4

67 11 22
                                    

البارت الرابع من عهد الغياهب

________

تقدم فاليريوس خطوة نحو آران، وكان وقع قدميه على الأرضية يُشبه دويًا مكتومًا، يعكس ثقلًا غريبًا لا ينتمي إلى بشر عاديين. مع كل خطوة يخطوها، كان المكان يزداد ضيقًا وكأن الغرفة نفسها تنحني تحت سطوة وجوده. آران، بغريزة دفاعية بحتة، خطا خطوتين للخلف، محاولاً الابتعاد بأقصى ما يمكنه، رغم أن المسافة بين الحائطين كانت ضئيلة جدًا، تكاد تكون خانقة. لم يكن هناك مكان يهرب إليه، لكن تلك الخطوات كانت كل ما يمكنه فعله، حركة يائسة لمواجهة كابوس يقف أمامه.

بينما تضيق الغرفة أكثر حوله، كانت أنفاس آران تزداد ثقلاً، وعرق بارد يتصبب على جبهته. كان قلبه ينبض بعنف حتى شعر أنه يكاد ينفجر من صدره. تلك المساحة الضيقة بين الحائطين، التي لم يكن لها قيمة في السابق، أصبحت فجأة كملاذ آمن، كأنها حاجز رقيق بينه وبين هذا الكائن المخيف الذي يقترب ببطء، دون استعجال، وكأنه يعلم أنه لا حاجة له بالسرعة أو العجلة؛ فالفرار مستحيل.

كانت عيناه مسمرتين على فاليريوس، ويداه المرتجفتان تشدان قبضتيه، وكأن جسده يحاول التأهب لشيء، لأي حركة قد تلوح في الأفق. رأى الظل الذي غطى الغرفة بالكامل تقريبًا، جسم فاليريوس لم يكن يبدو بشريًا في هذه اللحظة، بل كوحش يملأ الفضاء الضيق بوجوده. كانت عضلاته الضخمة وأكتافه العريضة تمتد إلى الجانبين بشكل مخيف، وكأن الهواء حوله قد تشبع بوجوده الثقيل. حتى الحائط الذي خلف آران لم يكن يوفر أمانًا حقيقيًا؛ كان يشعر بهشاشته.

فاليريوس، بنظراته الثابتة والباردة، شعر بخوف آران يتضخم أمامه، كأن رائحة الخوف تملأ الغرفة. توقفت خطواته للحظة، ليحدق في عيني آران، مبتسمًا ابتسامة خفيفة بالكاد لاحظها، وكأن وجوده ذاته يشكل تهديدًا كافيًا. لم يكن بحاجة إلى الكلمات، فقد كان الخوف الذي تملك آران هو اللغة التي يتحدثها فاليريوس بامتياز.

اقترب فاليريوس ببطء، ولكن بثبات لا يخطئه النظر، حتى بات يقف أمام آران مباشرة. لم يكن هناك أي مسافة تذكر تفصلهما الآن، فقط هواء ثقيل مشبع بالخوف والسلطة. بنظرة باردة كالثلج، كانت عيناه الخضراوان كأنهما تحفران في روح آران، تحللان كل ذرة من ضعفه وارتباكه. الصوت الذي خرج من فاليريوس كان عميقًا، مملوءًا بالخشونة، كما لو كان نابعًا من أعماق مكان مظلم ومجهول: "هل تعرف مكانتك هنا؟"

تسمرت نظرات آران في وجهه، تائهاً بين الكلمات التي لم يجدها وبين الشعور الكاسح بالخوف. لم تكن الكلمات ما أثار الرعب في قلبه، بل الوجود الطاغي لفاليريوس نفسه. هز آران رأسه بسرعة نافياً، أنفاسه متقطعة، وكأن نفيه هو الوسيلة الوحيدة للهروب من هذا الرعب الذي يتملكه. كان يعرف في أعماق نفسه، بطريقة أو بأخرى، أن هذا اللقاء يرسخ الحقيقة التي حاول تجاهلها منذ البداية، حقيقة أنه أصبح مملوكًا، مرساة لشخص لا يعرف الرحمة، شخص مثل فاليريوس.

عهد الغياهبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن