~ مـقـدمـة ~بدأ كل شيء عندما انفجرت البراكين من أحشاء الأرض، كأنها وحوش جحيمية تسللت من عمق الظلمات، لتلفظ نيرانها الحارقة كاللعنات القديمة. الحمم تدفقت كسيل من جمرات سوداء، تلتهم كل ما يقترب منها بلا رحمة، في مشهد بدا وكأنه خلقٌ جديدٌ بدمارٍ غير مسبوق. الأمطار تنهمر بوحشية، وكأنها شظايا غضب سماوي تهوي على الأرض، تعصف بها كالسيوف التي تهوي على فريسة منهكة، لا تملك إلا أن تستسلم.
البحار انقلبت على ذاتها، مجنونة كأنها في حرب مع السماء والأرض، تموج بأمواج هائلة تصفع اليابسة بضربات قاتلة، تبتلع ما يعترض طريقها، كأنها ثأر قديم استيقظ من سبات أبدي. الأعاصير كانت عملاقة، مريعة لدرجة أنها مزقت ناطحات السحاب كأنها أوراق متطايرة في مهب الريح. صدى الرياح كان كصرخة كائنات خرافية قادمة من أعماق الأساطير، تُدمر، تُهلك، ولا شيء قادر على الوقوف أمام غضبها.
الزلازل تزلزل الأرض بقوة تكاد تفجرها من الداخل، تُحدث شقوقاً تمتد عبر المدن كأنياب وحش يلتهم الأرض بلا شفقة. كل شيء كان يصرخ بالفناء، وكأن العالم بأسره قد بدأ ينهار تحت وطأة تلك الكوارث. كان المشهد وكأن القيامة قد حلت بالفعل، والأرض تذرف آخر أنفاسها في مواجهة الموت المحتم، كمن يجر نفسه نحو هاوية لا نهاية لها.
إلى أن حلّ هدوء مُتربص، كأن الأرض قد حبست أنفاسها في انتظار ما هو أسوأ. كان الصمت فيها أشد وطأة من العواصف التي مزقت السماء قبل ساعات، وكأن الطبيعة ذاتها قد أُرهِقت من صراعها مع الغضب الكوني. تلك اللحظات كانت تحمل في طياتها شيئاً أكثر رعباً من الدمار نفسه، وكأنها وقفة قصيرة قبل أن تنفتح أبواب الجنون على مصراعيها.
بدأ الناس يستعيدون وعيهم بعد تلك الكوارث، لكن لم يكن هناك وقت للراحة. ما بدأ يحدث لأبنائهم كان أشبه بكابوس جماعي لم يكن أحد يتوقعه. أطفالهم أصبحوا مختلفين، عيونهم تحمل بريقاً غريباً، وأجسادهم تفعل ما يتجاوز حدود الخيال. هناك من بدأ يتنفس تحت الماء كأنهم أبناء البحر، يسيرون في أعماقه بلا خوف، كأن الماء أصبح هواءهم. وهناك من ارتفعت أقدامهم عن الأرض، يحلقون في الهواء بحرية مخيفة، وكأنهم قد تخلوا عن قوانين الجاذبية. آخرون تحكموا بالنار، يشعلونها بإشارة من أصابعهم، كأنها امتدادٌ لروحهم المشتعلة. والأدهى، كان منهم من يستطيع أن يقتل بنظرة واحدة، نظرة تحمل قوة الظلام ذاته، وكأنها لعنة أبدية.
ما زاد الأمر غموضاً هو أن تلك القدرات لم تظهر إلا في قلة قليلة منهم. هؤلاء الأطفال كانوا يختفون فجأة، كأنهم يُختطفون إلى مكان مجهول، ليعودوا بعدها محطمين، متهالكين، أجسادهم مغطاة بمادة سوداء غريبة، لزجة كالعتمة، لا أحد يعرف مصدرها. ومع عودتهم، كانت حالاتهم النفسية تتدهور بطرق يصعب وصفها. يدخلون في نوبات غضب جنونية، يصرخون كأن أرواحهم تمزق من الداخل، يضحكون بضحكات هستيرية تشيب لها الأبدان، أو ينهارون في نوبات من البكاء الحاد، وكأنهم شهدوا أهوالاً لا يراها البشر.
أنت تقرأ
عهد الغياهب
Science Fictionتزلزلتِ الأكوانُ من نبضِ القدَرِ والريحُ تصرخُ في غياهبِ المُنحدَرِ أحبّتني عينانِ في ظلماتِها جمرُ الجحيمِ وشررُ الموتِ انصهرَ قدّرتُ أن أكونَ طيفًا في نجاتِه لكنني غَرقتُ في لُججِ الخطرِ أنا الفتى، وأمواجُ القدرِ تُحيطني والحبُ نارٌ في ض...