أحبك

6 3 2
                                    


كانت الساعة حوالي العاشرة صباحًا والشمس تتسلل من بين الستائر الثقيلة ولكن فرح لم تكن تعرف الفرق بين الليل والنهار منذ أيام. لم تنم بعد، فالنوم بالنسبة لها أصبح ذكرى بعيدة. التوتر، الخوف والأفكار المتسارعة أصبحت رفيقتها الوحيدة. كانت عيناها متعبتين ولكنها تظل مستيقظة تراقب السقف وتتخيل تفاصيل لا نهاية لها غير قادرة على الهروب من تلك الدوامة.

لكن فجأة انكسر الصمت بصوت دق الباب. لم تتوقع أحدًا. جلست ببطء يلفها شعور بالقلق والخوف. خطوة بطيئة بعد الأخرى اقتربت من الباب.وحين فتحته وقفت مذهولة... كان راشد.

رغم تحذيرات والده المتكررة ها هو يقف أمامها. تحدى كل شيء ليأتي لرؤيتها. لحظة قصيرة من الصمت مرت بينهما كانت لحظةً مليئة بالتوتر. عيناها التقتا بعينيه ولم تستطع أن تخفي ارتجافها أو شوقها.

تحدثت بصوت مهزوز: "لماذا أتيت؟"

ابتسم راشد بخفة ثم رفع حاجبه قليلاً وقال: "وجدت لكِ عملًا جديدًا... أم أنكِ تفضلين البقاء مفلسة وعاطلة عن العمل؟"

لم تستطع فرح منع نفسها من الابتسام رغم ثقل مشاعرها. وكان راشد يعلم أن حالتها أصبحت منهكة أكثر من قبل لكنها بحاجة لأن تشعر أن هناك من لا يزال يهتم بها.

نظرت إليه بصمت لثوانٍ قليلة ثم فجأة اندفعت نحوه، لم تستطع مقاومة تلك القوة التي جذبتها إليه. عانقته بقوة، دفنت وجهها في صدره وبدأت تبكي بحرقة. لم يكن مجرد بكاء؛ كان انفجارًا لكل ما كانت تحمله بداخلها.

بين شهقاتها الخافتة، همست بصوت مكبوت: "اشتقت إليك... اشتقت لك كثيرًا."

لم يستطع راشد أن يحرك ساكنًا. كانت دموعها تغرق في قلبه تتسرب إلى كل جزء منه. ظل يحتضنها بصمت وبقي متماسكًا، لكنه شعر بأنه يود اقتلاع ألمها ورميه بعيدًا عنها..فجأة رفعت رأسها ببطء لتنظر في عينيه مباشرة وقالت بصوتها المرتعش: "راشد أنا أحبك."

تفاجأ راشد بتلك الكلمات التي تسللت من بين دموعها، كانت كلماتها صادقة جدًا وعفوية كأنها خرجت من أعماق قلبها دون أن تمر على عقلها أو تدرسها. للحظة، توقف الزمن بالنسبة له. لم يكن مستعدًا لسماع تلك الكلمات في هذه اللحظة تحديدًا، لكنها كانت كالسهم الذي أصاب قلبه مباشرة. شعر بالدفء والحب يغمرانه.

التقط أنفاسه بصعوبة ولم يستطع أن يمنع نفسه من الابتسام، لكن الابتسامة لم تكن سوى تعبير بسيط عن سعادته الداخلية. كان يشعر أن كلماته لن تكون كافية للرد، وكأن اللغة بأكملها لا تستطيع أن تصوغ مشاعره في تلك اللحظة. فبدلاً من الحديث، اكتفى بأن يضمها إليه أكثر لأن الشئ الوحيد الذي يحتاجه كل منهما هو مشاعر صادقة تتخلل قلوبهم.

قطع صوت راشد الصمت الذي كان بينهما قائلًا:"تعالي، لدينا الكثير لنفعله اليوم."
نظرت إليه بحيرة: "الكثير؟"
ابتسم ابتسامته المعتادة التي تحمل دائمًا شيئًا من الأمل: "أنتِ لا تعتقدين أنني سأدعكِ تبقين هنا مكتئبة، أليس كذلك؟"

نصفي من عالمٍ آخرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن