1| الصيف الأخير

41 0 0
                                    

-
هُناك صورة للأم تيريزا مُعلقة على حائط غرفة المعيشة، في مكان يمكن أن يستوعب شاشة تلفاز، إذا كنا قادرين على تحمل ثمن شاشات التلفاز الضخمة التي تُعلَّق على الحوائط، أو إن كنا نملك منزلاً تتحمل جدرانه شاشة تلفاز، فإن الحوائط في البيت المتنقل ليست من طينة الحوائط العادية نفسها،ففي المقطورة تتفتت الحوائط تحت أظافرك مثل الطبشور إذا خدشتها كثيرًا.

مرة سألت والدتي،لماذا تحتفظ بصورة للأم تيريزا على حائط غرفة معيشتنا.

قالت: الساقطة كانت مخادعة

تلك كلماتها، ليست كلماتي.

أعتقد حين تكون من أسوء البشر، فمهارة أن تعثر على أسوء صفات الآخرين هي أسلوب دفاعي للنجاة،تصبُّ جُل تركيزك على الجانب المظلم في البشر ، آمِلًا أن تُقنع ظلامك الداخلي،هكذا قضت والدتي سائر حياتها ، دومًا تسعى وراء الأسوأ في البشر،حتى إنها تسعى وراء الأسوأ في ابنتها.

تستلقي جاينن على الأريكة نفسها، التي تركتها عليها حين غادرت إلى نوبة عملي في ماكدونالدز، منذ ثماني ساعات،إنها تحدق في صورة الأم تيريزا، لكنها في الحقيقة لا تنظر إليها.

بدت نظراتها خاوية كما لو توقفت مقلتاها عن الحركة،توقفت عن تأمل الأشياء.

جاينن مُدمنة،أدركت ذلك بحلول عامي التاسع، لكن آنذاك كان إدمانها مقتصراً على الرجال، الكحول، والمقامرة، و مع مرور السنوات، أصبح إدمانُها ملحوظاً عن ذي قبل، وأكثر فتكاً.

منذ خمس سنوات حين أتممت عامي الرابع عشر، رأيتها تتعاطى المخدرات للمرة الأولى،حين يتعاطى المرء المخدرات، يقصر عمره الافتراضي، لذلك استخدمت الحاسوب في مكتبة المدرسة لأبحث على محرك البحث جوجل: كم يمكن للشخص أن يحيا بعد إدمانه المخدرات؟

كان رد الشبكة العنكبوتية: ست لسبع سنوات.

وجدتها في حالة لا وعي عدة مرات خلال السنوات الماضية، لكن تلك المرة بدت مختلفة، بدت حاسمة.

"جاينن" قلتها بصوت هادئ، لا يتماشى بالتأكيد مع الوضع الحالى،شعرت أن صوتي يجب أن يصدر مُهتزاً أو مبحوحاً، أشعر بقليل من الخزي بسبب ردة فعلي الفاترة في تلك اللحظة.

أسقطت حقيبة يدي لترتطم بقدمي، وأنا أحدق في وجهها بتوتر،واقفة عند الجهة الأخرى من غرفة المعيشة،المطر يهطل في الخارج،ولم أغلق الباب بعد، لذلك هطوله يُصيبني بقطرات الماء،لكن غلق الباب والاحتماء من قطرات المطر، كان آخر اهتماماتي حاليا وأنا أحدق في جاينن المحدقة في الأم تيريزا.

أحاط أحد ذراعي جايين بمعدتها، والآخر تدلى عن الأريكة لتلامس أناملها السجادة الصوفية ،تبدو يائسة وأصغر عمراً،ليس أصغر من عمرها الحقيقي هي بالكاد تبلغ تسعة وثلاثين عاماً ،بل أصغر من العمر الذي أدمنت به المخدرات،خداها أكثر تكوراً، والتجاعيد تشكلت حول فمها.

عظام القلب | heart bonesحيث تعيش القصص. اكتشف الآن