كاتلين

4 1 0
                                    


جلست في غرفتها، بينما أنارت الشموع التي أخذت تطقطق بصوت خفيض على جانب مقعدها الخشبي المنمق، ترتشف من قهوتها الليلية بكل هدوء و رزانة،و قد وضعت أمامها كتابا ضخما من الجلد المقوى، بعنوان "وجهان لعملة واحدة"، وهو كتاب قديم يتحدث حول ماهية الإنسان، وكيف يتقمص دورين مختلفين حسب الحاجة، كالحرباء، و كيف تواجه شخصا في مثل هذه المواصفات،كتاب دائما ما أحبته كاتلين، وفي كل ليلة قبل أن تخلد إلى نومها تقوم بقراءة بضع صفحات منه، وهي ترتشف مرة أخرى من قهوتها و تقلب صفحاتها بكل هدوء، إستلقى زوجها على سريره الضخم المصنوع من ريش البط، و قد وضع وسادة بيضاء رطبة من وراءه أسند عليه ظهره، وقد حمل جريدة و أخذ يقرأ بملامح جامدة، تزينها نظارة قراءة دائرية الشكل، فقليلا ما يجامع زوجته، فقط من أجل الواجب، وهو الأمر الذي إعتادت عليه كاتلين منذ مرض إبنهما داني، علاقة باردة كملامح وجه زوجها...و كل يوم تصير أكثر قسوة من التي تسبقها.

عندما قرأت ثلاث صفحات من كتابها الضخم، سمعت خطوات من خارج غرفتها، كما تنامت إلى مسامعها همسات خفيضة،نظرت إلى زوجها، لكنه مستغرق في قراءة صفحاته، وضعت علامة عبارة عن خيط أسود رفيع على الصفحة التي توقفت فيها، ثم أغلقت الكتاب مصدرا صوت ظغطة مكتومة،ثم تحركت بخطوات خفيفة، وقد إرتدت صندلا مزينا بصوف بنفسجي على جوانبه، بينما إنسدل شعرها الكستنائي على ظهرها العاري، وقد غطت نفسها برداء من الصوف لتغطي ملابس نومها التي كانت ترتديها، أملتا في أن ينظر إليها زوجها نظرة شهوة، لا نظرة واجب فقط، عندما إقتربت نحو الباب، سمعت دقتان خفيضتان،ثم فتحت الباب، لتجد حارسين من حرس زوجها على الباب، قال أحدهم ضخم الجثة:"أسف على إزعاجك سيدتي في هذا الوقت المتأخر من الليل".
قالت وقد إعتمر قلبها شك:"لابأس...هل حدث شيء ما لداني؟ هل هو بخير؟؟..".
قال الحارس:"نعم سيدتي إنه نائم في غرفته..".
ثم تردد لحظة قبل أن يتمم:"...إنه جاكي سيدتي".
ياإلهي ماذا فعل هذه المرة...قالت:"ماذا فعل؟؟..".
نظر الحارس إلى زميله القصير لحظة ثم قال وقد لاعق شفتيه قبل أن يجيب:"سيدتي...لقد وصلنا خبر من مستشفى 'سان لويس' وقد أخبرونا أن السيد جاكي في المستشفى".
لحظتها فكرت كاتلين أنه قد أسرف في الشرب وقد فقد وعيه في أحد الملاهي مثلما حدث مرات عديدة سابقا، لكنها قالت:"هل أسرف في الشرب مجددا؟".
هذه المرة لم يتردد الحارس في قوله:"لا سيدتي... لقد تعرض لحادث سير... وهو فاقد الوعي في هذه اللحظة بينما نتكلم".
لم تشعر بنفسها وهي تترك المعطف من بين يديها، لتظهر ملابس نومها، كانت الصدمة أشد من أن تتقبلها في لحظة واحدة، أغلقت الباب من ورائها دون أن تعير إهتماما للحارسين، أخذت تتحرك بخطوات ثقيلة، وقد ملاء الخوف عقلها بأفكار مخيفة و مظلمة، أحست بالدموع تسيل من على وجنتيها، و أخذت تكرر في عقلها...يإلهي...ياإلهي...
عندما وصلت إلى حافة السرير، وجدت زوجها مازال يقرأ صفحاته، بجمود لا يوصف، أخذت تنظر إليه للحظات، تتأمل وجه الزوج الذي تزوجته، ثم شعرت بغضب ينتفظ من داخلها، كأنها ستنفجر في أي لحظة، عندما أرادت أن تنفجر في وجهه، فقط نظرة واحدة نحوها عندما رفع عينه من على جريدته الغبية، شعرت بصدمة أخمدت غضبها ليتحول لتردد...لكنها علمت الشعور لحظتها، ليس ترددا...بل خوفا...

في أعماق المحيطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن