كاتلين

10 1 0
                                    


جلست ترتشف قهوتها الصباحية في مطبخ المنزل، وهو رواق طويل مليئ بمختلف الاجهزة المطبخية المتطورة، تصطف في صفوف متوازنة، قدور و أفران و ثلاجات على يمين المطبخ، ألات غسيل الأطباق و العجن و التصبين على يسارها، و في الوسط قبالة باب مقوس يؤدي إلى الحديقة الخلفية للمنزل، تتواجد طاولة من الخشب العتيق تحيط به كراسي مزينة بالفضة و مصنوعة من حديد عائلة ستورم نفسها.
هناك جلست السيدة كاتلين تحتسي قهوتها في كأسها المزينة بنقط مذهبة، ترتدي تنورة خضراء كالعشب،و يحيط بعنقها الأبيض وشاح أخضر بدوره, و قد زينت نفسها بأقراط رمادية من البلور المخفف و قد خفق شعرها الكستنائي المخطط بالأبيض من وراء كتفها، تضع قدم على قدم و حذاء كعبها المقمقم تتلئلئ الجوهرة الخضراء الموضوعة وسطها في أشعة الشمس الصباحية.

أخذت خادمة المنزل تحضر كعكعة من الجوز الهندي، المفضلة لدى داني، بينما قالت كاتلين من مكانها:"لقد بدأت أتعب حقا مينة".
أجابتها الخادمة دون أن ترفع عينيها عن العجين:"يجب أن تأخذي قسطا من الراحة ياسيدتي، لقد قمت بالكثير، دعي السيد زوجك يساعدك".
إبتسمت بوهن وهي تقول:"هذا أخر شيئ قد يحدث".
كانت مينة خادمة العائلة المخلصة، سيدة في الخمسين من عمرها، ممتلئة الجسد و قصيرة الحجم، ملامحها ما زالت جميلة رغم كبر سنها،وجه قروي مثل وجه إبنها، فقد كانت تعيش في الجبال قبل أن تبدأ العمل رفقة زوجها الراحل، الذي كان بدوره السائق الشخصي لزوج كاتلين، وقد توفي بمرض مفاجئ في الكبد، تاركا زوجة و إبنا، لكن عائلة ستورم لا تتخلى عن من يخلص في العمل، فقد كانت هناك كلمات قد كتبها السيد الأول لمؤسس العائلة بخطوك من ذهب، ""عائلة ستورم مخلصة لمن يتقن و يعمل...و قاسية لمن يخون و يسرق"".
أجابت مينة و قد وضعت الكعكة داخل الفرن:"أعلم أنه من الصعب أن تربي ثلاثة أبناء...و أحدهم مريض".
قالت و كاتلين تأخذ رشفة طويلة من قهوتها:"لا أعلم حقا كيف حدث هذا؟!...لقد كان ولدا جميلا طيبا...مليئا بالحياة...في ليلة تغير كل شيئ...".
صغيري داني...داني الحبيب...
جلست مينة إلى جانبها على الطاولة الخشبية، قالت:"أعلم ذلك ياسيدتي، لقد ساعدتك على تربيته,وقد تألم قلبي على ما صار عليه، لكن هذا هو القدر".
القدر... قالت كاتلين في قرارة نفسها...و ياله من قدر قاسي.
دخل من باب الحديقة المقوس إبن الخادمة...دانيل و قد حمل مجموعة من الخضروات القادمة من مزرعة ستورم، حيث طلبت والدته القليل لتحضير سلطة خاصة لداني، فقليل ما يأكل منذ العشاء العائلي، ثم جلس بدوره قائلا:"مرحبا سيدة كاتلين كيف حالك؟".
أجابت بخفوت:"بخير ياعزيزي".
دائما ما كانت كاتلين تحب دانيل منذ أن كان طفلا، و قد زاد حبها له عندما صار يساعد داني في محنته دون أن يتخلى عنه، فهو كالإبن بالنسبة لها.
قالت من جديد:"كيف حال داني عندما كنت برفقته؟".
أجاب:"إنه بخير...فقط مازالت أحداث العشاء ترافقه".
قالت بعد صمت:"أعلم ذلك...لقد كان والده قاس حقا لحظتها".
قال دانيل:"أظن أنه من المفيد أن تتحدثي معه".
قالت خائفتا:"لن يرغب في رؤيتي...لقد بقيت صامتتا عندما تحدث زوجي".
فهو سيد البيت و زوجها و سيدها،قال دانيل:"لا أظن ذلك، ثقي بي، فهو إبن أمه رغم كل شيء".
إبن أمه...هل هو حقا؟؟...ثم قال بعد بلحظات:"هل أخبرتك امي سيدة كاتلين عن...عن ماذا قمت به؟...".
أجابت بشك:"لا...ماذا هناك؟؟".
قال دانيل متذمرا لأمه:"أمي!!!...لماذا لم تخبريها!!".
شعرت مينة بالخجل و هي تجيب:"أريد الإنتظار حتى يصير كل شيء مؤكد".
شعرت كاتلين أنها تائهة بينهم، لكن دانيل قال موضحا:"لقد إعترفت لفتاة أحبها...و قد أتقدم لخطبتها".
شعرت كاتلين لحظتها بمشاعر مختلفة تملائها، فرح و سرور لإبنها الذي لم تلده...و حزن و غيرة لأن دانيل قد بدأ ينضج و يصير رجلا...بينما إبنها...جالس في غرفته كل يوم.
قالت و قد وضعت يدها فوق يده بلطف:"مبارك لك ياعزيزي أنا حقا مسرورة، و أظن الأمر يتطلب هدية من طرفي".
قال مبتسما:"لقد كان داني أول من يعلم...".
فكرت...حقا!!..يالك من ولد طيب...
ثم أتمم:"و قد أعطاني هدية أيضا...غالية حقا".
ثم أخرج العلبة الحمراء، فتحها ليظهر الختم وسطه،شهقت أمه بسرور لمرئ الخاتم، بينما أخذت كاتلين تنظر إليه،إنها تعرفه، لقد كان هدية عيد زواجها من السيد زوجها، و قد قدمته لداني حينها، طمعا في أن تحمله من تقع في حبه، لكن ها هو الأن بين يدي صديقه.
قالت:"إنه جميل حقا".
قال دانيل:"لقد أخبرني داني كل شيئ حوله، و قد وعدته أنه سيأتي يوم سأكون برفقته وهو يضع واحد أجمل منه في يد من يحبها و تحبه".
أحست بالدموع، و قد قالت غاضبتا من نفسها...يالك من حمقاء...تشعرين بالغيرة منه...إنه يحب إبنك أيتها البلهاء...
قالت وقد عصرت يديه:"أن ممتنة حقا أنك بجانبه، نعم خذ هذا الخاتم و ضعه في يد حبيبتك، و عش سعيدا، إنك تستحق هذا".
قال بملامح جادة حينها:"لا تقلقي ياسيدتي...رغم ما حدث في حياتي من سعادة، فاليوم الذي سأكون فيه أسعد شخص في العالم، هو عندما أحضن داني من جديد كما كنا نفعل و نحن صغار، هذه هي السعادة التي أريد أن أعيشها أكثر من أي شيئ".
سقطت دموعها دون أن تشعر...شكرا لك دانيل...شكرا لك يا إلهي...فما زال القدر لطيفا معي رغم كل شيء...

في أعماق المحيطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن