الفصل الحادي عشر
شكوك قاتلة
رسالة على هاتفه جعلته يترك مائدة العشاء ويتحرك لخارج قاعة الطعام ليعيد قراءتها مرة أخرى "زوجتك تعيش حياتها بغيابك حاول ألا تطيل فترة سفرك"
أخذ الرقم وأرسله برسالة لرجل يعرفه ثم كتب بعض الكلمات وبعدها اتصل بها لتجيب بسرعة وتقول "ظننتك لن تتصل الليلة"
نبرة الصدق بصوتها تجعله يوقف أي شكوك تجاهها فقال "لدي عشاء عمل ولم ينتهي لذا فضلت الاتصال رغم أني ظننتك نائمة"
قالت "تعلم أني أستيقظ مبكرا بانتظار اتصالك"
وضع يده بجيب بنطلونه وهو يتحرك بدون هدى وقال "هل أنت بخير؟"
قالت "لا"
توقف ورفع وجهه وقال "لا أفهم"
قالت "لن أكون بخير إلا عندما تعود، متى ستعود يوسف؟ لقد وعدتني ألا تتأخر"
نفخ بقوة بدون سبب فشعرت أنها ضايقته فقالت "آسفة لم أقصد أن أضايقك"
أغمض عيونه لحظة ثم فتحها وقال "لا ملاك لم تفعلي أنا فقط"
وصمت ولم يكمل، لم يعرف ما تلك المشاعر التي تملكته بعد تلك الرسالة بل منذ رحل وتركها وهو أيضا يريد العودة لها، يريد قربها، ابتسامتها، كلماتها الهادئة، براءة نظراتها، لمساتها وأصابعها التي تنساب على جسده فتمنحه مشاعر لا حصر لها
سمعها تقول "أنت ماذا يوسف؟ هل أنت متعب أو بك شيء؟"
قال "لا مولوكيلا فقط أفتقدك"
شعرت بسعادة تملؤها، لأول مرة يخبرها ذلك لذا همست "حقا؟"
قال مغيرا الحديث "ما أخبار الحمل؟"
ابتسمت لأنه بدل الحديث واكتفت بالكلمة وقالت "بخير، غدا موعد المتابعة الشهرية لا أريد أن أذهب بدونك"
تذكر الأمر فقال "سأجعلهم يؤجلون الحجز حتى أعود لن أتأخر مولوكيلا"
قالت "زينة كانت هنا يوسف"
توقف وقد كاد ينهي الحديث وقال "زينة!؟"
قالت "نعم بالأمس"
تحرك بخطى غير واضحة وقال "ماذا أرادت؟"
قالت بهدوء "تهددني بوحيد، لا أعلم كيف اتفقا سويا ولكنها ظنت أنك لا تعلم بوحيد وتهددني به"
ضاقت عيونه وربط بين ما تقوله هي وبين تلك الرسالة وزيارة وحيد التي لم يكررها سمعها تناديه فقال "نعم ملاك أسمعك، ماذا أخبرتها؟"
بكلمات مختصرة حكت له فقال "حسنا ملاك لو حاول وحيد لقائك فلا تفعلي حتى أعود وأنا لن أتأخر"
وافقت على كلامه وقبل أن ينهي المحادثة قالت "يوسف"
تحرك للقاعة وقال "ملاك لابد أن أعود"
قالت "سؤال واحد"
توقف وقال "حسنا"
قالت "العشاء، أقصد هل به، أنت تفهم، أقصد هل توجد نساء؟"
شعر بالسعادة لسؤالها وتوقف عند الباب وقال "بالتأكيد يوجد الكثير منهم"
توقفت عن الحديث ولم تكمل فعاد وقال "أين ذهبتِ مولوكيلا؟"
قالت بضيق واضح "هنا، وأنت وحدك بين هؤلاء"
قال "لا"
رددت "لا!؟"
لاحت نظرة متلألئة بعيونه وقال "بالتأكيد أصحب معي واحدة كي لا ينتقدني الباقين"
تغيرت نبرة صوتها وهي تقول "يوسف أنت تمزح، لن تفعل ذلك"
قال "ولو فعلت هل يضايقك الأمر؟"
قالت بدون تفكير "أنت تسأل؟ بالتأكيد، يوسف أخبرني أنك تمزح وأنك لن تفعل ذلك"
تراجع وقال "ولو أخبرتك أني لا أفعل ستصدقينني مولوكيلا؟"
قالت بدموع لا يراها "نعم يوسف فأنت تعلم أني أثق بك"
شعر بالرضا يجتاحه فقال "وثقتك هذه لم تجيبك على سؤالك ملاك"
أغمضت عيونها وهدأ قلبها وقالت "لا أريدك بعيدا عني أكثر من ذلك يوسف"
أبعدت الهاتف ونظرت له، كيف قالت ذلك؟ هل فضحت نفسها؟ أعادت الهاتف بسرعة وهو يقول بسعادة لم تراها "حقا؟ لماذا لا أسمع تلك الكلمات إلا وأنا بالسفر؟"
قالت "لأنك بالسفر يوسف، أنت بعيد بالفعل لكن وأنت هنا لست بحاجة لتسمع كلماتي هذه وإلا ستغضب لأنك ستظن أني أريدك أن تترك العمل من أجلي"
رفع وجهه للرجال من حوله وقال "حسنا زوجتي المجنونة هل نكمل حديثنا عندما أنتهي من العشاء؟ تلك الكلمات لا مكان لها هنا"
قالت "كما تشاء، سأنتظرك"
أغلق الهاتف وتنفس بعمق وهو يندهش من نفسه لأنه نادم على غلق الهاتف وتمنى لو يهاتفها مرة أخرى ليسمع صوتها وكلماتها التي جعلته يستمتع بها ولكنه نفض الأمر وعدل ملابسه وعاد للداخل ولكن بداخله رغبة بإنهاء الأمر بأسرع ما يمكن..
احتضنت الهاتف ولم تعترض على الانتظار ورغم أن الوقت كان مبكرا نظرا لفارق التوقيت إلا أنها لم تغفل وهو يعيد الاتصال بها وقد عاد لغرفته بالفندق فأجابت بقلب ينبض بالحب والشوق لمن امتلكه وهتفت
“هل انتهيت؟"
جلس على أقرب مقعد وقال وهو يفك ربطة العنق "نعم، ألم تنامي؟"
قالت "لا، هل كان عشاء ناجح؟"
قال بهدوء "أعتقد ذلك، هم يفكرون بطلباتي ولكن أنا أعلم أن لا بديل لهم سوى الموافقة"
قالت بصدق "أحب ثقتك بنفسك"
سألها بخبث "فقط؟ تحبين ثقتي فقط"
اعتدلت بجلستها وانتفض قلبها من السؤال ولم ترد وهو يعلم ما يقول، عندما لم ترد قال "ملاك"
صوته كان عذب وهو يناديها فقالت بضعف "نعم"
قال "هل حقا تريدين عودتي وتتعجلينها؟"
لم تفكر وهي تجيب "أنت تسأل يوسف؟ أنا لن أتركك ترحل مرة أخرى بدوني، ستخرج لي جواز سفر ولن تذهب لأي مكان وحدك، أنا لا أريد إلا أن أكون معك"
أغمض عيونه للحظة وهو لا يفهم ماذا يريد من كل ذلك ولا ماذا يدور داخله فقط يريد أن يسمع منها هذا الحديث فهو يسعده، فتح عيونه وقال "حسنا مولوكيلا سأفعل ولكن ليس قبل ولادتك لن تذهبي لأي مكان وأنت حامل"
غضبت وقالت "نعم، بالطبع كي يمكنك أن تكون وحدك وتستمتع كما تشاء بدوني"
صمت قليلا ثم قال "والآن أين ذهبت الثقة؟"
قالت "أنت لا تريدني معك يوسف، أنت تبعدني عنك أو ربما تجدني لا أليق بك وبمن معك"
انحنى للأمام وقال باهتمام "هل هذا تأثير الحمل ملاك؟ كلماتك لا معنى لها تعلمين أن العالم كله يعرف من هي زوجتي فأوقفي جنونك هذا"
قالت بدموع "آسفة"
اعتدل وقال "لا تفعلي، لن تسافري قبل ولادتك وأنا لن أسافر وحدي مرة أخرى هل هذا أفضل"
مسحت دموعها وابتسمت وهي تقول "بالتأكيد، لابد أن ترتاح هل أتركك؟"
بدون رغبة في تركها قال "حسنا عزيزتي يمكنني الراحة قليلا"
قالت بصدق "حسنا هل أغلق لترتاح؟"
لكنه عاد وقال "لقد طلبت تجهيز ملابس للطفل فهل لديك أي طلبات؟"
قالت "لا، ألا تنتظر حتى نعرف ولد أم بنت"
نهض وفك أزرار قميصه وقال "ليكن ما يكون مولوكيلا لا فارق المهم أن يصل للحياة بخير"
ابتسمت وقالت وهي تشعر بنبرة تعب بصوته "معك حق هل تذهب لتنام؟"
توقف وقال "سأفعل"
أغلقت وهي سعيدة وهو أيضا كان كذلك، كلا منهما لأول مرة يخرج جزء مما بداخله ولكن يظل السؤال إلى متى ستظل تلك السعادة؟
الأيام التالية كانت عادية لانشغاله الشديد فقد ضغط نفسه كي ينتهي ليعود لها بينما انشغلت هي بالبيت وبإجراء تعديلات بسيطة سمح هو بها جعلت البيت أجمل مما كان
انتهت مما كانت به وركبت سيارة الأجرة وعادت إلى البيت ولم تصدق نفسها وهي ترى سيارته تقف بمكانها فأسرعت إلى الداخل لتفتح لها زينب فقالت "يوسف عاد زينب؟"
ابتسمت زينب وقالت "نعم مدام وسأل عنكِ"
لم تنتظر وهي تسرع إلى الأعلى وفتحت الباب لتراه يقف بمنتصف الغرفة ولم تنتظر وهي تهرع إليه وتحتضنه وهي تقول "أنا لا أصدق أنك عدت إنها أفضل مفاجأة"
كانت تحيطه بذراعيها بسعادة الأطفال ولكن بعد وهلة انتبهت إلى أنه جمد مكانه حتى أنه لم يعانقها ولا يتحدث فابتعدت لتنظر له وقد تبدلت معالم وجهها وهي ترى وجهه الجامد يحدق بها فقالت بخوف لا تعرف سببه
“ماذا بك يوسف؟ هل حدث شيء بالسفر؟"
قال بهدوء قاتل ومخيف "أين كنتِ؟"
ارتبكت من نبرته التي تحمل الكثير من المعاني لم ترد تصديقها وتراجعت خطوة بعيدا عنه وقالت "ماذا حدث يوسف؟"
فزعت بقوة من صوته القوي وهو يعيد سؤاله "أين كنتِ ملاك؟"
حاولت أن تهدأ وتبعد الخوف ولكنها فشلت وهي تقول بارتباك من الخوف "كنت أتجول بالمحلات"
تحرك تجاهها ولكنها تراجعت وهو يقول "ولماذا رفضت الذهاب مع السائق؟"
شحب وجهها وهي لا تفهم لماذا يفعل كل ذلك وانتفضت مرة أخرى عندما صرخ بها "أجيبي"
اصطدمت بالحائط من خلفها وهي تقول بارتجافه واضحة "لا شيء فقط"
لم ينتظر جوابها وهو يقبض على ذراعها بقوة ويقربها منه ويقول بعين مظلمة من الغضب "فقط لا تريديه أن يعرف مكانك"
انتبهت لكلماته وقالت "يعرف مكاني؟ هل هو يراقبني يوسف؟"
قال بحزم "هل ظننت أني سأتركك تتصرفين كما يحلو لك بغيابي؟"
أبعدت ذراعها من يده وقالت بغضب "معك حق لابد أن تفعل فلست بالزوجة الأمينة بغياب زوجها"
لم يتراجع وقال "وماذا كنت تظنين؟"
رفعت رأسها دون دموع وقالت "لا تفعل يوسف؟"
ظل ناظرا لها وقال "لن تخبريني متى أتوقف"
قالت بقوة "بل سأفعل لأني لن أسامحك هذه المرة فقد اكتفيت"
لم يتراجع من أمامها ولم يهدأ غضبه وهو يقول "وهل أنا بحاجة لغفرانك ملاك؟ هل ترقين لتلك المكانة؟"
الدموع وصلت لعيونها وقالت "قبل أن تكمل ما لن تتوقف عنه هل تخبرني أولا لماذا تفعل كل ذلك!؟"
رفع هاتفها بينهما وقال "يمكنك أن تعرفي بنفسك"
نظرت للهاتف الذي تركته بغرفتها ونسته ثم عادت لعيونه وقالت "لا أفهم"
فتح الهاتف ومنحها إياه لترى رسالة من رقم تقول "أنتظرك الواحدة بشقتي، وحيد"
ارتجفت يدها فصرخ بها "كنت معه؟"
عادت تنتفض من صوته ثم أكمل "كم مرة ذهبت له بغيابي؟ وكنت تكذبين وأنت تخبريني بمدى حزنك من غيابي وأنت تستمتعين معه"
وضعت يداها على أذنيها وصرخت به "كفى، كفى، كذب كل ذلك كذب أنا لم أذهب له لم أراه ولم أرى تلك الرسالة إلا الآن"
ولكنه عاد يهتف "كاذبة، ماذا كان يمكنني أن أتوقع منك سوى ذلك؟"
أبعدت يداها عن أذنيها وقالت "معك حق"
تراجع من كلماتها وتوقفت الكلمات على لسانه وهو يحدق بدموعها ونظراتها الغاضبة قبل أن يقول "ماذا؟"
قالت بقوة "معك حق سيد يوسف ماذا تتوقع من فتاة مثلي عاشت بين الرجال سيئة السمعة وعملت بمقهى ليلي؟ أليس هذا ما أردت قوله؟ أنت على حق، أنا لن أكون بالنسبة لك إلا تلك المرأة ولو عشت عمري كله أقسم لك أني بريئة فلن تصدق لذا لن يمكنني أن أفعل"
تراجع وقال "لا أفهم"
زادت دموعها وقالت "ليس هناك ما تفهمه سيد يوسف أخبرتك من قبل أني أنتظر حكمك فمتى ستخبرني به؟"
انتبه لكلماتها فاعتدل وقال "هل تعنين الطلاق؟"
لم ترد ولم تبدي أي حركة بينما ابتعد هو والغضب يفقده التفكير والشك القاتل يقتل كل جميل نشأ بينهم، اقتربت هي من الفراش وألقت جسدها عليه والدوار يهاجمها ولكنها تماسكت، عليها بإنهاء كل ذلك، التفت لها وقال "هل كنت معه؟"
لم تنظر له وهي تلملم نفسها وقالت "بماذا تريدني أن أجيبك؟"
قال بقوة "الحقيقة"
قالت بضعف "لا، لم أكن معه ولم أرى الرسالة"
ظل ينظر لها ولكنها لم تفعل بينما ضغط على الهاتف بيده حتى تألمت أصابعه فقال "لا طلاق ملاك أنت تعلمين أني لن أفعل أما وحيد فيمكنني التعامل معه جيدا ولا خروج لك من البيت هل تفهمين؟"
لم ترد وهو يتحرك خارجا من الغرفة بغضب وشاركتها الدموع حزنها وقد عرفت ماذا ستفعل وقرارها لن تتراجع به..
سمعت سيارته وهي ترحل فأغمضت عيونها بألم وتركت الدموع تنساب بهدوء، ليس هذا ما كانت تحلم به بعودته ولكنه ما كانت تخاف منه، كانت تعلم أن وحيد لن يتركها ولكنها ظنت أنها تثق بزوجها وأنه يثق بها ولكن كما قالت كيف يثق بامرأة مثلها؟ أخرجت الولاعة الذهبية التي اشترتها له بمناسبة عيد ميلاده وتأملتها بالعلبة الخاصة بها والدموع تغرق وجهها ثم نهضت ووضعتها على مائدة الزينة وتركتها دون شيء
تحرك السائق بالسيارة وهو يغمض عيونه بقوة ويعيد رأسه إلى الخلف، هل حقا كانت تخدعه؟ الرسالة التي وصلته على هاتفه بمجرد وصوله المطار أشعلت الغضب داخله وجعلته يثور من داخله، كيف تفعل به ذلك وهو قد وثق بها؟ لا يمكنها أن تخونه هو لا يصدق أنها تفعل فقد صدق فقط أنها بريئة ولا تفكر سوى به ووقت أن تحدثت عن الحب ظن..؟ ماذا ظن؟ بل بماذا يفكر؟ هل يمكن أن تكون تلك الفتاة ملكت قلبه؟
زاد غضبه وهو يمسك الهاتف ويجري العديد من الاتصالات حتى وصل لمكتبه وطلب الرجل الذي كلفه بما أراد وما أن دخل مكتبه حتى تبعه السكرتير وهو يقول "لقد وصل سعيد يا فندم"
أشعل سيجارة دون أن يجلس وقال "دعه يدخل الآن"
التفت للباب وهو ينفخ الدخان بقوة من الغضب الكامن داخله وهو يرى الرجل يدخل أمامه وهو يقول "مساء الخير يا فندم"
قال بقوة "هات ما لديك"
ارتبك الرجل ولكنه قال "مدام زينة تقابلت مع وحيد بالأمس ولكن الرجل الخاص بي لم يمكنه سماع حديثهم فالمكان كان مزدحم وكأنهم يقصدون ذلك"
ضاقت عيونه وابتعد وهو يقول "وحيد تركها وذهب أم خرجا سويا؟"
قال سعيد "تركها وذهب بعد أن حصل منها على شيك، هي انتظرت قليلا بعده ثم خرجت"
ظل صامتا لحظة ثم قال "اليوم؟"
قال الرجل "وحيد لم يترك شقته حتى الآن"
التفت له وقال "هل زاره أحد؟"
قال سعيد بثقة "لا، هو اعتاد على النوم بالنهار والسهر بالليل خاصة منذ أن وصل القاهرة"
تحرك يوسف حتى وقف أمام سعيد وعيونه تنطق بغضب واضح وهو ينحني بقامته المديدة ليقرب وجهه من وجه سعيد الذي تراجع بدون فهم لحركة رئيسه الذي قال "الواحدة ظهرا أين كان؟"
أجاب سعيد بقلق "بالشقة يا فندم وما زال حتى الآن"
هتفت به "ولم يزوره أحد؟"
أجاب سعيد بتوتر من غضب يوسف الواضح "لا يا فندم رجالي هناك أحدهم بالشقة المجاورة ومن نافذته يرى شقة وحيد من الداخل والآخر بالسيارة يراقب مدخل العمارة ولم يزوره أحد"
تفاجأ سعيد ويوسف ينقض عليه ويمسكه من ملابسه بقوة وجذبه له وهو يهتف به "أنت تكذب، هناك من زاره بالواحدة ظهرا"
تراجع سعيد مندهشا من موقف يوسف وقال بثقة "لا يا فندم أنا متأكد مما أقول"
ظل يحدق به بنظرات نارية وكل تفكيره بها وما فعله معها وقد تسرع وكان عليه أن يتأكد، للحظة فقد القدرة على التفكير، دفع سعيد للخلف وتحرك للخارج مسرعا، نهض السكرتير لرؤيته ولكنه لم يرى إلا عيونها الباكية وسمعها وهي تقول "لا تفعل" وهو فعل للمرة المليون يفعل ويندم، ركب السيارة مكان السائق واندفع بقوة غضبه من نفسه ومما فعل والازدحام يعوقه من أن يطير عائدا لها فمن داخله كان يعلم أنها لن تنتظره ولن تنفذ أوامره ولا وعدها له وحتى لو راقبها السائق فستفر منه ولن تبقى
بصعوبة وصل الفيلا فأسرع للداخل وبخطى قليلة كان قد صعد السلم وانطلق لغرفتهم حتى فتحها ونظر بعيونه بحثا عنها
ما أن ذهب حتى أدركت أنه حتى لو ثبتت براءتها تلك المرة فستظل موضع اتهام حتى نهاية العمر وهي لن تتحمل أن يفعل بها ذلك، لن تعيش حياتها وهي دائما متهمة بانتظار حكم الإعدام، لن يمكنها أن توفي بوعدها له من ألا ترحل وتتركه، والدته تركت والده لأنها كانت تحب رجل آخر لكن هي لم تحب سواه ولكنها لن تستطيع تحمل الألم منه أكثر من ذلك
حملت حقيبة صغيرة بها ملابسها القديمة وبدموع غزيرة ودعت غرفتهم فبكل مكان بها ذكرى لهما سويا وهي لن تنسى أبدا لحظة جميلة أمضتها معه، أغلقت الباب وتحركت بهدوء لأسفل وهي حريصة ألا يشعر بها أحد من الخدم ولا زينب ولم تخرج من باب الفيلا وإنما من الفراندة حيث حمام السباحة ومن هناك تحركت دون أن يراها السائق ودعت الله أن تكون البوابة مفتوحة وقد كانت وهي تخرج مسرعة وتوقف سيارة أجرة وتركبها وهي تحاول ألا تدع الدموع تغشى رؤيتها أو تجعل مشاعرها توقفها عن الذهاب فهي لن تعود
تملكه الجنون عندما لم يجدها، نادها وهو يعلم من داخله أنها رحلت، لن تبقى من بعد ما فعله بها هي على حق ستظل بالنسبة له تلك الفتاة التي عرفها بملهى ليلي، أخت المحتال، لم يمكنه أن يراها هي وحدها دون ظل حمزة الذي التصق بها وظل بالنسبة له هالة تحيطها كلما أبعده ليراها تعود الهالة فتغشى عيونه عنها ولا يرى إلا حمزة وتختفي هي ببراءتها من أمامه
فتح غرفة الملابس ربما لم ترحل ولكنه أدرك أنها تركت له كل شيء فقط أخذت ملابسها القديمة كل ما تملك ولم تأخذ منه أي شيء، لا بل أخذت، التفت خارجا ليرى تلك العلبة على مائدة الزينة فتحرك بقلب مرتجف حتى وقف أمام المائدة ومد يده ليمسك العلبة وبقلب ينهار من حزنه فتح العلبة ليرى كارت صغير عليه قلب أحمر وكلمات صغيرة "كل عام وأنت معي زوجتك" أمسك الولاعة الذهبية وقد اسود وجهه وكادت عيونه تسمح لدمعة حزينة أن تفر منها وهو يرى حرفين "م، ي" سقطت الدمعة على وجنته وقد أدرك أنها كانت بالخارج تحضر له هدية عيد ميلاده فهو بعد الغد لذا لم ترد أن يعرف أحد بمكانها
قبض على الولاعة بأصابعه بقوة وأغمض عيونه بألم لتسقط دمعة وأخرى على وجنته وهو يشعر بألم لم يعرفه من قبل تحرك لأقرب مقعد وانهار عليه وفك ربطة عنقه وأزرار قميصه وهو يسند رأسه على يديه، الآن أدرك خطؤه الكبير وأنها رحلت وأخذت الكثير معها، أخذت كل شيء؛ أخذت قلبه الذي يتألم الآن بقوة لفراقها نادما على ما فعل بها، أخذت ابنهم الذي انتظره كثيرا، أخذت السعادة التي عاشها معها هي فقط
رفع يداه الاثنان بشعره وهو يرتد بالمقعد للخلف وأغمض عيونه وهتف بألم "أخذت قلبي ملاك، نعم سرقته، أنت وحدك من امتلكت قلبي وتفكيري وحياتي كلها، كان علي أن أسمعك ولا أندفع وراء غيرتي، نعم ملاك هي الغيرة والشك القاتل اللذين جعلاني كالمجنون وأفقدوني القدرة على التفكير، كان وعدك لي بالا تذهبي كما فعلت هي ولكن لا أنا أستحق فأنا من دفعك لذلك، خسرت كل شيء، خسرت المرأة الوحيدة التي أحببتها نعم ملاك أنا أحبك، قلبي لم ينبض إلا لك بل هو مهووس بك فكيف سأعيش بدونك؟"
رن هاتفه فاعتدل ومسح دموعه وأخرج الهاتف ليرى اسم سعيد فأجاب ليسمعه يقول "مدام زينة عند وحيد سيد يوسف"
نهض وتحرك للخارج وهو يقول "حسنا تأكد ألا ترحل من عنده قبل أن أصل لهم"
وتحرك للخارج وقد كان عليه أن يعيد تنظيم أفكاره حتى يمكنه أن يعيدها ولكن بالأول يوقف تلك المرأة وذلك الرجل الذي ظن أنه خدعه
يتبع
أنت تقرأ
بريئة بقلمي داليا السيد
Lãng mạnلن أكون يوما بريئة بنظرك حتى لو منحتك قلبي ستقتلني بلا رحمة