( ٣ )

145 18 4
                                    

هل يمكننا البدء من جديد ام ان الماضى سيظل ينبش عقولنا بحوافره !

اغلقت ذلك الكتاب الذى كانت تقرأه ووضعته على الطاولة الصغيرة امامها ، شعرت ببعض البرودة تتسرب اليها فاغلقت سترتها جيدا ، دقائق وشعرت ان النوم يتسلل لجفونها فنهضت متوجه لفراشها بعد ان اغلقت اضاءة الشرفة ثم راحت فى سبات عميق ..

فى نفس الوقت كانت نرجس تجلس بغرفتها وهى تدون خواطرها على الورق والابتسامة لا تفارق شفتيها ، فها هى اخيرا اصبحت بجانب حبيبها الاول والاخير (وائل) ، اغلقت دفترها واخذت تتذكر ذكرياتهم سويا عندما كانت بعمر العشر سنوات  ، فقد كانت خالتها تسكن على بعد بنايتين من منزلهم ، كانت دائما ما تزورهم وتجلس برفقة والدتها تتجاذب معها اطراف الحديث ، بينما هى كانت تلعب برفقة وائل ، وعلى الرغم من ان اخيها الذى يصغرها بعامين كان يفسد متعتها فى اللعب برفقة وائل ولكنها كانت تسعد بتلك اللحظات التى تقضيها معه..
تذكرت يوما كانت تجلس برفقة والدتها وخالتها ووائل ، وكانت تحمد الله ان اخيها كان نائما آن ذاك ، وحينها وقع على يدها قدح الشاى الساخن فضرخت متألمه فاسرع وائل نحوها واخذ ينفخ بيدها ويمسد عليها برفق ، فابتسمت ثم نظرت لوالدتها قائلة بنبرة طفولية
" بصى يا ماما وائل بيخاف عليا انا لما اكبر هنتجوز انا وهو "
تعالت ضحكات والدتها وخالتها آن ذاك ظنا منهم انه كلام طفولى ، ولكن هى كانت تعى ما تقول انها تحبه حقا !..
فاقت من شرودها ووقفت امام الشرفه وهى تقول بتنهد
" يااااه يا وائل اخيرا اتجمعنا تانى ، امتى تحس بيا بقى ، امتى !"
فزعت نرجس عندما قاطعها صوت صراخ كارما فهبت راكضة نحو غرفتها ، فتحت الباب وانارت الضوء لترى كارما وهى تتململ فى فراشها بعنف ثم نهضت جالسة وهى تصرخ
" حلاااااااا بنتى "
اسرعت نرجس نحوها واخذت تمسد على رأسها برفق وهى تحاول تهدئتها
" اهدى يا كارما مفيش حاجه اهدى يا حبيبتى "
استعادت كارما وعيها واخذت تنظر حولها لتتذكر اين هى ، نظرت لنرجس بنظرات دامعه وهى تقول
" حلا وحاتم وحشونى اوى يا نرجس انا مش قادرة اعيش من غيرهم مش قادرة "
حبست نرجس دموعها وهى تربت على ظهرها قائلة بخفوت
" الصبر ، الوقت هيخليكى تتعافى انا متأكده"...

فى اليوم التالى استيقظت نرجس بنشاط وسعاده ولم لا فاليوم هو اولى ايام عملها الجديد بجانب من دق له قلبها ، اخذت حماما دافئا وارتدت ملابسها ووضعت بعض الزينة على وجهها والتى ابرزت ملامحها بشكل جميل
نظرت نظرة اخيرة على نفسها وابتسمت برضا ثم خرجت من غرفتها متوجه نحو غرفة كارما للاطمئنان عليها .
وجدتها نرجس تجلس بالصالة وهى تتناول وجبة الفطور وتتابع التلفاز بتركيز ، فحمحمت قائلة
" احم صباح الخير يا كوكى ها نمتى كويس"
نظرت لها كارما وملامح الارهاق بادية على وجهها ، ولكنها ابتسمت قائلة
" يعنى الحمد لله ، هتعود مع الوقت متقلقيش"
قالت نرجس بجدية وهى تلتقطت بعض الطعام لتضعه فى طبقها
" بتاخدى ادويتك زى ما قال دكتور عرفة"
تنهدت قائلة
" ايوة متقلقيش "
صمتت نرجس قليلا ثم قالت وهى تلوك الطعام بفمها
" طب ايه رأيك تيجى معايا الشغل بدل ما تقعدى لوحدك هنا واهو تشوفى ناس وتتعرفى عليهم "
نظرت لوجه كارما فوجدت ان الفكرة نالت استحسانها وردت قائلة بابتسامه
" ياريت بدل ما افضل لوحدى هنا "
قالت نرجس بحماس
" طب مستنيه ايه يلا قوام البسي " ...

كان وائل يجلس على مكتبه وهو ينظر فى شاشة ذلك الحاسوب المتنقل بتركيز بينما يضغط باصابعه على ازراه بسرعه
سمع طرقات منتظمة على الباب فرفع رأسه قائلا
" اتفضل "
دلفت نرجس برفقة كارما وعلى وجهها ابتسامه واسعة وقالت وهى تحاول اخفاء سعادتها
" صباح الخير "
ابتسم وائل وقام من مكانه ثم استدار ليقف امام مكتبه ويقول مرحّبا
"صباح النور يا نرجس قوليلى بقى جاهزة "
قالت بحماس
" طبعا انت متعرفش انا بحب الطبخ قد ايه بحس كدة انى ببدع فيه "
لم ينتبه وائل لما قالته فقد لفتت كارما نظره و التى كانت تقف بهدوء على بُعد من نرجس وهى تنظر فى جميع انحاء الغرفة بشرود وكان هناك ما يشغل عقلها ، فوجه كلامه لها قائلا
" ازيك يا انسه كارما "
انتبهت كارما من شرودها وردت بتلعثم
" ا .أ..الحمد لله "
همت نرجس ان تصحح ما قاله وائل ولكن كارما قاطعتها سريعا قائلة
" ايه بقى يا شيف مش يلا عشان نشوف مهاراتك ".

ارتدت نرجس ملابس الطهاه ووضعت على رأسها تلك القبعة البيضاء وبدأت باعداد اصناف من الطعام بمهاره ملحوظه ، وقف وائل برفقه كارما على بعد يراقبون نرجس وهى تعد الطعام بحماس ، ثوانى ودلف كبير الطهاه (الشيف بكر) ليتابع العمل بالمطبخ ويلقى عليهم بعض التعليمات الخاصة برجال الاعمال الذين سيزورنهم الليلة وهو يقول
" يلا اسرع اسرع فى ناس مهمه جاية انهاردة عايزين نخلص على الوقت "
سلم على وائل فى عجالة ثم دلف وهو يكمل توجيهاته للطهاه ، اقترب من نرجس التى انهت اعداد ذلك الطبق للتو وكانت تضع عليه اللمسات الاخيرة ، نظر باعجاب واضح لشكل الطبق بينما سمع نرجس تقول بحماس
" اتفضل يا شيف دوق "
امسك بادوات الطعام وتذوق من الطبق ليظهر على وجهه علامات الاستحسان ويقول بابتسامه مشجعه
" ليكى مستقبل باهر يا شيف "
ابتسمت نرجس بسعاده ثم نظرت لكارما التى اشارت لها بيدها بتشجيع ، ثم القت نظرة على وائل الذى اومأ لها بابتسامه فبادلته الابتسام وقلبها يتراقص فرحا ...

" أنسه كارما "
قالها وائل وهو يأتى من خلفها سريعا بينما استدارت هى لتواجهه ، حاولت كتم حنقها من نعتها بالانسه طوال الوقت كى لا تفجر جميع غضبها به ، فقالت بهدوء
" ايوة "
" يعنى لو مفيهاش مضايقة ممكن تتفضلى تشربى حاجه لحد ما نرجس تخلص شغلها "
ردت بوجه خالى من اى تعبير وقالت
" معلش محتاجه اتمشي شوية واتفرج على الشوارع بعد اذنك "
وتركته وانصرفت دون حتى الاستماع الى رده..

اخذت كارما تسير بالشوارع القريبة من المطعم ولم تبتعد خشية ان تتوه ولا تستطيع الرجوع للمطعم مرة اخرى ، كانت الشوارع هادئة نوعا ما فى ذلك الوقت ، شعرت ببعض الراحه وهى تستنشق الهواء الطلق وتشاهد المحلات المتنوعة ، لفت نظرها محل صغير كانت تقف امامه امرأة عجوز بعض الشئ خمنت انها بالعقد الخامس من العمر ، كانت تثبت على بابه لافته صغيرة انتظرت حتى اتممت تثبيتها وانصرفت من امامها حتى قرأت المكتوب عليها
( المحل للبيع )
ضيقت كارما عينينها وكأنها تفكر بشئ ما ، ثم اتسعت ابتسامتها شيئا فشئ لتقول بنبرة حماسية
" طب وليه لا ! " ....

زهرة خلف قضبان قلبى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن