما تريد على ما يبدو ، و خرج هو .
ابتسم هو الآخر قائلاً بنعاس :
_ يبدو صحبته لديكم ستكون رائعة .
فضحكت بخفوت قائلة :
_ سبحان من سيجعله يصبر معنا حتى نصل للبيت سالمين ..
شعرت أنه سيقتلنا حتماً و يوفر على أولئك الأوغاد عناء ذلك .
ضحك و هو يعتدل لها لتعطيه الدواء ، و سألها بتهكم :
_ ترى كيف سيتحملنا حتى يجمعنا
بيتنا ؟! .
ساعدته بعد ما انهت مهمتها ليعتدل ، فنظرا لبعضهما نظرة ضاحكة و قالت هي مبتسمة :
_ الله يستر .
فأطبق على يدها ووضع رأسه على كتفها قائلاً بخبث :
_ دعينا نضعه أمام الأمر الواقع ليستسلم بسرعة .
حاولت أن تجعله يعتدل فرفض بإصرار ، فقالت و هي تمط شفتيها ببؤس :
_ ما ذنبي أنا في حربكما هذه ؟! ..
سأقتل على يديك .
ابتسم و هو يلمح أخيها قادماً و قال مبتسماً :
_ سأتصنع النوم عله يقود بصمت .
دخل (ساجد) و دهش لمرآه نائماً ، فسأل شقيقته بدهشة :
_ ألم تعطيه العلاج ؟! .
فأجابته ببساطة و خفوت :
_ بلى .
فارتفع حاجبيه و سألها باستنكار :
_ كيف أفرغتي فيه المحقن و هو نائم هكذا ؟! .
فتح (قصي) عينه الزائغة و قال بتعب :
_ أنا لم أنم بعد ..
أنا أحاول .
شعر (ساجد) ببوادر جلطة ، أو أعراض شلل بدأت تظهر في اعوجاج فكه من شدة الغيظ و هو يسأله :
_ وهل هذا وضع تنام فيه هنا ؟! ..
ألا تشعر بمن حولك يا رجل ؟! .
فرفع (قصي) حاجبيه و قال بهدوء و براءة أطارا عقل الآخر :
_ و ماذا في هذا ؟! ..
أنت لست غريباً ، و زجاج سيارتك معتم .
فاتسعت عيناه ذهولاً و غضباً من ذلك الهادئ الماكر المستفز أمامه ، و ألقى نظرة ساخطة على شقيقته التي كانت تحاول أن تتوارى عن أنظاره ، و زفر بحنق و هو يلهث من شدة غضبه و عدم تقبله للوضع ، لكنه استدار قبل أن يرتكب جناية ، و رفع المرآة الداخلية للسيارة حتى لا يراهما ، و انطلق بقوة يفرغ ما به من انفعال في القيادة ..
و هدأ مع الوقت ، و شعر أنه وحيداً تماماً ، كأنهما لا يشاركانه الطريق ..
فأنزل المرآة ليطمئن على الوضع ، فوجدهما يغطان في النوم العميق ..
واضح من ملامحهما ما عانا منه في الساعات القليلة المنصرمة من خوف و ارتياع و انفعال و ترقب ..
وجد شقيقته تستند بوجنتها على رأس زوجها ، و رغماً عنه تآكلته الغيرة عليها ..
فهو منذ حملها في أول يوم لها بهذه الدنيا وهي دميته و ابنته و رفيقته و تكاد تكون توأمه ..
لم يفترق عنها يوماً ..
كانا يلعبان سوياً و هما صغيرين و عندما تخرج هو ، كان يفاجئها أحياناً و تجده يجلس بجانبها بكليتها في بداية المحاضرة ..
و عندما تنتهى محاضراتها يأخذها للنادي ليدربها و يتدرب معها ..
يصعب عليه أن يراها قد استبدلته بغيره ..
بل و ارتضت به ! ..
يقسمه نصفين أن يرى من حل محله بجانبها ،
ويعود ينظر لهما مرة أخرى وهو يحاول أن يتأقلم مع الوضع الجديد ، و يحاول أن يتنفس بهدوء و يقول داخله :
_ هي لن تبتعد عني ..
و هو لن يأخذ مكاني مهما حدث ..
فأنا شقيقها و أقبع في مكانة أخرى غير مكانته ..
لكنه إن تعمد إثارة غيرتي عليها مرة أخرى ، فسأقتله و أنا مرتاح الضمير ..
و هكذا زم شفتيه بعزم و سعادة لما انتهى تفكيره إليه ، و أردف بغيظ داخله وهو ينظر إليه في المرآة :
_ عل الكوابيس تلاحقك ، و لا تهنأ بنومتك هذه أيها السخيف .
***
![](https://img.wattpad.com/cover/375433743-288-k304439.jpg)
أنت تقرأ
زووم إن
ChickLitصحفي يتعرض لمحاولة قتل، وتنقذه محامية شابة مرات عديدة.. نوفيلا كاملة (رومانسية، مغامرة)