2

24 7 2
                                    


البارت الثاني من الرحلة ✨

ملاحظة فاليريوس يلفظ ب v مو f  👍🏻✨
________

شهقت أمه عندما ازداد الطرق على الباب، كأنه لم يكن مجرد إشارة إلى وقت الرحيل، بل كأنه يدق نبضات قلبها المنهار. ارتفع الصوت في المكان، يكسر السكون الثقيل الذي كان يخيم على الغرفة. حاولت أن تتمالك نفسها، لكن عينيها امتلأتا بالدموع التي لم تستطع كبحها. كل طرق على الباب كان يزداد قسوة، ويؤلم روحها أكثر.

والده، الذي كان يجلس في زاوية الطاولة، لم يستطع أن يواجه هذه اللحظة أيضًا. نهض بتثاقل، كأن خطواته أصبحت أثقل مما يمكن تحمله، وقدماه تغوصان في الأرضية. نظر إلى آران نظرة حملت كل شيء: العجز، الألم، والاعتذار. لم تكن لديه الكلمات المناسبة ليتفوه بها، فهو يعرف أن كل ما يمكنه قوله لن يخفف من هذه اللحظة الكارثية. تلك النظرة التي ألقاها على ابنه كانت بمثابة توديع صامت، حملت كل ما فشل في التعبير عنه طوال هذا الوقت.

آران، الذي كان جالسًا في صمته، شعر بجسده يرتعش من الداخل قبل الخارج، كأنما انفصل عن الواقع للحظات. كل شيء من حوله بدأ يفقد معناه، الصوت، الضوء، وحتى الهواء الذي يتنفسه، كأنه في عالم آخر بارد وقاسٍ. كان يحاول أن يتشبث بآخر ذرة من القوة، لكنه شعر وكأنما الحياة انتُزعت من داخله. رغب في الصراخ، لكنه لم يستطع. كل شيء داخله كان مجمدًا. كان أحدهم قد ألقى عليه دلوًا من ماء الجليد، وأصابه بشلل مؤقت.

خرج والده إلى الباب وتركه هناك وحيدًا، كان كل ثانية تمر وكأنها دهر من العذاب. عادت الأم، التي كانت تكافح الدموع بصعوبة، تراقبه من بعيد. لقد حاولت أن تكون قوية لأجله، لكن في هذه اللحظة أدركت أنه لم يعد هناك شيء يمكنها فعله. لم يكن بإمكانها تغيير قدر ابنها.

عاد الأب، عيناه مليئتان بالحزن الذي لم يكن قادرًا على إخفائه. نظراته تحدثت بصوتٍ أعلى من أي كلمات، كأنها تقول: "لقد حان الوقت." لكن آران، رغم كل ثقله الداخلي، نهض قبل أن يسمح لنفسه بالغرق في حزنهم. كان يعلم أنه لا يملك ترف البقاء والتفكير أكثر، فكل لحظة يقضيها هنا تزيد من عذابهم جميعًا. لكن قدماه كانتا ثقيلتين، ثقيلتين كأنهما تحملان على عاتقهما كل هموم العالم.

عندما وقف، شعر بثقل الحقيبة على كتفه، لكنها لم تكن ثقلاً مادياً، بل كان ثقل العالم كله يجثم على صدره. حقيبة بسيطة تحمل بعض الكتب والملابس، لكنها في نظره كانت كل ما تبقى له من حياته الطبيعية. حاول أن يتخذ خطواته نحو الباب، لكن جسده كان يقاوم. لم يكن يقاوم الرحيل بحد ذاته، بل يقاوم اللحظة التي سيضطر فيها إلى مواجهة عيني والديه المملوءتين بالحزن العميق. تلك النظرات التي يعلم أنه لن ينساها أبدًا.

عهد الغياهبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن