إحباط

69 7 0
                                    

كلنا قد لاحظنا أن يوماً بعد يوم حياتنا تختلف ، سواء أكان الاختلاف بنا أو بمن حولنا أو بما حولنا ، و هذا ما أثار الحيرة في ذهن عمر ، ذلك الرجل الذي يجلس في المقهى القريب من بيته يحتسي كوب القهوة الدافئ في وسط أجواء الشتوية لشهر ديسمبر ، و هو يتصفح بحاسوبه الشخصي أتت هذه الفكرة العشوائية داخل رأسه ، لكن لم تكن حقاً عشوائية ، كانت نابعة مما حدث معه أمس ، حيث شهد و للمرة الألف بنسبة له فشله في تنفيذ ما كان ينويه ، و فشله اليوم كان برفض أستاذه الجامعي لمشروعه و مطالبته بإعادته مرة أخرى ، كان شعور سيء لأنه تعب عليه ، لكن كان عليه المحاولة من جديد ، ككل مرة...
كل مرة عندما يفشل تحتله المشاعر السلبية و يتكرر في دماغه نفس الكلام :
" أنت فاشل ، كل من قال لك ذلك فهو على حق ، أنت لا تقوى على فعل شيء ، ما هذا ؟ و كيف لك بأن تكون بهذا المستوى ؟ ألم تعد نفسك بأنك ستحاول مجدداً مهما كان الثمن ؟ أين أثر محاولتك مجدداً ؟! أشك في مصادقيتك."
تفكيره باختلاف حاله كان لسبب واحد ، و هو أنه يعرف جيداً أنه لم يكن هكذا مع نفسه من بداية حياته ، كان يحن للأيام تلك عندما كان يحب نفسه و يقدّرها و يرى أنها يمكنها فعل الأفضل و تحقيق الأحلام ، لكن الآن ، يجلد ذاته باستمرار ، لا يعرف حتى من حقاً يجلد الأخر هو أم هي ، يستمر باحتقارها و يتهمها هي باحتقاره ، و يستمر الأمر هكذا طويلاً.

عاد إلى المنزل بعد احتساء كوب القهوة الذي عدل قليلاً من مزاجه ، اتصل عليه صديقه ليبشره بخبر مفرح بالنسبة له :
" قد قلت لي أنني يمكنني فعلها ، أشكرك يا عمر على مساعدتك لي و مساندتك لم أتوقع أن هذا سيحدث حقاً ! قبل يومين وافقت مكتبة معروفة على نشر نسخ من كتابي و اليوم بيعت جميعها ، الكل أصبح يمدح كتاباتي ، و أصبحت مشهور على مواقع التواصل بسبب هذا ، لك فضل في هذا بعد ربي لأنك من رأى في عملي النجاح."
" لا شكر على واجب ، أنا صديقك و هنا لمساندتك و مبارك لك."
" أشكرك من قلبي أتمنى لك النجاح أيضاً ، و صحيح كيف هو يومك ؟"
" جيد الحمد لله."
" الحمد لله ، و الآن سأذهب مع أصدقائي لنحتفل بإنجازي ، تريد القدوم معنا ؟"
" هذا لطف منك لكنني مشغول اليوم."
" لا بأس ، أراك لاحقاً ، وداعاً."
رمى عمر هاتفه على سريره ، الإحباط أتاه مجدداً ، كل هذه الأوراق المبعثرة في غرفته تشرح لأي أحد قد يرى المشهد سبب إحباطه ، قد حاول أن يكون مشهور بكتاباته ، سنين و هو يكتب لكن لم تباع إلا نسخ قليلة من كتبه ، ينبهر أصدقاءه من كتاباته ، لكن ما الفائدة إن كانت رائعة و يوجد أروع منها :
" سنين و أنا أحاول ! سنين و من ثم لم أنجح مثل نجاحه ، في أيام اشتهر ، ظننت أن تعبي على كتاباتي كان ذو فائدة لكن لا ، لم يكن."
و مزق العديد من الأوراق التي في وجهه ، غضب كثيراً ، كل مرة يتعدل فيه مزاجه ، يأتي ما يخربه و قد سأم هذا.

احتله التعب من العمل على المشروع ، فأخذه النوم ، ثم استيقظ من ذلك الاتصال، فاتصلت عليه أمه ، ككل مرة
تصرخ عليه و تقول :
" اتصلت عليك آلاف المرات لما ترد علي ؟ بلا فائدة ، أنت بلا فائدة ، لو اتصلت على أخيك كان أجاب علي بسرعة و نفذ ما أريد."
يقول لها و هو يتثاوب :
" إذاً لماذا لم تتصلي به من البداية ؟"
" كل شيء على أخيك ؟! نعم ، لا تريد فعل شيء ! فقط إضاعة الوقت على أشياء بلا فائدة مثلك تماماً."
" الدراسة بلا فائدة ؟"
"إن كنت تدرس، أشك في الأمر."
" حسناً كيف يمكنني مساعدتك ؟"
" لا أستطيع تنظيف البيت لوحدي فأريد بعض المساعدة."
" حسناً ، قادم إليكي."
أتى إلى بيت أمه و سألها :
" لما تريدين تنظيفه الآن ؟"
" غداً حفلة نجاح شركة أخيك الجديدة ، و طبعاً سأقيمها له هنا في حديقة البيت ، و سيدعو كل أصدقاءه ، و لأنها حفلة له فلن أطلب منه تنظيف المكان."
" فهمت حسناً لنبدأ."
طيلة الوقت و هو مستاء و يحاور نفسه و يقول :
" ميزته عني مجدداً ، نفس ما حدث في حفلة تخرجنا من الثانوية سيتكرر الآن ، ستقيم له أكبر احتفال و تنساني كالعادة ، و تختلق الأعذار مجدداً لكي لا تقيم لي حفلة خاصة بي عند تخرجي أعرف ذلك.
ليت أبي هنا ، كان يحبني و لا يميز بيننا ، لكنه ليس هنا الآن و يجب أن أتقبل هذا."
يقاطع حديثه صوت أمه العالي و هي تقول له :
" لا تنسى تنظيف المسبح ، و تأكد من أن كل زاوية من البيت نظيفة."
"حسناً."
بعد أن أنهى عمله أراد أن يعرف رأي أمه بالموضوع و ما قالته كان :
" جيد ، على الأقل أصبحت أفضل من السابق في التنظيف."
" أي شيء أخر ؟"
" لا شكراً ، يمكنك العودة إلى ما كنت تفعله."

علاقة عمر مع أهله لم تكن هذه العلاقة القوية ، و سبب عيش عمر لوحده الآن هو أنه أصبح فوق ال ١٨ سنة ، و هذه قاعدة في عائلة عمر أو بالأحرى قاعدة من قواعد أمه ، إن أصبحت فوق ال١٨ سنة فعليك العيش لوحدك مهما كان ، و الذي كان قاسٍ بالنسبة لعمر لأنه أحب أمه كثيراً ، لكن الأقسى من هذا بالنسبة له معاملتها معه ، كان واضح على أمه أنها تميز بين أبناءها هي تحب أخ عمر الكبير أكثر منه فقط لأنه ناجح و غني و الجميع يمدحه و يمدحها بسببه رغم أنه حقيقة لا يساعد أمه كما عمر يساعدها ، شخصيته سامة و ليس في حياته شخص حقاً يحبه ، كلهم معه من أجل ماله و شهرته ، أخ عمر مدير شركات ضخمة ناجحة و هذا ما يميزه فقط ،
و نوعاً ما أمه سبب من أسباب عدم ثقته بنفسه ، لم تعطه الحب الكافي ، كان قاسية لكنه صبر عليها لأنه يعرف أن خسارة أبيه لم تكن صعبة عليه وحده بل أيضاً عليها ، و كان يكفيه أن تسمح له بحضنها حتى لو لم تبادله الحضن ، لكن عند دخوله سن ١٨ سنة عرف أن هذا الحضن حتى لم يتمكن من الحصول عليه و كانت أخر جملة قد قالها قبل مغادرته :
" ستحرمني من الشيء الوحيد الجميل في حياتي و هو حضنك ، أمي."
و راح وقتها باكياً.
هذا الحادث يتكرر كثيراً في عقل أمه ، لكنها لم تكن تقوى على تحمل مسؤولية أولادها و لكنها لم تعرف أن تشرح لهم هذا.

بعد أن عاد عمر لبيته حاول النوم ، لكنه لم يستطع ، عقله بدأ بالتحدث مجدداً يشكو هم قلبه لعمر :
" كيف تحبه أكثر مني و هو يهينها ؟ كيف لها أن تفعل كل شيء لأجله و لا تفعل شيء من أجلي أنا ؟ أذكر صرخاته عليها و اتهامته المتكررة بأنها مخطئة لكن لم يكن إلا هو المخطئ فلما تفضل من يستمر بنكران جميلها ؟"
محروق ، كلما أتى لعند أمه ينظر إليها منتظراً منها كلمة " يا عزيزي ، يا صغيري ، أو أحبك" لكن لم تكن أمه تستطيع نطقها حتى ، عندما كان في سن أصغر ظن أن حبها غير موجود ، لكن كلما كبر كلما عرف أن خطأها هو عدم معرفتها كيف تعبر عن حبها و ليس انعدام حبها له ، تذكر مواقف جميلة منها ، خوفها عليه عند إصابته ، محاولة مساعدته و هذه الأشياء التي يحن إليها الآن بشدة.
" ليتني كنت أقدر أن أشكي همي لها لكن أعرف أن ليس لديها وقت لتسمع أو أنه حتى لن تستمع إلي أبداً."


في صباح اليوم التالي كان على عمر الذهاب إلى الجامعة و هنا ألتقى بزملائه ، تحدثوا مع بعض قليلاً و من الأشياء التي تحدثوا عنها الكتابة و الكتب و هنا عمر سألهم :
" قرأتوا كتابي الجديد الذي حدثتكم عنه ؟"
أجابه واحد منهم :
" أوه أسفين ، لكن كنا منشغلين بقراءة كتاب سامر الجديد."
نعم سامر نفسه الذي تحدث مع عمر بالأمس عن إنجازه.
" نعم كتابه جميل جداً ، قصته مختلفة و رائعة."
" تعرف عمر ، أريد أن أقول لك شيء ، سامر أفضل منك في هذا و يجب أن تتعلم منه ، نصيحة مني فقط سيساعدك."
ضحك الجميع و مشوا مع بعضهم تاركين عمر منكسر القلب خلفهم لا يعرف ما يقوله ، أصدقاء ساميين ، واضح ذلك.

بعد انتهاء الدوام ، أراد عمر معرفة سبب شهرة كتابات سامر ، لربما يتعلم منه فعلاً و يحسن أسلوبه ، فاشترى كتاب سامر الجديد و بدأ يقرأ القصة و يتفاجئ :
" فكرة الكتاب هذه هي فكرة كتابي الجديد التي خطط لها ! لكن كيف ؟ صدفة أم أنه أخذ الدفتر الذي كتبت فيه فصول الكتاب ؟"
يبحث عمر عن الدفتر الذي كتب فيه فكرة هذا الكتاب و لم يجده.
" أخذه ! يا له من مستغل ، و يقول لي * شكراً لمساعدتك بلا بلا بلا* لهذا أتى لبيتي و أراد البقاء في غرفتي بشدة وقتها ليأخذ عملي."
غضب عمر بشدة ، أسابيع و هو يكتب هذا الكتاب و في النهاية شخص مثل هذا يأخذ كتابته بكل بساطة و يستفاد منها هو ؟
الإحباط و الإحباط يعود لعمر مجدداً ، كره طيبته مع الناس بسبب الاستغلال ، كره أخيه بسبب التمييز ، كره كل شيء بسبب ما هو عليه الآن و فوق هذا قرر أن يسكت بدلاً من أن يطالب بحقه رغم أن لديه الدليل ، هذا لأن هناك شيء أخر يكرهه عمر عن نفسه غير أنه دوماً محبط و سلبي هو أيضاً خائف و متردد و هذا شيء أخر يعاني عمر منه...
نتبع في الجزء القادم ✨

I just hate myself | أنا فقط أكره نفسيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن