مقيد بالماضي

20 6 0
                                    

لم يتوقع عمر ذلك ، لا أن يعود محمد من السفر و لا أن يكون أول حديث بينهم كما كان قبل قليل ، شيء ما جعل قلبه يقلق ، قد وافق على عجلة هذه عادته ، و الآن لا ما مجال بالنسبة له للتراجع عن قراره ، لن يخاطر و يتصل به و يقول قد غيرت رأيي ، رغم أن محمد صديق عزيز عليه و قد اعتاد عليه سابقاً ، لكن بعد سنين من الفراق ، انحدرت ثقته به و راحته معه إلى الصفر ، كما يحدث معه في كل علاقة اجتماعية.
شعور غير مريح انتابه حيال الفكرة هذه ، و تفكيره الزائد بدأ يسيطر عليه :
" يا ترى ماذا يريد مني ؟ شيء خطير أو بسيط ؟ أو يريد أن يؤذيني ؟ هل سأتحمل مسؤولية ما يطلب مني ؟ ماذا لو كان الأمر صعب علي و لم أستطع الرفض ؟ ماذا لو أني جعلته يثق بي ثم خربت كل شيء كعادتي ؟"
أوجعت هذه الأفكار رأسه ، و بدأ يخاطب نفسه :
" في كل مرة نخوض بها تجربة جديدة ستفكر بهذه الطريقة ؟! متى ستتخلص من هذه العادة ، أخفقت قبل ، أعرف ذلك ، لكن الكل يخطئ ، و أنت بدلاً من أن تتعلم من أخطائك تخاف ارتكابها مجدداً فتكون ضحية التوتر و القلق و تقع في نفس الحفرة مرة بعد مرة. فإهدأ ، كل شيء سيكون على ما يرام ، فقط أعرف ما يريده ، تستطيع أقبل ، لا تستطيع أرفض بكل بساطة."
أقنتع عمر أخيراً بهذا القرار ، ما أن قراره الأساسي كان الرفض من البداية لو أنه فكر مرتين ، لكن عمر فيه هذه الصفة السيئة في وجهة نظره ، هو لا يحب رفض طلب شخص ما إن كان هذا الطلب موجهاً له خصيصاً ، لأنه يعرف أنّ هذا الشخص اختاره هو لسبب ما ، ثقته به أو معرفته بإمكانات عمر ، و عمر لا يقوى بعد على قول كلمة لا ، عند عدم استطاعته ، لأنه يظن أنه سيخسر ثقة الشخص الأخر بهذه الحركة و ربما يخسره ، كما حصل مع أصدقاءه السابقين فيخاف أن يبقى وحيداً مجدداً.
و صفة أخرى ، هي أنه لا يعبر عن نفسه و رغباته ، منذ المرحلة المدرسية و هو هكذا ، تسأل المعلمة سؤالاً ، يكون على علم بإجابته لكنه يخاف من الإجابة ، إن كانت كل مجموعته تريد فعل أمر ما و هو لا يريد ، ما يفعله هو السكوت و الموافقة ، و بسبب هذا ، لم يعد يخرج مع مجموعات أساساً و لا حتى يذهب لأي مناسبة اجتماعية ، كان دائماً يضع حجة أن أهله لم يقبلوا أو أنه مشغول ليتهرب من أن يكون في جو غير ملائم له.
كله بسبب ضعف شخصيته الذي نشأ مع رفض العالم الخارجي له ، مع رفض الجميع لأفكاره ، و مع البيئة السامة التي ربي فيها ، " لا تفعل هذا و لا تقم بذاك" كانت أكثر الكلمات التي وجهت له في صغره ، لا أقصد التنبيهات هنا ، أنا أقصد أمور أخرى ، كأن يمنع من اللعب مع أقاربه بسبب مشاكل عائلية بين أهلهم و هكذا.

بعد ساعتين بالفعل ، تقابل هو و محمد ذاك الأسمر الذي لم يتغير من سنوات ، ملامحه الخارجية مازالت كما هي حتى بعد خمس سنوات ، لكن ما لا يعرفه عمر هو أتغير داخلياً ، أتغيرت طريقة معاملته أم مازال ذاك الصديق الصدوق الذي اعتاد عليه عمر.
تقدم عمر ناحيته ثم بدأ محمد بالسلام :
" مرحباً يا صاحبي ، زمان عنك ، آسف لأننا لم نلتقي في أفضل الظروف ، لكن الموضوع يخص شخص غالٍ عليك قبل أن يكون غالٍ علي ، نعم عبد الله."
" ما به عبد الله ؟"
" هو ليس ميت ، هو حي ! عندما قلت لي أن الأمر فقط يحتاج لوقت كي نجده ، كان معك حق ، لكن أحتاج مساعدتك ، قال لي عبد الله أنّ ما يريده العصابة بحوذتك الآن ، و ما علينا فعله لمساعدته هو أن نعطيهم ما يريدون فقط لا غير ، و سيكون كل شيء ما يرام و يعود لنا عبد الله !"
استاء عمر عندما سمع هذا الكلام ، لأنه يذكر جيداً أنّ عبد الله قال له مرة :
" لن أعطيهم إياه و لو كلفني ذلك حياتي ، سيقاتلوني من أجله ، لكن أن يقع بين أيديهم بسببنا هو أكبر خطأ يمكن اكترافه."
يقول عمر لنفسه :
" الآن ، يريد الإيقاع بي أنا ! بعد كل هذه الصحبة التي بيننا ، يريد مني أن يخدعني بحجة أن عبد الله قال ذلك ، إن عرفوا بكل ما أخفيه ستكون نهاية مسيرتي.
لا ، لن أسمح بهذا."
أجاب محمد بكل برود :
" ليس لدي ما يريده."
" ماذا تقصد ؟! لا تريد إنقاذ صاحبنا ؟!"
" و ما الذي يأكد لي أنك صادق معي ؟"
" أتشك بي ؟
أتظن أن محمد يمكن أن يخذل ثقتك ؟"
" الموضوع ليس عن ثقتي بك أو به ، الموضوع أن ما تتحدث عنه غير منطقي !"
" أنت تكذب علي إذاً ، و تقول أنك المظلوم هنا !"
" بماذا سيفيدك فعل ذلك ؟
محمد ، أنت تعرف ماذا يعني أن نعطيهم إياه صحيح ؟"
" أعرف ، لكن أن يبقى عبد الله يعاني كل هذه السنوات من أجل شخص مثلك ل عار !"
انصدم عمر ، لم يكن يتوقع رد فعل كهذا من محمد ، هو يفضل عبد الله عليه الآن ، ما أنه يعرف أن تهور كلاً منهم هو سبب وصولهم لهذه النقطة ، لكنه عاد لماضيه بدأ يقتنع أن محمد على حق...
القصة حدثت قبل سبع سنوات :
عندما كان كلاً من عمر و محمد و عبد الله يدرسون في نفس المدرسة ، أعمار الطلبة هناك تتراوح بين ١٣ و ١٨ سنة ، كانت مدرسة إعدادية و ثانوية ، و وقتها كان عمر الثلاثي ١٥ سنة ، تشاجر عبد الله مع واحد من عصابات المدرسة المشهورة و التي كانت تتكون من ثلاث فتية بعمر ١٨ سنة ، و لوقوف عمر بصف عبد الله ، أصبح عدوهم أيضاً ، كل هذا و لم يكن عبد الله في الحقيقة سبب المشكلة بل كان محمد ، الذي كان يكره واحد من العصابة بسبب مضايقاته المستمرة له ، و كانت لأن هذا الفتى منهم يظن أن حبيبته تخونه مع محمد ، و لكن لا علاقة لمحمد بالموضوع.
لم يتعامل الثلاثي معهم بالشكل المناسب ، فبدلاً من أن يشكي محمد لأحد من المدرسين أو الإداريين عن هذا الفتى ، قرر تحديه بنفسه وجهاً لوجه بالكلام و المشاجرات معتقداً أنه بذلك هو شجاع و يفعل الصواب ، و وافق عبد الله على مساندته في ذلك ، لكن عمر لم يكن ينوي التدخل ، لكن لم يكن يريد خسارة طحان و محمد أصدقاؤه الوحيدون فبعد ضغط منهم ، وافق أن يكون بصفهم.
في يوم ما ، الفتية أخذوا الموضوع إلى مستوى أخر من الوحشية ، بدأوا يلجوؤن للع*نف ، و بما أن إخوتهم الأكبر منهم سناً أساساً رجال عصابة فكان الموضوع عادي بالنسبة لهم ، عندما أخبروا محمد أنهم يريدون مواجهته بعد المدرسة لم يفهم محمد جيداً عما كانوا يتحدثون ، و لا حتى عبد الله أو عمر ، لم يتوقعوا أن بعد سنتين من القتال معهم أن ينهوا ما بينهم بهذه الطريقة.
عندما وصلوا إلى المكان المتفق عليه ، بدأ إطلاق الن*يران و محاولات الفتية لإنهاء الثلاثة حقاً و ليس عن مزاح ، هرب محمد ، خ*طف عبد الله ، و قاوم عمر حتى استطاع إنهاء حياة واحد منهم لأنه حاول إيذاه.
العصابة لم يعجبها الأمر ، لأن من أنهى عمر حياته كان أخ الرئيس ، لذا فقرر الرئيس الانتقام منه ، و افتعل حادث متعمد أدى لقت*ل أب عمر بعد يومان مما فعله عمر.
بعد سنة ، عرف عمر أن حادث أباه متعمد و الفاعل أيضاً ، فراح و انتقم لأبيه بنفسه ، يومها عمر لم يكن عمر ، كان كتلة من الغضب و الحقد تمشي بأقدام ، غير مدرك لما حوله ، فقط يريد الانتقام ، و بالفعل انتقم لأباه يومها بإنهاء حياة قا*تله بيداه هاتين ، ينظر ليداه الملطخة
بد*ماء ذلك الفتى ، و بدلاً من الشعور بالذنب ، شعر و لأول مرة بإحساس النصر ، ابتسم لا إرادياً ، نعم قد جن رسمياً.
و هو يخفي دلائل ما فعل ، لاحظ شخصاً ما يسجل فيديو له ، أحس أنه سجل الجريم*ة ، فلحقه و أمسك به :
" أ.ر.جوك ، ل
ل..ا ل..ا لا تفعل لي شيئاً."
ينظر عمر إليه بعيناه المتلهبة من الوحشية التي كبرت في أعماقه و يقول :
" تحاول الإيقاع بي و لا تريد مني فعل شيء لك ؟!"
"أ.ر.جوك لن لن أخبر أحداً ، و خذ الكاميرا هذه لك الآن."
رمى له الكاميرا تلك بكل خوف.
ينظر عمر لها و هي بين يديه و يقول :
" كهذا من البداية."
ثم ينظر له ببرود و يقول :
" و الآن أغرب عن وجهي ، إن رأيتك مرة أخرى هنا سترى ما لا تريد حتى التفكير به."
و هرب ذلك الفتى مسرعاً.
لكن أأبقى الفتى الأمر سر بينهم ؟
طبعاً لا ، أخبر العصابة بالحقيقة ، و من يومها ، يريدون ما حدث محمد عمر عنه الآن ، نعم ، تلك التسجيلات و أشياء أخرى ستنهي مسيرة كل من عمر و عبد الله.
بعد أن فكر عمر بكل ما فعله سابقاً ، اكتشف فعلاً أنه شخص فظيع ، جعل غضبه يتحكم به و قلة ثقته بنفسه تحكم على قرارته و أوصله إلى هنا ، يكره نفسه لأن تلك اللحظة التي انتصر بها سابقاً أصبحت الآن أكثر لحظة ينأب بها نفسه ، لحظة تدفعته للتفكير بإنهاء حياته و ليس لمرة ، شهد من حياته ما يكفي ليتبنى لديه وجهة نظر أنه شخص عديم الفائدة و خادع ، أنه شخص لا حاجة له و عدمه أفضل حتى من وجوده الذي بلا قيمة ، هذه المواجهة التي حصلت الآن بينه و بين محمد أعادته إلى ذلك السجن الذي حاول الهرب منه لسنوات ألا و هو تأثير الماضي ، هو شخص عالق في الماضي ، يكبله بقيوده الثخينة ، كل مرة يفتح بها قفل يزداد عدد الأقفال الأخرى أو حتى ثخانة الحبال الحديدية تلك التي يقيد بها ، أنفسه معها حق أنها تكرهه ، أم أنها السبب فبهذا الكره ، ما الفرق بينه و بينها و لماذا هم أعداء و ليسوا في صف واحد معاً ؟
بعد ذلك التفكير ، عاد عمر إلى لحظة الحاضر ، و قرر ، إنهاء كل ما بينه و بين ذلك الماضي و أول ما فعله هو اعترافه لمحمد بما يفكر به حقاً عن هذه القصة و قال له بكل غضب و اندفاع :
" بل قبولي أن أكون معك العار ، أنت السبب في كل ما حدث محمد ! لأنو أنك صبرت قليلاً فقط و فكرت مرتين ، لما حدث مع عبد الله هذا و لا م*ات أبي و كل ما تبعه من أحداث.
سكت كثيراً ، خفت على مشاعرك و لم أرد جرحك لكني كنت غبي ، كنت غبي لأني أهطيت شخص مثلك مكانة لا يستحقها ، فعل نفس الشيء من أجلي ؟ لا.
و الآن أذهب و أنقذ عبد الله ذاك وحدك ، أنا لا أريد أحد منكم في حياتي بعد الآن."
غادر و لم يسمع حتى ما سيقوله محمد له رغم أنه فعلاً بدأ بالكلام.
حتى عبد الله الذي أحبه كثيراً أصبح الآن شيء يزعجه ، كل ما يجعله يتذكر أن عليه كره نفسه أصبح شيء مشمئز بالنسبة له.
" أنا مخطئ ، لأنهم أخطأوا بحقي.
أنا ناتج أفعالهم بي.
يقولون عني الظالم بعد أن كنت ضحيتهم لسنين ، و بعد كل هذا ، علي الهروب من تلك الأفعال التي حدثت في الماضي ؛ و أستطعت و لحد الآن لم يعلم أحد بشيء ، لكن هل سأستطيع ترك كل شيء ورائي و أبدأ ببناء حياتي من جديد ؟"
نتبع في الجزء القادم ✨

I just hate myself | أنا فقط أكره نفسيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن