جاكي

5 1 0
                                    

كان جلدها دافئا وهو يلمسها بأصابعه، يحركها بخفة وقد أحس بجلدها يرتعش، جعله الأمر يثور أكثر ليكور نفسه داخل نهديها، ضحكت و همست:"جاكي المثار".
ماجعله يثور أكثر ليحملها بين ذراعيه و يدير يديه على خصرها، كان شعرها مسترسلا وراء ظهرها، وقد كانت متألقة و براقة، ملاك يتحرك، كانت مختلفة عن تينا التي يعرفها، وقد أحب هذه النسخة أكثر، سقط كليهما على فراش رطب من ريش القاقوم، وقد ألصقت جسدها بجسده، ليشعر بحرارة جسده ترتفع أكثر، أرادها بداخله، أخذت تلمس كل جزء من جسده، ثم قبلت أنفه بكل لطف، ثم قالت و قد إبتسمت و أسنانها بيضاء لامعة:"أحبك جاكي".
ثم تقرب نحو وجهها ليقبل شفتيها الجميلتين، لحظتها وقد إختلطت أنفاسه بأنفاسها، شعر بمذاق على لسانه، عندما حاول أن يزيح عنها شفتيه، خرج دم أحمر كشلال من فمها، ليغطيه وقد تقيأته على وجهه الوسيم، غطته الدماء و لم يعد يستطيع رؤيتها، وقد حاول أن يتنفس، لكن الدماء دخلت إلى حلقه، لم يشعر بنفسه و هو يغوص داخل فراشه، ليرتمي على أرض باردة جعلت أنفاسه تخرج من صدره، مصدرا أهة عندما سقط، حاول أن يمسح الدماء من على نفسه، لكنها لم تعد موجودة عليه، لكن مذاقها مازالت على لسانه، وقد وجد نفسه قد إرتدى ملابس كلها بيضاء، قميص و سروال فضفاض.
كان المكان باردا مظلما، عندما حاول التقدم وهو يتخبط بكلتا يديه، إشتعل مشعل فجأة على جانب حائط حجري، ثم تبعه الأخر، ثم الأخر...ثم الأخر، ليظهر المكان، رواق حجري طويل لانهاية له، و على جوانبه تماثيل حجرية مشوهة الشكل، بعضها مكسر، و بعضها قد غلب عليها العفن الأخضر، لكن منظرها كان مخيفا، أخذ جاكي يتحرك على الأرض الحجرية، و قد شعر ببرودتها على أصابع قدميه الحافية، و في كل لحظة ينظر ورائه إذا كان شخص ما يتبعه، ثم من بعد خطوات قضاها على الرواق، توقف فجأة، كان التمثال على جانبه الأيسر، لقد لاحظه، فقد كان المشعل بجواره أكثر تأججا، ناره مستعرة برتقالية، وقف ينظر إلى شكله الواضح، المتقون من حيث صنعه، كانت نفس ملامحه، طويلة جامدة، لقد كان وجه أبيه أمامه، تمثاله مهيب طويل، واقف مستندا على صخور على شكل كرسي، وقد أخذت ملامحه الحجرية الرمادية تنظر نحوه، شعر بنظراتها قاسية، شعر برعشة تسري على جسده،ثم خرج الصوت من الشكل الحجري كصوته، بارد و جوهري:"أيها الخائف".
قفز من مكانه و تراجع إلى الوراء إلى أن إرتطم بتمثال مشوه، عاد الصوت يرتفع:"أيها الضعيف، أنت مجرد وعاء فارغ، لاقيمة لك، أنت عار عائلتي التي وضعتها في القمة، عار العائلة".
صرخ جاكي:"تبا لك!!...أنت مجرد حجر عفن، أنا الوريث...أنا الوريث!!... هذا مجرد حلم".
ثم حاول أن يغلق عينيه، أملا أن يستيقظ، لكن صوتا همس من وراء الظلال:"هنا، الطريق من هنا عزيزي".
قال:"تينا...".
لقد كان صوتها، عندما نظر مرة أخيرة إلى تمثال أبيه،كان حلق التمثال عبارة عن شق رفيع يمر من الأذن حتى الأذن، يتسرب منها سائل عفن كريه الرائحة,ثم عاد بخطوات واسعة نحو الظلام حيث سمع همسة تينا...إنه الطريق الذي أبحث عنه، أريد الخروج من هنا... و هو يتحرك سمع صوت أنين، أو بكاء بالأحرى، إلى جانبه كانت قضبان حديدية سميكة تحيط بطفل صغير، كأنه قد تم حبسه هناك، جالسا وقد عانق نفسه و ركبيته بين صدره، يبكي دون توقف، إقترب جاكي نحو القضبان، ثم قال بصوت خفيض:"أيها الطفل، لماذا تبكي؟؟".
عندما أدار الطفل وجهه نحوه، شعر بالصدمة و الذهول، إنه يعرفه، همس بحلق جاف:"داني!!!...".
لكن الطفل أخذ يجهش بالبكاء أكثر من السابق، لقد كان داني وهو طفل، محبوسا في زنزانة كئيبة كهذه، أخذ جاكي يمسك القضبان الحديدية الباردة، يحاول أن ينزعها، لكنها أبت، صرخ:"داني...داني!!!....".
لكن داني الطفل أخذ يبكي دون توقف، همس صوت تينا مجددا:"جاكي، عزيزي الطريق من هنا".
هذا حلم...يجب أن أخرج من هنا...ثم أخذ يركض بخطوات طويلة، حتى بدأ يسمع صوت أنفاسه و دقات قلبه تتسارع، عندما صعد أدراج حجرية، وجد نفسه داخل غرفة أخرى، لكنها أكثر دفئ من  الرواق، كانت فتاة طويلة الشعر تجلس على ركبتيها، وقد أخذ شعرها الكستنائي يحيط بالغرفة بأكملها، لكنه بدأ يتطاير عندما تحرك، خصلة بخصلة، ليختفي في لحظة وجيزة تاركا الفتاة صلعاء، صرخت بصوت صم أذنيه، لتدير وجهها الجميل نحوه، شعر بقلبه يسقط من مكانه، لقد كانت أخته إلي، لكنها قبل أن يقترب أكثر نحوها أخذت تقمش وجهها بأصابعها، تاركتا خطوطا حمراء على وجنتيها وهي تصرخ:"لا!!!....شعري!!!!!....".
لم يستطع جاكي التحمل أكثر، ثم دفع الباب تاركا الصراخ من ورائه،بدأت الدموع تسيل على وجنتيه دافئة وهو يركض:"تينا....أين أنت....تينا النجدة!!...".
لتظهر فجأة أمامه، و الدماء تسيل من أنفها و رأسها، قالت وقد نظرت نحوه:"لقد أحببتك جاكي، لكنك قتلتني".
قال و قد تسارعت أنفاسه داخل صدره:"لا...لم أقتلك تينا؟؟..".
قالت:"لقد فعلت...قتلتني جاكي".
ثم أخذ جاكي يبكي:"لم أفعل...أنا لم أقتلك تينا...أنا...".
قاطعته قائلتا:"لكنني سأنتقم منك عزيزي".
ليحس بنفخة بارد تمر من أسفله، كأنه منجل حاد، لكنه خفي لايرى بالعين ابدا، ليجد نفسه بدون قدمين، نصف جسده إختفى، ثم بدأ يصرخ متوسلا:"لا!!!!!!.....".
أخذت تينا تضحك بصوت مرتفع، و جاكي يصرخ و يبكي...ليفتح عينيه في ظلمة غرفة أخرى، يسمع صوت ألة بجانبه، و رائحة غريبة تملئ الغرفة، لقد عاد إلى العالم الحقيقي، و قد عرف هذه الرائحة بعد لحظة، نطق بشفتين عطشتين:"المستشفى...".
ثم تذكر الحادث، و تينا التي سقطت من خارج العربة على جانب الصخرة، ثم بدأت الدموع تسيل من جديد، ليسمع صوتا من مكان ما في الغرفة ينطق:"لقد إستيقظت".
عندما أدار بعينيه نحو الصوت، كان الشخص جالسا على الأريكة بقاع الغرفة، ثم عندما وقف و إقترب نحوه، ظهرت له ملامحه، ثم نطق:"داكسون".
إنه صديقي...نعم...داكسون...
نطق بحلق جاف:"كم الوقت...الأن؟؟".
أجابه داكسون:"ليلا".
قال جاكي وقد أحس بتعب ينخر كامل جسده:"هل...هل أمي و أبي...هنا معك؟؟...".
أجابه ببرود:"والدتك نائمة في غرفة الضيافة في الطابق السفلي...و والدك لم يأتي لزيارتك و لو لمرة واحدة".
أحس بقلبه يسقط من مكانه، لقد تحقق حلمه، والده يكرهه الأن بسبب ضعفه و خوفه، أجاب وقد بدأ يشعر بدوار خفيف:"هكذا إذن...أفهم الأمر".
فجأة تذكر بقية حلمه، أخوه المسجون في زنزانة، و أخته الصلعاء، و تينا...و المنجل الذي قطعه لنصفين، ثم أخذ ينظر إلى قدميه القابعين داخل الفراش الأبيض، ثم قال لصديقه:"أنا...لا أشعر بقدمي...".
كان الأمر كأن ثقلا يحمله فوقهما الأن وهو مستلقي في مكانه، لكن داكسون لم يعر أي إهتمام لسؤاله، قال بلهجة جافة:"هل تعلم ماذا حدث لتينا؟؟".
تينا...و كيف أن ينسى ذلك... قال دون أن ينظر إليه:"أنا... حقا لا أشعر بقدمي".
لحظتها شعر بغضب صديقه يغطي على صوته وهو يقول:"أنت حقا لا تهتم إلا بنفسك...لقد كانت تحبك...لكن أنت...أنت...لم تكن تفكر إلى في قضيبك..."".
أجابه جاكي بحدة:"ماذا قلت؟؟".
قال:"نعم لقد سمعت ماذا قلت....لقد كنا نتحدث معا على الهاتف قبل أن تراسلها...لقد كانت تضحك معي و تخبرني بكل أحلامها...برفقتك...و عندما رأت رسالتك هل تعلم ماذا قالت لي لحظتها....كم أنا فرحة...لقد تحقق حلمي...إنه يحبني...لكنك كنت تحب جسدها فقط".
شعر جاكي لحظتها بالذنب يعتريه، فما قاله صديقه صحيح، لكنه فضل الصمت على أن يجيب، كان وجه داكسون قد أخذ يتحول إلى اللون الأحمر لحظة، قبل أن يقول:"لقد...لقد أحببتها...أكثر مما فعلت في حياتك التعيسة...لكنها أحبت الشاب الوسيم الغني...و في لحظة ظننت حقا...أنك ستكون أفضل لها...وكم كنت مغفلا...فقد كنت سبب موتها...و هذا جزاء حبها لك...".
ثم سحب سكينا من جيبه، لحظتها ظن جاكي أنه سيقوم بقتله و يضع السكين في قلبه، لكنه وضعه على المنضدة بجانبه، ثم قال:"هذه الهدية التي قدمتها لي في عيد ميلادي...لم أعد أحتاجها".
كانت الهدية عبارة عن سكين صغير مقبضه مغطى بجلد التمساح، و زينته حجرة صغيرة من الياقوت في نهاية المقبض، تذكر جاكي اليوم الذي أعطاه الهدية، وهي عبارة عن العلاقة الأخوية التي تربطهم، أتمم داكسون:"لقد كانت رمزا على علاقتنا أنا و أنت....لكنها لم تعد لها قيمة بالنسبة لي...لم تعد تجمعنا أي علاقة...و أتمنى أن تقتل بها نفسك".
و عندما وصل أمام باب الغرفة، نظر نحوه ثم قال:"لقد إلتقيت والدي تينا هنا في المستشفى، و كم كانو حزينين على وفاة إبنتهم....لكن مبلغا زهيدا من والدك جعلهم يبتسمون مجددا...مسكينة تينا".
ثم رحل و أغلق الباب من ورائه بقوة، بينما أخذ جاكي ينظر إلى قدميه، و الحمى أخذت تحمله على الجنون، أخذ ينطق:"لا أشعر...لا أشعر...قدماي...قدماي".
أحس بدموعه ساخنة على وجنتيه، أزاح الغطاء من فوقه، ليجد قدميه مضمدتين بالأبيض، لكن لا حياة فيهما، حاول أن يحركهما، لكن ثقلا كان فوقهما، حاول أن يصرخ...يبكي... لكن السكينة بجانبه كانت الحل لحظتها، أخذها بسرعة ثم أخذ يدخلها في قدميه، ضربة واحدة، ثم أخرى...لم يشعر بأي ألم، مجرد بقع أخذ السائل الأحمر منهما بالخروج، ثم أخذ يصرخ و يثقب و يثقب دون توقف، لتدخل ممرضة صارخة من منظر الدماء على قدميه، بينما أخذ يصرخ حاولو إمساكه و إزاحة السكين من بين يديه، و أخر شيئ تذكره جاكي قبل أن يفقد الوعي عندما أدخلو إبرة في عرق يده، هو وجه أمه المصدوم و هي تنظر نحوه...و كم مقت و كره نفسه لحظتها...و قد عرف في قرارة نفسه رغم الدوار الذي بدأ يشعر به...أنه لم يعد الوريث...

في أعماق المحيطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن