استيقظ فسريس في الصباح الباكر كما اعتاد.نهض ببطء من سريره الكبير، حيث كانت أغطية السرير المصنوعة من الحرير الناعم تلتف حوله. بعد أن أخذ لحظات ليجدد نشاطه، ارتدى ثيابه المعتادة، وخرج من غرفته باتجاه قاعة الطعام.
عندما وصل إلى قاعة الطعام، تفاجأ بأن والده، لم يكن موجودًا كالمعتاد. كان المكان خاليًا إلا من أمه، إيلاريا، التي كانت تجلس بهدوء على رأس الطاولة، تتناول فنجانًا من الشاي.
"أين والدي؟" سأل فسريس، وهو ينظر إلى المقعد الفارغ.
وضعت إيلاريا فنجان الشاي المصنوع من الخزف الفاخر جانبًا،ونضرت إليه."انه مشغول ببعض الأمور الهامة."
شعر فسريس بتيار من الشك يتسلل إلى قلبه. كان والده لا يتخلف أبدًا عن الإفطار، وهذا الغياب كان غير معتاد. ومع ذلك، لم يهتم بالأمر كثيرًا، فوالده دائم الانشغال.
بعد أن أنهى إفطاره، توجه كعادته إلى الحديقة. وبينما كان يسير بين الأشجار الضخمة، التي بدت وكأنها تحرس أسرار القصر بظلالها الكثيفة،ظهرت الجنية "إيريس" أمامه.
قالت:"سيدي، والدك يستدعيك في القاعة ."
توقف فسريس لبرهة، بدأت الأسئلة تتسرب إلى عقله. لماذا يستدعيه والده الآن؟ هذه الأسئلة كانت تدور في رأسه بينما كان يتوجه نحو القاعة. عندما دخل القاعة، وجد والده فالريان غارقًا في التفكير، لم يلحظ دخول فسريس على الفور.
وقف فسريس بهدوء، ينتظر بصمت حتى يرفع والده رأسه. بعد لحظات، التقت عينا فالريان بعيني ابنه، فأشار إليه بيده كي يقترب.
"تعال، فسريس"، قال فالريان بصوت منخفض لكنه حازم. عندما اقترب فسريس، سلمه والده جريدة سحرية كانت موضوعة على الطاولة أمامه. كانت الجريدة مميزة، صفحاتها تتحرك كما لو كانت تتنفس، والصور على الصفحات لم تكن ثابتة، بل تتحرك كأنها جزء من عالم حي. إحدى الصور كانت تظهر أبواب مدرسة ضخمة،وأسفل الصورة كان هناك عنوان كبير يتوهج بين الحين والآخر: "أوامر جديدة من الوزارة: جميع العائلات النبيلة ملزمة بإرسال أبنائها فوق سبع سنوات إلى مدرسة السحر المشتركة".
بدأ قلب فسريس يخفق بسرعة، أدرك مدى خطورة هذا الأمر على العائلات النبيلة. هذه المدرسة ستكون مشتركة بين النبلاء والعامة، وهي محاولة واضحة من الوزارة لمساواة الجميع، وهو ما يهدد مكانة النبلاء في عالم السحر.
أنهى فسريس قراءة الجريدة ببطء، ثم نظر إلى والده الذي كان يراقبه بعيون حادة. "الوزارة بدأت تضيق الخناق علينا أكثر من قبل،" قال فالريان بنبرة جادة، وهو ينظر إلى ابنه بعمق. "وهل تدرك ما يعنيه هذا يا فسريس؟"
أومأ فسريس برأسه قليلاً، وقال: "إنهم يحاولون المساواة بيننا وبين العامة."
لكن كلمات فسريس أغضبت فالريان، فرفع صوته بصوت أرعب ابنه: "لا! إنهم لا يحاولون مساواتنا، إنهم يحاولون إبادتنا! ألا تفهم؟ العامة عددهم أكبر منا بكثير. إذا تعلموا جميعًا السحر، فما الشيء المميز الذي سيكون بحوزتنا؟"
خفض فسريس رأسه، وكأنه يضعن أمام قوة كلمات والده. استمر فالريان في الكلام : "لا نستطيع أن نعارض الأمر بشكل مباشر، ولكن نستطيع أن نقلب الطاولة عليهم."
رفع فسريس رأسه قليلاً ونظر إلى والده بتساؤل: "كيف؟"
ابتسم فالريان ابتسامة خبيثة، تلك الابتسامة التي بدت كا انها تحمل خلفها نوايا مظلمة، وقال: "بإغراء العامة وجعلهم ينقلبون ضد بعضهم البعض. إذا استطعنا تلاعب بيهم، فسنتمكن من قلب الموازين. في هذه السنتين، يا فسريس، يجب أن تتدرب قدر الإمكان."
ثم أمره فالريان بنبرة حازمة: "اذهب وجهز نفسك. سنذهب إلى زقاق قوتان."
عاد فسريس إلى غرفته كما يفعل عادةً، ولكن هذه المرة كان عقله مشغولًا بالتفكير في كل ما حصل. بعد أن جهز نفسه، عاد إلى والده. معًا، وقفوا في أحد الأروقة الخفية في القصر. أخذ فالريان مسحوقًا أصفر من جيبه، ورمى به على الأرض وهو يقول بصوت مسموع: "زقاق قوتان!"
في لحظة، شعر فسريس وكأن جسده يتمدد وينكمش في آن واحد،والعالم من حوله يلتف كدوامة حتى فقد إحساسه بالمكان. عندما استعاد وعيه، وجد نفسه في زقاق ضيق مضلم، محاط بمبانٍ قديمة تبدو وكأنها تئن تحت ثقل الزمن.
بدأ فالريان في التحرك عبر الأزقة الملتوية، وفسريس يتبعه عن كثب. كانت الأزقة تضيق وتلتوي كأنها شبكة معقدة، حتى وصلوا أخيرًا إلى متجر قديم بدا كأنه ينسجم تمامًا مع الظلام المحيط به. كانت واجهة المتجر مغبرة، والزجاج الأمامي مشوب ببقع غامضة تعكس ضوء الشموع الباهتة من الداخل.اللوحة على الباب كانت بالكاد تقرأ، وكأن الأحرف المحفورة فيها قد تآكلت بفعل الزمن.
دخلوا المتجر ببطء، وفتح الباب بصرير مزعج. من الداخل، كان المتجر مليئًا برفوف متراصة، تحمل زجاجات غريبة وأدوات سحرية قديمة. كانت الرائحة عتيقة، مزيج من الغبار والبخور. كل شيء هنا كان يبعث على الشعور بعدم الارتياح.
بمجرد أن رأى الرجل العجوز الذي كان يدير المتجر فالريان، أسرع بالتحية بتملق واضح: "سيدي! ما الريح الطيبة التي أحضرتك هنا؟"
دفع فالريان فسريس إلى الأمام قائلاً: "هذا ابني، أريد أن يحصل على الشيء الذي أخبرتك عنه."
نظر الرجل العجوز إلى فسريس بعينين حادتين، وكانت عيونه الصغيرة تلمع بدهاء من تحت حاجبيه الكثيفين. قال بصوت خافت يشوبه الاحترام: "سيدي الشاب، لقد أردت رؤيتك منذ زمن طويل."
شعر فسريس بشيء من الريبة تجاه الرجل العجوز، الذي بدا وكأنه خرج من قصص الرعب القديمة. كان عجوزًا هزيلًا، ظهره محني، وشعره الأبيض الكثيف ينسدل حول وجهه الشاحب. عينيه كانتا ضيقتين، كأنهما تراقبان كل شيء بحذر.
ثم انحنى الرجل العجوز بسرعة، صاعدًا على درج خشبي يؤدي إلى الطابق العلوي. عاد بعد لحظات وهو يحمل صندوقًا طويلًا بعض الشيء، مغلق بإحكام، وكأنه يحمل شيئًا ذا قيمة عظيمة.
أنت تقرأ
بين القوة والضلام
Fantastik"فسريس، شاب نشأ في عائلة ساحرة نبيلة، يزداد قوة كلما تعمق في دراسة السحر. لكن مع ازدياد قوته، يبدأ بفقدان إنسانيته، ليصبح محاصرًا بين قوته الخارقة ورغبته في استعادة ذاته المفقودة."