جاكي

5 1 0
                                    

لقد جاء اليوم، حيث سيرافق السيد والده إلى شركة العائلة، فاليوم سيدخل أبواب أعمال العائلة، و طالما ما كان يحلم بهذا، فهو الوريث، و مصير العائلة بين يديه...نعم بين يدي، و سأجعلها في القمة.
إستيقظ باكرا من غير العادة، فالنوم لم يأتيه، فقد كان متحمسا كطفل صغير ينتظر صبح يوم عيد ميلاده، و الهدايا التي سوف تقدم له...و اليوم سوف يقدم لي أبي شركته.
أخذ يذهب إلى الحمام حيث أخذ ينظف نفسه و هو يغني و يرقص كالأحمق، فرش أسنانه و سرح شعره الأسود، ثم أخذ يرتدي ملابس أنيقة تليق بهذا اليوم المميز، سروالا فضفاض سماوي اللون، و سترة بيضاء من الصوف الخفيف على الجلد، و حذاء أبيض تزينه تماسيح خضراء صغيرة على جانبيه، ثم وضع عطره المفضل ذو الرائحة القوية...رائحة الفوز.
وقف للحظة يتأمل نفسه في المرآة أمامه، وهو يقول بكل ثقة:"اليوم سوف أجعل نفسي و أبي فخورا، اليوم هو يومك جاكي...اليوم".
ثم إبتسم لنفسه و خرج ورائحة العطر القوية تملئ المكان.
وجد على طاولة الفطور أمه  و أخته إلي، كانت والدته ترتدي ملابس نوم زرقاء، سروال صوفي و سترة مخملية، و قد إسترسل شعرها فوق كتفيها العاريتين، بينما أخذت أخته تقشر بيضة و هي ترتدي تنورة صباحية وردية اللون و شعرها الطويل قريب أن يلامس الأرض، قال و قد جلس برفقتهم:"أين هو أبي؟".
أجابت والدته:"لقد ذهب إلى الشركة باكرا".
قال:"لقد ذهب كي يحضر لقدومي اليوم".
ثم أخذ رشفة من عصير الليمون، قالت إلى وهي تقضم من البيضة:"هل سوف تبدأ اليوم؟".
قال و قد وضع كعكة ليمون صغيرة الحجم في فمه دفعة واحدة:"لا أعلم حقا، لكنه سيريني عمل العائلة الحقيقي، هذا ما أخبرني به أبي".
صمتت والدته دون أن تجيب، قالت إلي:"حظا موفقا في ذلك".
حمل نفسه بعدها:"لست جائعا حقا، فالحماس يملئ بطني"...و التوتر أيضا.
طبع قبلة على خذ أمه و أخته، ثم خرج بخطوات واسعة.

كان الطريق طويلا بالنسبة له، لكنه وصل أخيرا، وقف أمامها عندما خرج من عربته رباعية الدفع، الشركة الأم، حيث جلس على عرشها أربعة ورثة، و سيكون الخامس بعد أبيه، أخذت ترتفع خمسة أقدام من فوقه، بيضاء اللون كندف الثلج، و الزجاج يحيطها من كل جوانبها، و على قمتها المدببة أخذ جهاز رقيق الحجم يظيء بالأحمر دون توقف، و الإسم الذي يزين مدخلها الضخم منقوش بحروف مصنوعة من الذهب..."ستورم لاند"...شعر بالفخر وهو يقف أمامها...شركتي في يوم ليس بالبعيد، ثم دخل بخطوات واثقة.
إلتقته موضفة الإستقبال، فتاة شقراء الشعر حسناء الملامح، قالت له بصوتها العذب:"مرحبا بك سيد جاكي".
ما اجمل وقع هذه الكلمات، و صاحبتها أيضا، أجاب و قد فتنته الفتاة:"مرحبا، أين سأجد أبي من فضلك؟".
قالت و قد أخذت تتحرك أمامه:"إتبعني من فضلك".
أخذ ينظر إلى مؤخرتها و هي تتحرك من أمامه، بعيون قناص ينتظر فريسته، غاص في أحلامه المنحرفة بينما أخذت الفتاة تتحرك...فلتذهب تينا إلى الجحيم، هذه هي من سأخذ، الجائزة الكبرى...
أعادته صوت الفتاة إلى وعيه بعد أن قالت:"هنا ياسيدي".
ليقف أمام باب زجاجي ليفتحه بعد أن شكر الفتاة و وعدها بأن يتحدث معها بعد نهاية إجتماعه مع أبيه.
في الداخل وجد والده يجلس في مقعده الخاص، و قد ظهر مهيبا بملابسه السوداء الأنيقة و شعره الأسود المصفف إلى الوراء، و قد أخذ سيجارة راقية بين أصابع يده الضخمة، قال عند دخول إبنه:"فلتجلس".
ياله من حظور مهيب، هكذا سوف اصيره يوما ما، جلس إلى قبالة أبيه، بينما أخذ عمه يجلس بجانبه، الأخ الأصغر للسيد والده،العم ريك، رجل رشيق القوام و أوسم من والده، ملامحه ليست بالقاسية، لكن عينيه رماديتا اللون تشعان بالخبث و المكر، و قد كان يتميز بشعر أل ستورم الأسود كالفحم، فكر جاكي وهو ينظر إليه...كم يظهر صغير الحجم في حظور أبي...
قال عمه بعد جلوسه:"لماذا طلبت حضوري اليوم يا أخي؟".
ظهرت أمارات التوتر في وجهه، بينما أخذ ريتشارد ستورم ينظر إليه بعينيه الباردتين، قال بعدها:"هناك شيئ مهم سأخبرك به".
قال ريك بفضول:"ماذا هناك؟...هل هو العمل الذي طلبتني القيام به؟؟...لقد كنت هناك عندما إتصلت بي و طلبت مني الحضور في الحال".
أجابه أخوه:"لا بل شيئ أخر".
لاح التوتر أكثر على ملامحه، حتى أن جاكي قد لاحظ العرق على جبينه، ثم تحدث السيد ستورم بعدها:"لن تعود نائبي و يدي بعد اليوم".
دوى صمت رهيب للحظة، و قد سمع جاكي صوت دقات قلب عمه وهي تصدح داخل صدره، قال بصوت مبحوح:"لماذا؟؟...ماذا فعلت؟؟...".
قال ستورم:"لاشيئ، أريدك في مكان أخر، وهو حيث أمرتك أن تذهب إليه".
قال ريك و قد أخذ يتمتم:"لكن...لقد قلت لي...فقط ماذا حدث...أنا...".
قاطعه ريتشارد:"إبني سيحل مكانك، فهو وريثي بعد كل شيئ، لقد كنت تملئ مكانه، و قد جاء وقته لدخول عالم العائلة".
شعر جاكي بفخر لحظتها و قد سمع هذه الكلمات من فم أبيه شخصيا، بينما أخذ ينظر عمه نحوه، قال:"لكن أخي...".
قاطعه ريتشارد موجها كلامه لإبنه:"هل أنت جاهز جاكي".
إعتدل جاكي في مكانه ثم قال:"نعم يأبي".
ثم عاد ينظر إلى أخيه:"لقد قال أنه جاهز، حسنا".
ثم وقف من مكانه و تناول معطفه المصنوع من فرو التمساح، ثم أخبر كليهما:"هناك عمل مهم يجب أن نقوم به، إتبعاني".
بخطوات واثقة أخذ جاكي يتحرك إلى جانب أبيه بكل فخر، بينما أخذ عمه يتحرك من ورائه، و قد أقسم جاكي أن نظرات عمه كانت كالسهام في ظهره، أخذو ينزلون درجا قد بني وراء مكتب والده، كان كممر سري،كانت الأضواء خافتة وهما ينزلان، كانت الأدراج دائرية، و قد صنعت من الحجر الصلب، حيث كانت أصوات أقدامهم تتردد في الظلام حولهم، و كلما نزلو إزداد البرد، و قد علم لماذا قد وضع والده و عمه معطفا من الفرو فوق كتفيهم، كانت السلالم طويلة حقا، كأنها قد بنيت أسفل الأرض، حينها بعد ثلاثة خطوات وصلو أخيرا.
كان المكان عبارة عن رواق حجري واحد قد علقت عليه مصابح زيتية على جوانبه تنير المكان، و البرد أشد هنا، و يقف في أخر الرواق باب واحد قد صنع من الحديد...حديد العائلة...و قد أخذ القليل من الصدأ يظهر عليه، أخذ والده يتحرك نحوه بصمت،و قد أخذت الحيرة تتملك جاكي عن سبب قدومهم إلى هنا، أليس الواقع أن تريه الفتاة الحسناء المكان، أم والده أو عمه، لكنه لم يجرأ عن السؤال، و أخيرا وصلو إلى الباب الحديدي، ليخرج والده من كمه مفاتيح ضخمة تتصلصل فيما بينها،قال قبل أن يفتح الباب:"هذا هو عمل العائلة الحقيقي".
ثم فتح الباب مصدرا صريرا مرتفعا، في ظلمة الغرفة التي تبددت بعد أن وضع والده مصباحا زيتيا على أحد الجدران، أفعمت رائحة البول و الخراء أنف جاكي و قد شعر بالغثيان للحظة، لكنه أمسك نفسه عن أن يتقيئ أمام والده، و لا نوافذ متواجد في المكان،فقط صوت انفاس متقطعة، و حركة صلاصل حديدية، و الشاب الجالس على الكرسي الخشبي و قد ملئة وجهه كدمات زرقاء و دم متخثر.
شعر جاكي لحظتها بالذهول، ماذا يحدث هنا بحق الجحيم!!... و من هذا الشاب الجالس هنا، ليجيب أباه عن تساؤلاه كأنه قرأ ما يجول في عقله المشوش:"هذا الشاب أمامك إسمه جوف، يعمل في الشركة، خاصتا في العملات و الحسابات الخاصة بشركتنا".
ثم نزع والده معطفه الصوف و ناوله لريك، ثم أتمم قوله:"لقد كان حقا مخلصا في عمله، و كفائته أكثر من أي أحد أخر، أكثر من أخي هذا".
ثم وقف أمامه ينظر إليه بينما أخذ جوف يبكي وهو يحاول أن ينطق بكلام ما، أتمم والده:"لكن مع الأسف إكتشف أحد جواسيسي أنه يسرق من بعض الأموال التي لا نوليها أي إهتمام، و الأكثر حقارة أنه يسرب كل شيئ إلى الشرطة، لكن في كل مكان يوجد ستورم، حتى في الجحيم".
حاول الشاب أن يتكلم، حينها رأى جاكي السبب،لقد تم قطع لسانه، شعر ببرودة تسري في عروقه، عندما أخرج والده مسدسا أسود كشعره، و قد أخذ يلقمه، بينما أخذ الشاب يتلوى في مكانه يحاول أن يتخلص من سلاسله الحديدية.
وقف جاكي في مكانه و قد تجمدت فيه الدماء...ماذا يحدث هنا بحق الجحيم؟؟...ما هذا؟؟....
عندما إنتهى والده، و قف ينظر إلى مسدسه كطفل جائع، ثم قال بصوته الجوهري البارد كالصقيع:"عائلة ستورم مخلصة لمن يتقن و يعمل...و قاسية لمن يخون و يسرق...و أنت أيها الشاب خائن و سارق و جزائك العقاب".
أخذ الشاب يبكي و يحاول الصراخ،قال والده دون ذرة إهتمام لنواحه:"و من تقاليد عائلة ستورم, أن من يحمل دماء ستورم من يحل له أن يطبق العقوبة بنفسه، و ليس أن يختبئ وراء رجاله".
ثم نظر نحو عمه، أخذ الشاب ينوح و قد بدى لجاكي الأن أنه أكثر وهنا و ضعفا، كم هو هزيل و قد رفع والده مسدسه نحوه.
سمع صوت ريتشارد كالسوط في أذنه:"الرحمة".
ليخرج صوت الرصاصة مكتوما دون أن يترك أثرا وهو يمر بالجلد و اللحم و العظام، تاركا ثقبا مستديرا في رأس الشاب وقد خرج من وراء رأسه، لتبدأ نافورة من الدماء تتسرب منه، و رأس الشاب قد رجع إلى الوراء، بينما أخذت عيناه الخائفتان تنظران إلى أعلى في فراغ تام.
قال والده وقد أعاد المسدس إلى مكانه:"مرحبا بك في عمل العائلة يا إبني".
بينما وقف جاكي جامدا وقد تلوثت أمعائه، و هو يكرر في أعماق أعماق نفسه دون توقف....أنا الوريث...أنا الوريث...أنا الوريث...

في أعماق المحيطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن