part 1

225 10 27
                                    

 

الموصل بذاك الوقت، أيام داعش، كانت ما تشبه الموصل أبد. الحوايج ضايعة، الشوارع مليانة تراب وخراب. الأحياء الفقيرة ما بيها حياة، البيوت متشققة والجدران مهدمة، والنوافذ مسدودة بلوحات خشب أو أقمشة، كأن أهلها يحاولون يخفون شغلات ما تقدر تنسى.

الأرض تحت رجليه إبراهيم كانت مكسره، مليانة بقايا حطام القصف، وحتى الألغام ما تدرون وين مزروعة. كان يمشي بحذر، خايف لا ينفجر شيء تحته.

السيارات مال داعش، اللي أغلبها بيك آب لونها أسود ومثبت عليها رشاشات، تمر بالشوارع الميتة. الإرهابيين وجوههم ملفوفة بالشماغات أو الكمامات، وما تشوف منهم غير عيونهم اللي بيها وحشية ما تنوصف. يوقفون وين ما يشوفون ناس، ويحملون أسلحتهم وكأنهم ينتظرون بس عذر حتى يطلقون النار.

إبراهيم، بذاك الصبح، ما كان عنده غير هدف واحد: يروح للمدرسة. شنطته ممزقة، لكنها مو بس تشيل كتب، تشيل هموم أكبر من عمره. الدنيا كلها تخوف، بس هو مصرّ يمشي. الشوارع فاضية تقريباً، بس الرجال الكبار قاعدين عالعتبات، ينظرون بخوف، عيونهم مليانة حسرة.

مر إبراهيم يم نقطة تفتيش، الإرهابي اللي واقف هناك يباوع للناس بعيون جافة، بندقيته مرفوعة بوجه كل واحد يمر. إبراهيم خفض راسه، ما باوع بعينه، بس كمل طريقة، يعرف إنه لازم يتجاهل كل شي ويظل ساكت.

الهوا بالموصل كان كله خوف، بس إبراهيم بداخله كان شايل أمل.

إبراهيم كان يمشي بسرعة، يحاول يمر بدون ما يلفت الانتباه. فجأة، ظهر قدامه واحد من الدواعش، واقف بالبيك آب مالهم اللي بيها رشاش. الرجال كان طويل، لابس أسود، ووجهه مغطى غير عن عيونه، اللي كانت تبرق مثل عيون الوحوش.

الداعشي وقف إبراهيم بإشارة بيده وقال: "وين رايح؟" بصوت خشن وبارد.

إبراهيم حبس أنفاسه للحظة، قلبه صار يدق بسرعة. بس حاول يكون هادئ ورد بهدوء: "رايح للمدرسة."

الداعشي ضحك ضحكة قصيرة وساخرة وقال: "مدرسة؟ وين هاي المدرسة؟ ماكو مدارس بعد، بس مدرسة الدين والجهاد."

إبراهيم ظل ساكت، ما عرف شلون يرد. الداعشي قرب من إبراهيم أكثر، وقام يحدق بيه. "كم عمرك؟" سأل وهو يرفع حاجبه.

إبراهيم، بصوت منخفض: "15 سنة."

الداعشي ابتسم ابتسامة خبيثة وقال: "زين، العمر المناسب. ما تفكر تصير مجاهد؟ بدال هالمدرسة اللي ما منها فايدة؟" كان يتكلم وكأنه يلقن إبراهيم درس، يحاول يستدرجه بفكرة إن الجهاد هو الطريق الصحيح.

ضلال داعش حيث تعيش القصص. اكتشف الآن