الكبت

27 4 0
                                    

ذهب إلى منزل أمه و دق عليها الباب.
تفتحه له و تسأله :
" لما أنت هنا ؟"
" أنا فقط جئت لأناقشك بأمر مهم ، أعرف أنه من سنين لكن أريد إنهاءه الآن."
" تفضل."
أدخلته للبيت و سألته بتعجب :
" إذاً ما هو الأمر ؟"
" تذكرين مشاجرتنا ؟ عندما عاندتك فقط لأنني لا أريد الخروج من البيت ؟ أنا أسف أمي ، كان معك حق عندما فعلتي هذا بي ، كنت أحتاج لمواجهة الحياة وجهاً لوجه و أعرف الآن مدى صعوبة اتخاذ كهذا القرار عليكي و أتفهم سببه."
" لا تقلق ، نسيت كل هذا ، و أعرف أن الخوف كان سبب رفضك للموضوع."
" لكن..، لم يكن خوفي السبب."
" إذاً ما هو السبب ؟"
" حبي للبقاء معك."
سكتت أمه للحظة و استوعبت خطأها.
" تعرف.. ، كنت حقاً صغير وقتها أنا أسفة."
بدأت بالبكاء تقدم عمر لحضنها و قال :
" لا تعتذري ، أنتي لم تفعلي شيء ، أنها فقط الحياة ، تعلم الجميع دروساً حتى لو كانت قاسية."
تبادله الحضن لأول مرة و تقول :
" كبر صغيري."
و تبتسم.
أحس عمر و أخيراً بالراحة و الحب ، كان شعوراً لا يوصف ، شعور جديد عليه تماماً ، شعور ممزوج بين الألم و الراحة ، ألم شبيه للإحساسه عندما كان يستسلم لتلك الدموع ناتجة عن الكتمان و ضيق الصدر و تقرر عيناه أن تتركها تهطل على وجنتيه و هو يختبئ تحت غطاء سريره كي لا يراه أحد ، و راحة ناتجة عن حب و حنان و دفء شعر بهم لأنه بين أحضان أمه ، نفس الشعور الذي حن له لسنين.
بعدها بدال أمه الحديث عما حدث معها و ناقشها و لكن لم يحدثها عما حدث معه أبداً فلا يريد أن يشكي لها همه هو فقط هنا ليسعدها.
و هذه عادة عمر ، هو مستمع جيد ، يسمع لمشاكل الأخرين و يساعد في حلها ، لكن عندما يكون الموضوع عن مشاكله فهو يفضل كتمها و عدم البوح بها ، في نظره ، يرى أن مشاكله لا قيمة لها ، مشاكل بسيطة سيضحك كل من يسمع منه أنه يعتبرها مشاكل حتى لو كانت طبيعية لمن في عمره أو كانت مشاكل حقيقية ، و يرى نفسه على أنه ضعيف الشخصية إن أفصح بما داخله أو يخاف من استغلال نقاط ضعفه إن كان قد شكى للشخص الخاطئ لأنه يعرف أن من حوله الآن هم فقط أصدقاء مزيفيون غير حقيقيين.
" علي الذهاب الآن أمي ، لدي ما أقوم به."
" وداعاً عزيزي ، و لا تنسى أن تزورني دائماً ، أعرف أنك ستشتاق لي."
" طبعاً."
و قبلها من خدها و ودعها.
هذه الزيارة أثبتت له حقاً أن أمه تحبه ، كان فقط يحتاج لوقت معها ليدرك ذلك و كذلك هي.

و هو في الطريق لبيته وصلته رسالة من أم عبد الله مجدداً :
" قابلني في قسم الشرطة ***."
و هنا أدرك الورطة التي كان بها.
ذهب لهناك و هنا بدأوا بالتحقيق معه ، اكتشفوا كثيراً من التفاصيل منه ، جعلتهم يغيروا الكثير من وجهات نظركم.
يقول الشرطي :
" إن كان كل كلامه صحيح ، فاحتمال كبير أن ابنك ما زال على قيد الحياة.
و تصرفه صحيح ، فحسب تحقيقاتنا العصابة كانت فعلاً تنوي قتل ابنك بمجرد أن دخل شرطي لمكان حجزه ، هذا مؤكد ، لأننا حقاً عرفنا أن هذا مكان العصابة المعتاد لحجز الضحايا و عندما حاولنا الدخول كانوا على الوشك قتله ، لذا تركناه و رحلنا من المكان و لم نستطع إخراج ابنك."
ترد أم عبد الله و هي تبكي :
" إذاً أنتم السبب و ليس هو !
إن أخبركم أو لا سيكون تصرفكم نحو الموضوع واحد و هو الهروب ، كيف لكم أن تفعلوا هذا بي ؟ كيف لكم أن تحرموني من ابني لخمس سنوات ؟!
أنا لا أصدق هذا !
فاشلين !"
و رحلت غاضبة.
يقول الشرطي لعمر :
" نشكرك على مساهمتك ، و نعذرك على الإزعاج ، لكن موضوع قضية عبد الله معقد."
" لا بأس ، على الأقل قدمت بعض المساعدة."
" و الآن يمكننك الذهاب سيدي."

عاد عمر إلى بيته ، و الذنب يأنبه ، أحس بالغصة التي أحست بها أم عبد الله ، و مازال اسمه يتكرر في عقله ، لا يستطيع نسيانه ، كان الصديق المثالي ، هو الوحيد الذي كان يفهم عمر ، هو الوحيد الذي يعرف كل شيء عن عمر و كذلك الحال مع عمر ، هو الوحيد الذي يعرف كل شيء عن عبد الله ، حتى أكثر من أهله.
جلس على طاولة مكتبه ممسكاً بصورهم :
" كل صورة تعيد لي ذكرى جميلة أخرى ، ليتك كنت هنا يا عبد الله."
يبتسم رغم كل هذا و يقول :
" عندما قلت لي أنك الوحيد من يستطيع جعلي ابتسم رغم كل شيء كنت لا أصدقك ، لكن الآن صدقتك ، بل و هذا ما يحصل معي الآن."
موت ماهر كان مؤثر عليه أيضاً ، لكنه أستطاع تخطيه ، لأنه قد تخطاه مع عبد الله ، يرى صورة له مع عبد الله و ماهر و يقول :
" أستطعتنا تخطي خسارة ماهر مع بعضنا ، لكن الآن من سيجعلني أتخطى خسارتك ؟"
لا يعرف ، هل حقاً عليه أن يجد شخصاً يشكي له همه ؟ ضيق صدره ازداد عن السنين الماضية من تراكم الكتمان و لكنه مازال مرصاً على أن ينسى الأمر و ينتظر تلك الذكريات و الأفكار حتى تأخذ مجراها للجزء لا واعي فيه حتى ينساها ككل مرة.

في اليوم التالي كل شيء في نظره باهت ، الحياة لا متعة فيها ، ينظر للجميع و يراهم مبتسمون فيغار و يسأل نفسه :
" لما أنا الوحيد الحزين هنا ؟ لما الجميع يبتسم و لا أحد منهم لاحظ حزني اليوم و حاول جعلي ابتسم من جديد لأتضم لهم ؟ هل حقاً جميعهم لا يعانون ؟ هل حقاً جميعهم حياتهم بسيطة و سعيدة ؟ لا أعتقد ذلك ، يوجد حقاً من هو مثلي لكن أنا لا أدرك ذلك ، أو أنه موجود لكن في مكان ليس بقريب مني."
و يكمل مشيه داخل جامعته كالعادة ، إلى أن يقابل مجموعة الطلاب الساميين أولئك و يسأله واحد منهم :
" هل يمكننك مساعدتي في مشروعي ؟ قال الأستاذ أخر يوم للتسليم هو غداً و أنت قد أنهيت المشروع الخاص بك."
يرد الأخر :
" نعم ساعدنا ، أنا أيضاً أريد المساعدة منك."
يجيب عمر بكل برود :
" لا."
" لما لا ؟"
" نعم كنت تساعدنا دائماً."
يرد عليهم عمر :
" أحد منكم ساعدني قط ؟ لا.
ألدي القدرة لمساعدتكم ؟ لا.
لذا لا."
و تركهم خلفه.
" واضح أن مصلحتنا معه انتهت."
" نعم لا نحتاجه."
" لنجد أحد أخر لنستغله."
رغم أنه سيبقى وحيداً بعد هذا الموقف لكن أن يبقى وحيداً أفضل من الغرق في سمهم طيلة الوقت ، على الأقل الوحدة لن تؤذيه مثلهم...
و بالفعل عندما تفقد هاتفه بعد مدة وجد أنهم قاموا بحظره ، و طيلة الدوام يتسكعون مع بعضهم غير مبالين بوجوده أساساً كالعادة ، مما جعله يتأكد أن البعد عنهم كان من القرارات التي كان يجب أن يتخذها في حق نفسه.
و نتبع في الجزء القادم ✨

I just hate myself | أنا فقط أكره نفسيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن