صوت صراخٍ ممزوجٍ ببكاء طفلٍ وحيد يتعرض لضربٍ مبرح،يتكرر هذا الصوت كل ليلة منذ أن غادرت فرح الميتم واستأجرت غرفة صغيرة بملحقاتها ليس وكأن هذه الأصوات جديدة عليها ولو كانت جديدة لربما ظنت أن المنزل هذا يسكنه الجن والعفاريت.فمنذ طفولتها البائسة في الميتم كانت تسمع صوت ذئاب وأحيانًا صوتٌ أشبه بصوت الريح في ليلة عاصفة تقلع رياحها الأشجار من جذورها.
وفي بعض الليالي التي كانت تصفها بالهادئة كانت أذنيها تنطربان على أصوات الضفادع لتصبح هوايتها المفضلة اصطياد الضفادع وتأمل الخفافيش التي كانت تقطن كهفًا قريبًا من الميتم.
"ميتم الأمل" هذا اسمه لكنها لم ترى بصيص أملٍ به ولو لمرةٍ واحدة،مرة تشعرها بأن هذا العالم آمن ولا داعي للخوف وحتى لو شعرت بذلك فهنالك من سيأخذها إلى حضنه ويضمها إلى صدره الدافئ،شيء يسمونه حنان الأم الذي فقدته وأخبروها بأنها ماتت أثناء ولادتها ولحقها والدها بعد خمسة سنوات راميًا بجسده من أعلى جبال عجلون الشاهقة حيث كان منزلهم الذي استولت عليه بقية أسرتها التي تخلت عنها لغرابة أطوارها،لم تدرك فرح أن ذكر قصص عن والديها أو السماع باسمهم يصيبها بمرضٍ شديد،كانت تصاب بحمى شديدة ويتحول لون جسدها الحنطيّ إلى الأصفر الباهت وتفقد شفتيها الورديتين لونهما وتصبحان بلون السقيع
شخص الأطباء حالتها بأنها تفاعل نفسي مع الماضي، جسدها يتذكر ما حدث مع والدها بخلاف عقلها الذي فقد جميع ذكريات طفولتها،كانت حادثة قاسية على طفلة أتمت الخمس أعوام ترى والدها يفقد عقله ويرمى بنفسه تاركًا ابنته تبكي وتفقد الوعي ليجدها أحد سكان القرية،قصة تنقصها الكثير من الأحداث دفنت مع ذاكرة فرح وعلى الأرجح بأنها ستدفن مع فرح حين تموت.بعد أن أخذت حمامًا باردًا كالعادة لتحاول النوم بسلام لعدة ساعات كي لا تتأخر عن دوامها في المقهى،هذا يومها السادس لا يجب أن تتأخر كأول يوم لأن مديرها الفظ سيوبخها وسيخصم من راتبها ولن تستطيع تسديد مصاريفها الشهرية من ماء وكهرباء وأجار الغرفة،تبدو قديمة ومتهالكة لكنها تحتاج خمسٌ وسبعون دينارًا شهريًا
تذكرت أنه لم يصدق تبريرها بأن هاتفها قد اختفى فجأة ووصفها بالجنون وقال ساخرًا:
"إذا كان هاتفك اختفى فجأة فابحثي عن عقلك ربما ستجدينه متناثرًا في إحدى الأرجاء"
شعرت برغبة جامحة برؤية دمائه وهي تسيل من مؤخرة رأسها وعيناه تحلق عاليًا بعد اقتلاعها وربما ستستخدمها في تزيين غرفتها،طردت هذه الأفكار الشيطانية من رأسها وضربت وجنتها بخفة ومسحت تعرق جبينها قائلة:
- "اللعنة لم تراودني هذه التخيلات،ليست أول مرة الذكريات الوحيدة التي أذكرها في مخيلتي اللعينة هي محاولاتي الفاشلة في خنق الضفادع لأسحب حنجرتها وأبحث عن مصدر صوتها الغريب"
نظرت للمرآة قبل أن تتعطل الإضاءة مجدداً وقالت مخاطبةً نفسها:
" فرح حبًا بالله توقفي ما زلت شابة وطريقك طويل نحو الموت،أتوسل إليك كوني فتاة طبيعية "
______________________________________
أنت تقرأ
نصفي من عالمٍ آخر
Mystery / Thrillerفرح، فتاة أتمت سنتها الثامنة عشرة، غادرت ميتم "الأمل" لتبدأ حياتها الجديدة وتعمل في مقهى بسيط. لكنها لم تشعر يومًا أنها مثل الآخرين؛ أفكارها، مشاعرها، وحتى من حولها... كل شيء يبدو مختلفًا. من اهتمت لأجلهم رحلوا واحدًا تلو الآخر، وكأنها تحمل لعنة لا...