الحياة ليست عادلة دائما ..
ليس كل ما نتمناه نحصل عليه ..
لقد مت مرتين ، الاولى عندما أخذ منى اعز ما أملك والثانية عندما رأيت قاتلى !...بداخل غرفة مغلقة كانت تجلس على الارض ضامة ركبتيها لصدرها تحاوطها بيديها وتستند بظهرها على الحائط ، تنظر للسقف فى سكون تام ، تخلو الغرفة من اى صوت عدا صوت عقارب الساعه التى تتحرك بانتظام .
وقفت ببطئ وتحركت لتقف امام المرآه ، نظرت لتفاصيل وجهها الشاحب ثم مدت يدها لتتناول علبة الدواء التى افرغت حباته جميعا بداخل كف يدها ثم القت بالعلبة باهمال ، اخذت تنظر للدواء بيدها وهى تذرف الدموع ، أغمضت عينها بقوة ثم حركت يدها ببطئ باتجاه فمها تنتوي ابتلاعه كله كانت يدها ترتعتش ولكنها استمرت فما هى إلا دقائق وتنتهى حياتها ويتنهى معاها كل ذاك الألم والعذاب .
ولكن فجأه تجد من يدفع يدها بسرعة لتقع منها حبوب الدواء وتتناثر جميعها على الارضية وتسمع صوتها تقول
" كارما بتعملى ايه ! انتى فكرتى فى الانتحار تانى ! "
تركت لدموعها العنان وتحركت بصمت لتجلس على الفراش وتضم ركبتيها كما كانت وتبكى بشده فتقترب منها وتقول
" انتى قطعتى شوط كبير جدا فى العلاج واتحستنى ليه بترجعى نفسك لنقطة الصفر من الاول ، انسي بقى يا كارما وعيشي حياتك حرام عليكى صحتك ونفسك "
لم تعقب على كلامها وفضلت الصمت فتابعت
" انا هروح اكلم الدكتور واحدد معاه معاد "
نظرت لها وكأنها تترجاها أن لا تفعل فقالت بحزم
" هتروحى للدكتور ولا ارجعك المستشفى "
ارخت عضلات وجهها دلالة على موافقتها رغما عنها ولكن زيارة الطبيب النفسي افضل لها من الرجوع لذلك المشفى الكئيب الذى يمرضها أكثر من أنه يعالجها ..جمعت حبوب الدواء من على الارض وتخلصت منها ثم تأكدت من خلو الغرفة من اى علبة دواء اخرى ثم خرجت لتهاتف الطبيب .
" دكتور عرفة ازى حضرتك معلش ازعجتك"
رد عليها الطبيب عبر الهاتف قائلا
" نرجس اهلا بيكى ، لا مفيش اى ازعاج طمنينى كارما اخبارها ايه "
ردت عليه نرجس قائلة بقلق
" كارما حاولت تنتحر انهاردة يا دكتور انا خايفة عليها اوى "
" قوليلى اخر مرة حاولت فيها كانت امتى "
حاولت نرجس التذكر وقالت
" من حوالى ٣ شهور تقريبا "
" تمام شرفونى بكرة فى العياده ومتقلقيش عليها "
ابتسمت قائلة " شكرا ليك يا دكتور "..
***" الذكريات ! ، الذكريات صعبة اوى يا دكتور "
قالتها كارما وهى جالسه امام الطبيب عرفة بوجه شارد خالى من اى تعبير
خلع نظارته الطبية ووضعها على المكتب امامه ثم قال
" وانتى حققتى تقدم كبير وقدرتى تتناسي ، ليه عايزة تحطى نفسك فى الذكريات من تانى "
" هى اللى محوطانى من كل اتجاه خنقانى اوى يا دكتور "
قام من مكانه ولف حول مكتبه ليقف بمقابلها وهو يقول
" يبقى نسيبها "
نظرت له وهى عاقده حاجبيها فتابع
" أمشي يا كارما سيبى البيت اللى انتى عايشة فيه ، عشان كل دقيقة بتمر عليكى وانتى فيه هتفضلى شايفة فيه الماضى "
قالت بحده " مقدرش ، مقدرش اسيبهم وامشي "
رد عليها بهدوء " بس هما سابوكى ومشيوا يا كارما مبقاش ليهم وجود "
صمتت وهى تبكى وكأنها تستوعب تلك الصدمة من جديد ، جلس عرفة امامها وقال بهدوء
" طب ايه رأيك نتفق اتفاق "
انتبهت له وصوبت نظرها نحوه ، فقال
" تبعدى فترة ، فترة محدده نقول مثلا ٦ شهور وترجعى تانى وتشوفى ساعتها انتى زى ما انتى ولا حصل تغيير "
استرعى اتفاقه اهتمامها واخذت تفكر فيه ولاحظ عرفة ذلك ففرح انه حاول الوصول لنقطة معينه وهى جعل الوقت يمحى اثار الصدمة من داخلها .
" هسيبك تفكرى لحد بكرة وتردى عليا خدى وقتك ، وانا هبلغ نرجس بالاتفاق ده برضو "..مع غروب الشمس اغلقت كارما ذلك الستار واتجهت لفراشها لتجلس عليه تفكر فيما قاله الطبيب لها صباح اليوم ، وقع نظرها على تلك الدُمية الموضوعه على الكومود بجانبها فأمسكتها واخذت تنظر لها وتمسح عليها بيدها بحنان ودموعها تسقط بغزارة ، وجال بذاكرتها ومضات من الماضى .
منذ عامين ..
دق جرس الباب وهى تضع اخر طبق على المائدة ، فاسرعت تفتحه بسعاده وتعانق الطارق قائلة
" حبيبى حمدلله على السلامه "
بادلها العناق قائلا
" وحشتينى اوى "
" وانت كمان "
وضع اصبعه على فمه وهو يخفض صوته ويقول
" شششش حلا صاحية ولا نايمة "
قالت بابتسامه واسعة
" لا متقلقش نايمة ، وانا خلصت الغدا وكمان عملتلها تورتة عيد ميلادها "
رفع العلبة التى بيدها ثم أخرجها من الحقيبة ليظهر بداخلها دمية جميلة ذات شعر وردى ويقول
" انا جبتلها العروسة اللى كانت عيزاها "
قالت بسعاده " الله دى هتطير من الفرحه "...عادت كارما للواقع وهى تحتضن تلك الدُمية وتبكى بشدة قائلة
" وحشتينى اوى يا حلا وحشتينى يا بنتى ااااه قلبى اتكسر من بعدكوا "
دقت نرجس على الباب ثم دخلت وهى تحمل صينية موضوع عليها الطعام ووضعتها امام كارما ، وقع نظرها على الدمية بيد كارما فتنهدت بحزن عليها ثم سحبتها من يدها بدوء ووضعتها على الكومود ثم جلست امامها وهى تقول
" متكلمتيش خالص من ساعة ما خرجتى من عند الدكتور ، مش حاسه بتحسن"
ردت كارما " عمل معايا اتفاق "
رفعت نرجس الملعقة لتطعم كارما التى رفضت تناول الطعام فقالت نرجس
" عشان خاطرى كلى حاجه انتى مأكلتيش من الصبح "
ردت عليها بجمود " قالى انه هيقولك على الاتفاق "
تنهدت نرجس ووضعت الملعقة فى الصينية مرة اخرى وقالت
" قالى "
" وانتى شايفة ايه "
ابتسمت نرجس بهدوء فلأول مرة تتناقش معاها كارما وتأخذ رأيها فقد كانت لاتستمع لاحد وتفعل ما تمليه عليها نفسها فقط
" انا شايفة نجرب مش هنخسر حاجه ، وانا معاكى فى اى حاجه "
رفعت حاجبيها بدهشة قائلة
" نجرب ! انتى هتيجى معايا "
قالت بابتسامه
" طبعا مش صاحبتى واختى وبعدين انا مليش حد هنا غير اخويا ومراته اللى كنت عايشة معاهم وانتى عارفة عيشتى معاهم كانت عاملة ازاى الحمد لله انى سبتهم وجيت اعيش معاكى من سنه ونص "
صمتت كارما وظلت تنظر للفراغ امامها وكأنها تفكر في اتفاق الطبيب وفى كلام نرجس .
لاحظت نرجس شرودها فأحبت تركها بمفردها لتفكر براحه ولكن اوقفها صوت كارما وهى متوجهه نحو الباب قائلة
" أنا موافقه "
تهللت اسارير نرجس والتفت لها قائلة
" موافقة على ايه "
" هنمشي من هنا بس مش هنروح منطقة تانيه"
تعجبت نرجس قائلة
" أمال هنعمل ايه "
" هنروح محافظه تانية عشان اضمن انى مرجعش البيت هنا بسهولة "
قالت نرجس بحماس
" وانا معاكى ، بس هنروح فين ؟"
ردت عليها كارما وهى تنظر لدمية ابنتها
" الغردقة ..."