اللوم

25 4 0
                                    

٥ أيام في كل أسبوع من عمر ١٨ سنة كانت مخصصة فقط للعمل ، جرب الكثير من الوظائف حتى انتهى به الأمر للعمل
في ذلك المطعم كنادل بعد دوامه الجامعي ، لم يكن مديره أفضل مدير ، بل كان شخص عصبي لا يقبل أي خطأ أو تكاسل في العمل حتى لو كان الموظف في حال سيئة أو مريض ، و حال عمر السيئة اليوم ليست بشيء بالنسبة له حتى يتوقف عن توبيخه و تهزيئه :
" أسرع ! هيا أسرع أيها النادل ، لديك الكثير لعمله."
يعمل بجهد ، صحيح أنهم خمس أيام في الأسبوع لكنه يستمر بالعمل من بعد الدوام حتى الساعة ١٢ ليلاً ، حاول إيجاد وظيفة أفضل لكنه لم يجد ، أطر للعمل هنا فقط لأن الراتب يساعده على دفع إيجار البيت و تكاليف الجامعة ، لم يجد وظيفة أخرى براتب يغطي كل هذه التكاليف.
كان الطقس بارداً جداً ، المطر يهطل بغزارة و الحرارة منخفضة ، الجميع يحمل مظلاته و يرتدي معاطفه إلا عمر ، كان عليه أن يرتدي لبس النادل حتى لو كان الجو بهذا السوء.
بعد أن انتهى من العمل ، أدرك أنه نسي إحضار مظلته معه ، و قد ازدادت غزارة الأمطار أكثر في الليل ، فأطر للعودة إلى بيته مشياً بدون مظلة ، حاول أن يجد سيارة أجرة أو باص ليعود به لكن كانت الساعة متأخرة فلم يجد.

وصل و أخيراً إلى بيته و كان منهكاً ، لا يستطيع التفكير بشيء ، كان تفكيره مشوش ، أتعبه ما حدث معه اليوم بشدة ، لكن من يلوم غير نفسه ؟ هي من أوصلته لهذا الحال من التعب و تشويش الأفكار ، لذا ، ما أراده فقط الآن هو النوم ليستعد لليوم التالي ، عرف أنه سيمرض مما حدث ، لذا اشترى لنفسه دواء مسكن من الصيدلية التي كانت على طريقه.
و قبل أن ينام رن هاتفه ، أعتقد أنها أمه ، لكن كان المتصل هو أخاه ، أجاب على اتصاله :
" مرحباً أخي."
" أهلاً عمر ، إن كنت تسأل عن سبب اتصالي بك فكنت فقط أريد أن أخبرك أني مع أمي فلا داعي لمجيئك لعندها."
و لاحظ عمر أنه أمه فعلاً أرسلت له رسالة نصية بأن يأتي لعندها.
" لكن أمي قالت أنه من الضروري مجيئي ، أيمكنني التحدث معها هي ؟"
" لا."
" لما لا ؟"
" هي فقط.. نامت نامت ، ليس من الجيد إيقاظها لسبب كهذا.
لا تخاف ، أنا سأخبرها بسبب عدم مجيئك لا تخاف."
" حقاً ؟"
" حقاً."
" حسناً إذاً ليلة سعيدة."
" ليلة سعيدة لك أيضاً."
استغرب عمر من طريقة حديث أخيه معه ، كان يبدو و كأنه يخفي شيئاً ما عنه ، كان يريد أن يعرف حقاً سبب تصرفه بغرابة هكذا ، لكن نعاسه و شعوره بالمرض غلبا عليه مما أدى به إلى أن ينام مباشرة و كأنه قد خدر.

يستيقظ عمر و كالعادة ، داوم في جامعته ، ثم عاد إلى بيته ، لأن اليوم عطلته من العمل ، الأمر الذي نسيه المبارحة لكنه تذكر الأمر في الصباح عندما استعاد نشاطه.
كان فرحاً لأول مرة منذ زمن ، لأن لا شيء سيء حدث معه اليوم ، لكن حالما تفقد هاتفه ، وجد رسالة نصية من أمه تقول فيها :
" لن أسامحك على نسيانك لي في هذا الموقف ، ألم تعرف أنني كنت أحتاجك ؟!"
يستغرب عمر ، فقد وعده أخاه أنه سيخبر أمه عما حدث.
فاتصل عمر بها ليرى سبب غضبها منه :
كانت متعبة ، واضح من صوتها أنها ليست على ما يرام :
" كيف لك أن تتصل بعد كل ما فعلته ؟!"
" لكن ما الذي فعلته ؟"
" أنا الآن في المشفى و عندما أخبرك أخاك عن الموضوع قلت له أنك لا تريد زيارتي لديك أشياء أهم لفعلها ؟!"
" ماذا ؟ لا.. أخي لم يخبرني أنك في المشفى من الأساس."
" لا تكذب ، قد أخبرك ، هو قال لي بنفسه."
" هو الذي يكذب أمي."
" اكتفيت من عنادك هذا ! لا تتصل علي مجدداً ، من الأساس كل المشاكل بسببك، أنا الآن في المشفى أساساً بسبب ألعايبك تلك."
و فصلت بوجهه.
لم يفهم شيء ، لما الجميع ضده هذه الأيام ، أخذ يفكر بكل كلمة قالتها له أمه ، أنها بالمشفى و كل هذا بسببه :
" لما تصدقه دائماً ؟ و ماذا تقصد عندما قالت ألعايبي ؟ المهم ، يجب أن أعرف هي في أي مشفى ، حتى لو كانت غاضبة مني ، سأغضب من نفسي أكثر إن لم أزورها."
اتصل بأخيه ليسأله في أي مشفى هم :
" لا ، لن أخبرك."
" أأنت مجنون ؟! لما لا تريد مني زيارة أمي حتى ؟"
" ببساطة أنت لا تستحق هذا ، لا تستحق حب أمي لك ، و لا تخاف ، لم تعد تحبك من الأساس."
" مهما كبرت ، مازلت تفكر تفكير الصغار ذاك ذاته."
و أغلق الخط.
حاول عمر معرفة اسم المشفى بنفسه ، و بعد أن استطاع الوصول لها ، بفضل خالته ، زار أمه :
تتكتف و تدير رأسها و تقول له :
" ألم أقل لك لا تزورني ؟"
" أمي سأشرح لك ، أنه فقط أخي ، أخبرني أنك نائمة و هو في بيتك ، لكنك في المشفى ، و هو لم يذكر شيء كهذا من الأساس."
" و كيف سأصدقك ؟"
" لما أكذب ؟"
" لأنك مخادع كبير ، تكره أمي و تدعي حبها فقط من أجل المال."
قال له ذلك أخاه الذي يقف وراءه بتعبير وجهه المستاء.
يلتفت عمر لعنده و يقول :
" هذا ما تفكر به أنت فقط."
ترد أم عمر :
" لكن معه حق."
يلتفت عمر لعند أمه مصدوم :
" كيف ؟"
" نعم بني ، الكل يعرف عنك أن وضعك المعيشي صعب ، لهذا فأنت تستغل الجميع من أجل مالهم لأنك حقاً تحتاجه ، و بعد أن استغليت الجميع و منهم أخاك ، بدأت باستغلالي."
" أمي.. لا ! كيف لك أن تفكري حتى بمثل هذا الأمر ؟!"
" لأنه واقع عزيزي ، استغلالك لأهل أبيك جعلني الآن في المشفى بصفتي أمك."
" ماذا ؟!"
" نعم ، أمي طعنت من قبل عمتي فقط لأنك استغليت ابن عمتي و أفلس."
" أحمد ربك أنها لم تطعنك أنت."
" لكن أنا حتى لا أعرفه ، كيف لي أن استغله ؟"
" فقط أغرب عن وجهي ، تعبت من نكرانك المتكرر عمر ، كل شيء واضح ، لما تكذب ؟ أعترف بالحقيقة فقط و أنهي الموضوع."
" الحقيقة أنني لم أفعل أي شيء من هذا أمي ، الحقيقة أنك صدقتيهم و لم تصدقيني.
تريدين مني الذهاب ؟ أنا ذاهب ، لكن صدقيني ستعرفين من الذي على حق لاحقاً."
أصابها تأنيب الضمير ، لكن كل شيء أمامها أوحى لها وهم أعتبره حقيقة.

عاد عمر إلى بيته متضجر ، متعكر ، يفكر في كل كلمة قيلت له اليوم ، أمه هي أغلى ما يملك الآن ، و قد خسر حبها هي أيضاً :
" صدقتهم ، صدقتهم و لم تصدقني."
قالها بكل حرقة.
توجه إلى حمام بيته ، نظر لانعاكسه في المرآة و تعكر مزاجه أكثر ، أدرك من أول نظرة أن تعكره هذا قد أثر على ملامحه و حال وجهه فهو شاحب ، ينظر باستحقار و يقول :
" واضح أنّ هنالك سبب ما يجعل الجميع يكرهك ، نعم ، الجميع يكرهك و أنا أولهم ، أنت سبب مصائبي كلها ، تصرفك الخاطئ أو سكونك حتى و عدم تصرفك و جبنك جعلني في هذه الحال الآن ، لو أنك أخبرتهم بالحقيقة من البداية ما كان كل هذا لحصل.
أنت سبب نعم أنت السبب يا حقير."
أمسك بأقرب شيء صلب له ، كان قارورته الحديدية و رمها على المرآة فانكسرت و تناثر زجاجها حتى جرح وجهه ، لكن حقده على نفسه لم يقل حتى درجة ، و مازال ينظر لانعكاسه على تلك المرآة المنكسرة ، و هو يتنفس بصعوبة من الغضب.
" كلما أحببتك تثبت لي أني مخطئ ، هذه حالنا دائماً."
هطلت قطرة دم من وجهه على يده ، نظر لها بكل برود ، و راح يغسل وجهه و يضمد الجرح.

الحقيقة أن عمر يعرف كل شيء ، عمته ، أخاه ، كل أحد في عائلته إلا أمه في صف واحد ، كلهم يريدون ورثة أب عمر ، المال و الممتلكات التي تركها أهم من كل شيء بالنسبة لهم ، في الماضي قد قال أب عمر هذه الجملة قبل مماته :
" قد كتبت أملاكي لأكثر شخص يستحقها ، كهدية له لحبه و مساعدته لي ، فلا تحاولوا الاستلاء عليها ، هي ليست من حقكم الآن."
هذه الجملة وحدها ، جعلت كل عائلة عمر تحقد عليه و على أمه ، يظنون أنها المقصودة ، لذا يطاردوها لكي يفعلوا أي شيء ليجعلوا هذا الأرث لهم ، لكن ما لا يعرفوه لا هم و لا عمر ، هو حقاً قصد أب عمر ، لأنه خبأ العقد و نسي يومها إعطائها لصاحبه.

عمر حاقد على نفسه ، لأنه سبب الأذى لأمه ، بدلاً من أن يقف ضد أعدائهم ، كان فقط كالجبان يراقب ما يحدث دون فعل شيء ، و هذا ما جعله يحقد على نفسه ، ترك كل العبئ على أمه و لم يتصرف كرجل حيال ما حصل.
مشاكل كثيرة هم سببها ، و مازالوا يسببون المزيد منها ، كل هذا كان يفكر به عمر بعد أن فعل هذا بنفسه حتى توصل لنتيجة واحدة :
" أنا أريد التغيير ، و تغيرت ، كنت في ١٨ سنة أخر مرة قابلتهم بها وجهاً لوجه ، و الآن سأقابلهم مرة أخرى وجهاً لوجه ، لكن فقط لإنهاء كل شيء ، و لأثبت لنفسي أنني أستطيع فعلها ، ثأمت من أفعالهم هذه معي..."
و نتبع في الجزء القادم ✨

I just hate myself | أنا فقط أكره نفسيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن