البارت الخامس من عهد الغياهب
_______عندما فتح جوند الباب، كان آران يقف عند المدخل، مستعرضًا بعينيه ما أمامه. امتدت القاعة الواسعة، مضاءة بأضواء دافئة، حيث كانت الطاولات المستطيلة الصغيرة مبعثرة في أنحاء المكان، تشغلها مجموعات من الأشخاص الذين كانوا يتناولون الطعام ويتبادلون الحديث. كانت الهمسات الممزوجة بضحكات خفيفة تتناغم مع أصوات الأطباق والكؤوس، فتشكل خليطًا يشبه خلية نحل. الهواء كان محملاً بروائح مدهشة – روائح مشاوي غنية، خبز طازج، وتوابل شرقية زكية، كلها اختلطت معًا، ما جعل الجو يغمره شعور دافئ بالحياة والحيوية.
وسط هذا الضجيج المتناغم، أحس آران بشيء آخر يجذب انتباهه، شيء أكثر إلحاحًا: جوعه. الرائحة الشهية ملأت أنفه، محركة شهيته بشدة. فجأة، أصدرت معدته صوتًا منخفضًا، ولكنه ملحوظ بما يكفي ليجعل وجهه يحمر خجلًا. حاول آران، بحركة لا إرادية، أن يخفي إحراجه عن جونيد، محنيًا رأسه قليلًا.
ابتسم جوند لهذه اللحظة العابرة، وأخذ بكتف آران بلطف، موجهًا إياه نحو مائدة طويلة ممتلئة بمختلف أصناف الطعام. كان العرض أمام آران مذهلًا: صفوف من الأطباق المزينة بعناية، كل طبق يروي قصة مكونات مختارة بعناية فائقة. الألوان، من اللحوم المشوية الداكنة إلى السلطات الخضراء الطازجة وأطباق الأرز الذهبي، كانت تتنافس لجذب عينيه. بجانبها، كانت الحلويات تلمع تحت الأضواء، مغلفة بطبقات من الكريمة والفواكه.
آران وقف للحظات، مذهولًا. لم يكن قد رأى في حياته هذا التنوع الكبير من الطعام؛ الأطباق كانت تفوق كل توقعاته. كل صنف كان يعبر عن نكهة وثقافة مختلفة، كأن المائدة تجمع العالم كله في مكان واحد.
على المائدة الطويلة، تنوعت الأطعمة بشكل لا يصدق. كانت هناك لحوم مطهية بطرق مختلفة: قطع دجاج مشوية بعناية، لحم بقر مقطع إلى شرائح رفيعة مغطاة بصلصات غنية، وأطباق من الخضروات الطازجة المطهوة بالبخار. بجانبها، تتراصف أطباق الأرز المتنوعة، بعضها متبل بالأعشاب والتوابل الحارة، وأخرى مزينة بالفواكه المجففة والمكسرات. الحساء بأنواعه كان يتصاعد منه البخار، رائحته تُذكر بليالي الشتاء الدافئة، بينما تناثرت السلطات بألوانها الزاهية وأشكالها المتعددة.
وكانت أنواع الحلويات لا تُعد ولا تُحصى: قطع صغيرة من الكعك المغطى بالشوكولاتة الداكنة، كريمة مخفوقة بنعومة، وفاكهة طازجة مرصوصة بشكل فني. كان كل شيء أمامه يبدو كما لو كان مأخوذًا من حلم.
توقف آران لبرهة، أخذ نفسًا عميقًا، وشعر بثقل في قلبه. كيف يمكن أن يكون هذا العالم غير عادل بهذا الشكل؟ هنا كل ما يمكن أن يتخيله من طعام متوفر بكميات ضخمة، بينما في الخارج، في ذلك العالم القاسي، لم يكن أمامه سوى البطاطا وبعض الفطر، بالكاد يكفي لإشباع جوعه. هذه اللحظة جعلته يدرك التناقض الصارخ بين عالمين.
أنت تقرأ
عهد الغياهب
Science Fictionتزلزلتِ الأكوانُ من نبضِ القدَرِ والريحُ تصرخُ في غياهبِ المُنحدَرِ أحبّتني عينانِ في ظلماتِها جمرُ الجحيمِ وشررُ الموتِ انصهرَ قدّرتُ أن أكونَ طيفًا في نجاتِه لكنني غَرقتُ في لُججِ الخطرِ أنا الفتى، وأمواجُ القدرِ تُحيطني والحبُ نارٌ في ض...