قبل منتصف الليلة في مبنى شرطة العاصمة وتحديداً في مكتب أحد المحققين دخل رئيس القسم حاملاً معه ملفاً ووضعه أمام
المحقق قائلاً :
أريدك أن تلقي نظرة على هذه القضية يا (إياد) ...
(إياد) : ملتقطاً الملف مقلباً صفحاته : قضية قديمة مستعصية
أخرى يا سيد (نادر)؟
(نادر) جالساً أمامه : ليست قديمة .. لكنها غريبة بعض الشيء ... جريمة قتل وقعت قبل أسبوعين تقريباً ولم نتمكن من الوصول لشيء خلال تلك الفترة قد يدلنا على القاتل أو حتى دوافعه
(إياد) وعيناه على الصفحات : هذه مجزرة وليست جريمة قتل ...(نادر) : ثلاثة شبان وجدوا مقتولين بوحشية على أحد الخطوط
الزراعية .. سيارتهم وجدت مركونة في المكان الذي وجدوا فيه
لا سلاح جريمة أو شهوداً .. هذه القضية مهمة ويجب أن نحرز
تقدما فيها (إياد) مغلقاً الملف : من الصور التي أراها وتقرير الطبيب الشرعي
فالحادث يشير لهجوم حيواني
(نادر) : وهل تصدق أنت ذلك ؟
(إياد) : أنا أصدق التقارير .. الإصابات كلها حدثت نتيجة تمزيق
بأسنان حادة وغير بشرية
(نادر) : نعم لكن التقرير أضاف أن أجسادهم تصفت من الدماء
وكأن أحداً قام بذلك عمداً (إياد) هل هناك أعضاء مفقودة .. أقصد أعضاء داخلية؟
(نادر) : أعرف إلام تلمح لا هذه ليست جريمة للتجارة
بالأعضاء .. الأمر مختلف تماماً عن أي شيء رأيناه من قبل (إياد) : ما سر اهتمامك بهذه القضية ؟ .. هل هناك ضحية مهمة
دون غيرها بين هؤلاء الشبان ؟
(نادر) زافرًا : نعم .. أحدهم ابن رجل مهم وهو من يضغط علينا
الحل القضية وإلا فسوف يقاضي المركز بتهمة الإهمال(إياد) : لم أعهد عليك الخضوع للضغوط
(نادر) : ليس هو فقط من يضغط علي .. المحافظ بنفسه اتصل بي
أكثر من مرة ليسأل عن تطورات التحقيق .. فقط حقق بالقضية وانته منها بسرعة كي أزيحهم عن كاهلي .. موعد تقاعدي اقترب
ولا أريد مثل هذه القضية أن تكون مدونة في سجلي
(إياد) باسماً وبنبرة متهكمة : ماذا عن الشابين الآخرين؟ .. ألا
يستحقان الاهتمام نفسه ؟
(نادر) : اسمع يا (إياد) أنا لا أحتاج لتعليقاتك السخيفة الآن .
أريد تقدما في هذه القضية .. ليس من الضروري أن تجد القاتل لكن أريد تفسيراً لما حدث .. هذه ليست جريمة قتل عادية .. هذا انتقام مخطط له مسبقاً .. تشويه الجثث بهذا الشكل يشير لقاتل
يحمل ضغينة
(إياد) : حسناً .. اترك الملف معي وسوف ألقي نظرة أخرى عليه
بشكل أعمق
(نادر) مشعلاً سيجارة : الليلة الأمطار شديدة على غير العادة ...
(إياد) : الأمطار لم تتوقف لأسابيع
(نادر) : وكأن السماء تريد غسل ذنوب هذه المدينة ...طرق الباب ودخل بعدها شرطي قدم التحية ثم قال لـ (نادر) : عذراً يا سيدي على المقاطعة ...
(نادر) : ماذا تريد؟
(الشرطي) : وردنا بلاغ عن جريمة قتل حدثت للتو في أحد
الأزقة .. الضحية امرأة .. مقدم البلاغ رجل وجدها خلال . بالمصادفة
(نادر) : وما المشكلة ؟ .. قم بإرسال دورية شرطة
(الشرطي) : الدورية وصلت لكن كما تعرف يا سيدي
حالة وجود جثة يجب أن يوجد محقق ميداني في مسرح الجريمة والشرطي لا يستطيع إطلاق سراح الشاهد دون تحقيق مبدئي معه
التفت (نادر) نحو (إياد) ونظر له بنظرة فهم مفادها وقال : أنا
حالياً في مهمة مكتبية أم أنك نسيت يا سيدي ؟ (نادر) : أنا ألزمك فقط بالمهام المكتبية من وقت لآخر بسبب
قدرتك على فك رموز القضايا الباردة
(إياد) : بالرغم من أني لا أمانع من استنشاق بعض الهواء من
وقت لآخر ...(نادر) : سأعطيك فرصة لاستنشاق بعض الهواء الليلة لكن إذا كنت لا تريد الخروج للموقع فلن أجبرك .. سنبلغ الدورية بالانتظار حتى يعود أحد المحققين الميدانيين
نهض (إياد) زافرًا وخلال لبسه معطفه قال متهكماً : ولم تجد غير هذه الليلة الصافية كي تطلق سراحي فيها ؟ .. كنت أريد أن أرتاح
اليوم (نادر) باسماً : أنت تعرف أن لا وجود للراحة في مجال عملنا
وأنت بالذات يا (إياد) تستمتع بالعمل الميداني مهما كان متعباً . ولا تستعجل .. بعد تقاعدي سوف تحل مكاني ولن تخرج مجدداً
(إياد) قبل خروجه مع الشرطي : في هذه أنت محق .. عموماً سأقضي بقية اليوم في الخارج بما أن هناك شحاً في المحققين الميدانيين الليلة .. لا تتردد في تحويل أي حادث علي قبل انتهاء ورديتي أول الصباح
(نادر) : لن أتردد في ذلك أبداً .. بالتوفيق في هذه الليلة الماطرة ..
أنت تقرأ
الغيهب
Fantasíaأن تكون أعمى والحقيقة متجلية امامك فهذه طامة وأن تكذب تلك الحقيقة وانت لم تعايشها فهو غباء، فاليوم كل شيء ظاهر امامنا فالخيال الذي نراه في المسلسلات بالأساس حقيقة مدسوسة في سم الخيال .