من عادات عمر أن يتصفح هاتفه ليرفه عن نفسه ، لكن هذه المرة كان يريد تعديل مزاجه المتعكر ، و بالصدفة يرى منشور صديقه على الانستغرام و هو يحتفل بنجاح ما يدعي أنه كتاباته كالعادة ، و أشخاص أخرين يحتفلون بإنجازاتهم ، يقرأ التعليقات على منشوراتهم و يرى أنها إيجابية ، و الناس تمدح بأولئك المشاهير ، يطلع على حساب كل منهم ليرى سبب حب الناس لهم و يجد محتويات متنوعة ، على الأرجح أنها سبب حب الناس لهم ، لكن ما لاحظه أيضاً و بشكل عام ، أن حياتهم أفضل من حياته ، بيوت فخمة ، أغراض غالية ، أصدقاء يحبوهم و يمدحوهم ، كل شيء تمناه عمر وجده لديهم ، و قد أصابته الغيرة ، قد غار منهم ، فأقل أحلامه أن يتملك ناس حقيقيين جانبه و يحبوه ، و هم لديهم كل شيء و مازال لا يكفيهم و قد استغرب أن بعضهم كانوا حزينين رغم وجود كل هذه النعم بين يديهم ، لأن عمر ببساطة لم يخطر على باله فكرة أن يكون ما يشاهده مزيف ، أو شبه حقيقي.
تذكر عمر عبد الله ، لأنه أيضاً مشهور ، و جميع الناس تحبه ، فأراد أن يرى حسابه مجدداً ، نقرة واحدة على الشاشة كانت صعبة لهذه الدرجة عليه ، لأنه يعرف أن تذكره لصديقه سيدخله في دوامة الحزن ذاتها مجدداً ، دخل فقط ليرى قسم التعليقات ، يعرف أن الناس ستسأل عنه هناك ، و بالفعل ، الكل كان يترحم عليه و يظهرون اشتياقهم له لأنهم قد وضعوا فكرة في رأسهم أنه لم يعود ، و هذا ما جعل عمر يدخل في دوامة الضجر تلك مرة أخرى ، فهو كان يكّذب كل شخص يقول له أن عبد الله قد مات ، لا يريد تقبل هذه الحقيقة و لا يعتبرها حقيقة أصلاً ، هو لا زال متحلي بالأمل ، مازال أملاً أن عبد الله مفقود و ليس ميتاً و سيعود.
☆
رمى هاتفه و ذهب ليتجهز للذهاب لعمله ، و هو يخدم الزبائن ، يسمع أن إحدى العائلات ستقيم حفلة عيد ميلاد لابنه الصغير ، ذكره هذا المشهد بماضيه القاسي ، فيوم كان أهله يريدون الاحتفال بعيد ميلاده السابع عشر ، سمعت أمه خبر وفاة أبيه ، كانت تريد الاحتفال بعيد ميلاد عمر وقتها في نفس الطاولة ، و لكن انتهى به المطاف ليخدم هنا في هذا المطعم.
" سنة حلوة يا جميل ، سنة حلوة يا جميل."
يسمع غناء العائلة لهذه الاغنية و تصفيقاتهم و ضحكاتهم التي انتشرت في المكان ، ذكرته كل هذه الأجواء بميلاده السادس عشر ، و تذكر أباه ، ضحكاته ، عندما ركض عمر باتجاهه و حضنه ، و كل تفاصيل يوم الحفلة تلك ، و عندما سيطرت عليه مشاعره كبت دموعه و أخفى حزنه و أكمل عمله.
☆
في اليوم التالي توجه لجامعته ، تذكر سنواته الأولى و كيف كانت جميلة خصوصاً مع عبد الله و محمد ، عبد الله الذي فقده ، و محمد الذي سافر و لم يعد.
كل زاوية من زوايا الجامعة تجلب له ذكرى لرأسه ، قد سأم من هذا حقاً.
توقف و أمعن النظر بمجموعة طلاب كانوا يضحكون مع بعضهم ، يعرفهم واحد واحد ، نعم كانت واحدة من مجموعات أصدقاءه القديمة مع رفيق جديد له ، ذكره بنفسه عندما كانت كل أعين المجموعة عليه ، عندما كانوا يضحكون مع بعض و يمزحون ، حتى فرقتهم المشاكل ، و أصابته الغيرة مجدداً ، فيوجد من أفضل منه دائماً.
في الصف يسمع أحاديث مجاوريه ، و كل أحاديثهم اليوم كانت عن إنجازاتهم ، هذا فاز بجائزة في مجال الموسيقا و الأخر فازها في مجال الرياضة ، أو كانت عن مخططاتهم للخروج معاً بعد الجامعة ، و عمر فقط ينظر ، جالساً لوحده ، ما بيوسعه فعل شيء إلا ذلك ، كل ما هم يعيشوه لا يمكن لعمر عيشه إلا في أحلامه ، حتى أن يكون الأول على دفعته شيء لم يتمكن منه سابقاً ، بس الضغط الذي كان عليه وقتها بين العمل و الدراسة ، ففضل أن يعمل أكثر ليكسب لقمة عيشه على أن يدرس للاختبارات جيداً ، و هذا قرار لم يندم عليه ، لكن كان يحزنه هو فكرة أنه كان لديه القدرة لكن لم يستطع توظيفها.
☆
عاد إلى بيته ، و بعد ساعات دق باب بيته بقوة فسأل و هو خلفه :
" من ؟"
" نحن الشرطة أفتح الباب."
تحقق من الموضوع و كانت عمته معهم ، سأل نفسه :
" لم هي هنا ؟ أكيد تخطط لشيء ما."
عمته غنية ، غنية بشكل لا يمكن تصوره ، لكنها طماعة ، تطمع بمال أكثر و أكثر لا تشبع ، و مجيئها عند عمر كان لسبب واضح ، فأول ما فتح لهم الباب قد قالت :
" أنا هنا فقط لأخبرك عن موعدنا في المحكمة ، لي حق في ورثة أبيك لكنكم تخفون الموضوع و هذا غير قانوني ، لذا أحضر الأوراق التي تخفيها أو ستطر لإحضارها معك وقتها. *ضحك أغنياء*
و لا تخاف ألا تعرف بموعد المحاكمة ، فستصلك رسالة تشرح لك الأمر بالتفصيل الملل فلا ريب أنها ستحصل.
Chau ( تعني الوداع )
* و تلوح له بأصابعها بإشارة الوداع مستئهزة منه.*"
يغلق الباب عند رحيلهم و يعرف ما عليه فعله :
" هي قالت أحضر الأوراق ، سأحضرها و أثبت لها أن ممتلكات أبي هي لذلك الشخص الذي قصده قبل مماته و الذي أنا متأكد أنه ليس هي ، و لن تستطيع أن تأتي و تقول مجدداً أن لها حق في تلك الأملاك."
☆
و بالفعل ، راح عمر و أحضر الأوراق ، و كانت صدمة عمره عندما عرف من الشخص الذي كتب أباه أملاك باسمه ، و انتظر يوم المحاكمة ، حتى يثبت و أمام الجميع أن عمته أكبر كاذبة عرفوها ، لذا كان عليه مجابهة خوفه يومها ، لأنه أن ظل محصوراً في مشاعره السلبية هذه لن يستطيع الدفاع عن حقه :
" علي نسيان كره نفسي الآن ، بعد هذه المحاكمة لدي كثير لتحقيقه ، و أول ما أكون قد حققته هو مواجهة خوفي و حل نصف مشاكل حياتي ، و بعدها أتولى أمر الباقي ، سأكشف ظلمهم لي و سيرون."
قالها و هو ينظر لتلك الأوراق و التي مازال غير مصدقاً لكلماتها ، كلمات ستغير مجرى حياته كاملاً...
و نتبع في الجزء القادم ✨
أنت تقرأ
I just hate myself | أنا فقط أكره نفسي
Spiritualمهما حاول فشل في فعل ذلك ، من سنين و هو يحاول مقاومة هذا الشعور من سنين و هو يحاول تغييره لكنه فشل ، هو يحقد عليها حقداً لا يوصف لأنها تبادله نفس الشعور بل و تبثه فيه ، نعم هو لا يستطيع سوى كره نفسه أكثر و أكثر ، رغم أنه يطمح لتغيير... (*استخدمت الش...