bara 1

276 10 0
                                    

إنها إحدى الليالي الأكثر هدوءاً،

كان القمر مكتملاً في قلب السماء وقريباً من الأرض؛

كما لو أن القمر تلك الليلة قرر أن يحطم كل قوانين الطبيعة ويقترب عامداً متعمداً من هضبة نجد؛ ليستنشق من هواء صحرائها الطيب.

وبالرغم من اكتمال القمر
إلا أن النجوم كانت حاضرة ببريقها اللؤلؤي الجميل تملأ صفحة السماء، كما لو أنها أرادت أن تكون شاهدة على ما سيحدث في يوم الغد وتحديداً عند الساعة الثانية عشرة ظهراً ودقيقة واحدة.

تتوقف السيارة السوداء ذات الدفع الرباعي أمام بوابة أحد الفيلل يهبط منها "هاشم" وهو يمسك بيده بعض الأكياس التي كان قد ابتاعها للتو من المتجر.

يسير بضع خطوات متجهاً إلى منزله وثمة شعور رائع يخامر قلبه بعد أن هبت نسمة هواء عليلة داعبت جسده الطويل متناسق الأبعاد أخرج مفتاح منزله وفتح الباب

- عزيزتي لقد جلبت لك ما طلبته.

لم يأته الرد؛ فعاد يناديها: أتسمعينني يا بلقيس ؟! بدا المنزل خالياً منها على غير العادة؛ ما دفعه ليتساءل في نفسه عن أسباب غيابها.

رن هاتفه؛ نظر إلى الشاشة فوجدها
المتصلة.

**

إن المحبة الصادقة تخلق بين الشخصين شيئًا يُسمى هالة الحبل الأثيري ما يجعل توارد الأفكار والمشاعر بينهما أمراً ممكناً؛ وهذا ما يفسر أحياناً السبب الذي يجعلنا نتلقى اتصالاً أو رسالة من شخص ما كنا نفكر فيه تلك اللحظة.

كانت بلقيس - تؤمن بوجود هالة الحبل الأثيري - وتؤمن أيضاً بأنه مع بعض الإيمان والتدريبات قد يصبح الإنسان بمقدوره استخدام تلك الطاقة وترويضها لخدمة مصالحه.

أما هاشم فقد كان من ذلك النوع الذي يستمع لتلك الأشياء من باب التسلية فقط لكنه لا يؤمن بوجودها؛ وكان يصر على معاندة بلقيس والسخرية من أفكارها أحياناً.

وهذا السبب هو ما جعله يختار ألا يخبرها أنه كان يفكر فيها قبل أن تتصل عليه؛ حتى لا تتخذ ذلك الأمر دليلاً ضده على وجود ما يسمى بهالة الحبل الأثيري.

ضغط زر الرد وجاءه صوتها الرقيق المحبب إلى قلبه أهلا بالحبيب لقد اتصلت عليك لأقول أمرًا مهمًا. ثم بادرته قائلة دون أن تمنحه الفرصة ليسألها عن الأمر المهم - أما زلت مصرة على أنه يمكنك التواصل معها؟ لم تعجبها النبرة الساخرة في سؤاله،

فقالت - بصراحة، نعم.

أنا وابنتك اشتقنا إليك.

أتعتقد أنني مجنونة؟

أغلب الدراسات تقول ذلك

تقول إنك مجنونة ؟

- لا ..
بل تقول إن الأم تستطيع الإحساس بالجنين وهو ببطنها، أتريد أن تعرف ماذا تقول ابنتك أيضًا؟!

قال وقد هزمه الفضول

ماذا تقول ؟!

تقول إنك أفضل أب قد تحصل عليه أي ابنة في هذا العالم، وتقول أيضًا إنك أكثر الأشياء حبًا إلى روحها وقلبها وإنك قدوتها المختارة وبطلها الخارق...

خلق كلامها الخيالي ذاك ابتسامة لطيفة على وجهه

لقد فقد هاشم والديه حين كان صغيرا

- إثر حادث مروري - وكان يتمنى طوال عمره أن يُصبح لديه أبناء ينادونه بكلمة "أبي" وأن يرى في . أعينهم لمعة الحب .. تلك اللمعة التي كانت عيناه طوال حياته منطفئتين منها

لذلك حين بشرته بلقيس بخبر حملها بعد عام من الزواج - - أحس بسعادة غامرة تحيط به كما الصدفة في قاع الماء تحيط بـ لؤلؤتها، فبات يشعر أنه بذلك الخبر السعيد قد حصن للأبد ضد أي حزن قد يحاول يوما

ومنذ ذلك اليوم أصبحت لديه عادة غريبة

لقد كان عندما يستلقي إلى جوار زوجته يضع يده برفق على بطنها المنتفخ

لطالما اعتقدت بلقيس أنها حركة عادية .. بينما في الحقيقة لم تكن كذلك، فقد كان هاشم يفعل تلك الحركة وكأنه بما يصافح الجنين المتكون في بطنها.

لم يكن هاشم يكتفي بتلك المصافحة الخيالية فقط، بل كان يحادثه - يحادث الجنين - في سره طوال الليل، فيقطع له المواثيق والعهود بالبقاء دائما معه وبمنحه الأمان والحماية للأبد.

كان يظل يتحدث معه سرا حتى يغشاه التعب وينام أخيرًا.

سار هاشم نحو المطبخ وضع المكالمة على وضع الاسبيكر" ثم أكمل حديثه مع بلقيس وهو يقوم بتصفيف الأغراض التي جلبها من المتجر داخل رفوف الثلاجة

- أين أنت أيتها السمينة لقد عدت للمنزل فلم أجدك.

- في الممشى

ماذا تفعلين هناك ؟

- أفعل مثلما يفعل الناس عادة في الممشى : أرقص. ارتفع صوته بالضحك تساءلت بلقيس:
لماذا تضحك ؟

........................................................................................................................................................
"ثقل ميزان حسناتك

سبحان الله
الحمد لله
لا إله الا الله
الله اكبر
لا حول ولا قوة الا بالله
اللهم صل على محمد وآل محمد "

رواية أرسس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن