الفصل التاسع

147 13 11
                                    

الفصل التاسع
مكالمة
مضت الأيام بها على أفضل ما تكون، كانت علاقتهم تتحرك للأفضل بكل يوم ورغم محاولات زينة بالظهور بكل مكان تواجدا به ومحاولة إثارة فضائح جديدة إلا أن كل محاولاتها باءت بالفشل وربما لأنها تثق به فقد تكسرت كل مناورات زينة على أرضية ملاك الصلبة وردتها خائبة حتى قل تواجدها وبعد شهرين اختفت عن الأنظار وربما ساعد بذلك الأخبار التي كانت تظهرها مع زوجها بصور تدل على سعادتهم الزوجية فقطعت أي شك بعودته لعشيقته السابقة
خرجت من الحمام وقد انتهى من ارتداء ملابسه فاتجهت له وقالت "هل ستتأخر اليوم؟"
نظر لها بالمرآة وقال وهو يربط ربطة العنق "ربما، لدي العديد من الاجتماعات هل تريدين شيء؟"
رفعت زجاجة عطره فالتفت لها وتركها تضع له العطر وهي تقول "نعم، أريدك أن تأتي معي لمكان ما ضروري"
انتهت فقال باهتمام "إلى أين؟ تعلمين أني لا أهوى محلات الملابس اختاري أي مول مما يخصنا وسأخبرهم بذهابك"
وكاد يتحرك ولكنها وضعت يدها على صدره لتوقفه وقالت "ربما أحتاج الذهاب لكن ليس الآن"
توقف ونظر لها بدهشة وقال "ملاك ليس لدي وقت أنا بالفعل تأخرت فهل تخبريني بما تريدين الآن"
أخفضت عيونها وقالت "أريد أن تأخذني لذلك المركز الطبي الذي ذهبنا له من قبل"
صمت وهو يستوعب كلماتها حتى رفع يده ليديها وأمسكهم وهو يقول "أنت لا تعنين أنك؟"
هزت رأسها فأكمل "أنت حامل؟"
ترك يدها ليضمها له وهي سعيدة به حتى أبعدها وأحاط وجهها بيده وقال "فقط نؤجل الأمر للغد حتى يخبرهم مكتبي بذهابنا وحتى أتفرغ للأمر لن تذهبي وحدك بالطبع"
هزت رأسها فقبل جبينها وقال "عليك بالحفاظ عليه لابد أن نراه هذه المرة ما زلت أريد وريث لي"
قالت "وإن لم يكن ولد؟"
قال "ما زال أمامنا خمسة"
تراجعت وهي تردد "خمسة؟"
قال بعمق "باقي أولادنا هل تمانعين؟"
ابتسمت وقالت "بالتأكيد لا، لم أكن سعيدة وأنا بالحياة وحدي"
هز رأسه وقال "هذا هو المغزى"
ثم قبلها برقة وقال "هل أذهب؟"
هزت رأسها بالإيجاب فطبع قبلة على وجنتها وقال "لا تنسي إخبار أبي"
وتحرك للخارج وهي سعيدة بالأمر، فمنذ ضياع جنينها الأول وهي تتمنى لو تحمل غيره ربما ينسيها حزنها عليه وها هي تنال ما تمنت وترجو الله أن يحفظه لهم وتراه أمامها وتضمه لصدرها..
انتهت زيارتهم وكانت سعيدة والطبيبة تخبرهم بأن الطفل بخير وهي أيضا وتحرك بها للسيارة حيث فتح السائق لها وركبت وهو بجوارها فقال "المطعم يا عماد"
أمسك يدها وقال "لن ينال القيء منك هذه المرة"
قالت "بل يفعل أنت فقط مشغول بالعمل"
قال بهدوء حفظته وعشقته وتعلمته منه "أعتذر ولكن المول الجديد يأخذ كل وقتي"
هزت رأسها وقالت "أعلم ولا يضايقني الأمر فقط أحب أن تتذكرني ولو قليلا"
تحير من كلماتها وبرغم أنها تمنحه حياة رائعة وجعلته يعترف أنها زوجة حقيقية وقد فقد إيمانه بوجود تلك الزوجة أو الأم منذ سنوات إلا أنه لم يفهم لماذا تفعل ذلك بل وينتظر اليوم الذي ستتراجع فيه وربما ترحل فجأة و
أبعد وجهه وتبدلت ملامحه فجأة فقالت بقلق "ماذا؟ هل أغضبك كلامي؟"
لم ينظر لها وهو يقول "لا، فقط أنت تعلمين ظروف عملي ملاك وهو ما لا يمكنني تبديله"
داعبت دبلته الفضية بأصابعها وقالت "ومن طالبك بذلك؟"
التفت لها فكانت ملامحها ملائكية وقد صدق من أطلق عليها ملاك وهي تنظر له بعيونها الزيتونية وتقول "فقط بالوقت الذي يمكنك منحه لي دعني استمتع به معك"
والآن ماذا ملاك؟ لم أعد أفهمك، ماذا تريدين من كل ذلك؟ أعترف أني اعتدت على وجودك بحياتي واستسلمت إلى أن هكذا هي السعادة ولكني الآن لا أفهم
أكملت "أريدك أن تشاركني باللحظات الهامة له، كما فعلت اليوم وكما سيكون بكل شهر"
قال بدون أن تمنحها ملامحه أي تعبيرات "هذا أمر لا شك به ملاك، لن تكوني وحدك بأمر كهذا لم أفعله من قبل ولن أفعله الآن"
قالت "وهذا يكفيني"
رفع ذراعه وأحاطها فأراحت رأسها على صدره فقال "لديك قدرة غريبة على رفعي لأعلي درجات الغضب ثم أنت أيضا من تعيدني لأقصى درجات الهدوء والراحة"
تمنت أن تخبره أن ذلك لأنها تحبه ولا تتحمل غضبه ولكنها بالطبع لم تكن لتفعل فقط قالت "هذا فقط لأني لا أتحمل أن أراك غاضبا"
داعب شعرها وقال "لا تخبريني أني أخيفك"
رفعت وجهها له وقالت "جدا، أنت تصلح للعمل بشركة المرعبين المتحدة"
ولمرة أخرى تنفرج شفتيه عن ابتسامة هربت منه غصبا وهو يقول "حقا؟"
قالت "يمكنك أن تفعل كالباقين؟"
اندهش وقال "أفعل ماذا؟"
قالت بضحك طفولي "تبتسم"
ظل ينظر لها وتذكر أنه لم يفعل منذ ذلك اليوم منذ سنوات كثيرة نسى عددها ونسى معها كيف يمكنه أن يضحك وأخيرا قال "تحققين انتصارات الواحدة تلو الأخرى وهذا يعني أني لن أتوقف صامتا"
ابتعدت وهي تقول "هذا تهديد؟"
راحته احتضنت وجهها وقال "بالتأكيد، هل تظنين أني أقبل الهزيمة؟ عليك بدفع الثمن"
قالت بنفس براءتها "عليك بأن تأخذه بنفسك ولكن تذكر أني حامل"
قال بعيون ناعسة تعرفها جيدا "لا أذكر أنه على لائحة الممنوعات التي كتبتها الطبيبة، أنت لي ولن تفري مني، اليوم لي هل تفهمين؟"
ضحكت والسيارة تدخل موقف السيارات وينزلان لتناول الإفطار بمرح ولم تنتبه لذلك الوجه الذي كان يراقبها بقوة وغضب وهي تضحك لزوجها بسعادة وتتمنع عن الطعام بسبب الحمل بل ونهضت للحمام وقد عادت لتلك الأيام وكأنها تعيد نفسها
خرجت من الحمام لتتفاجأ بذلك الوجه ينتظرها لتنطق بالاسم الذي لم تكره بحياتها مثلما كرهت صاحبه "وحيد؟"
اقترب منها والذهول جمدها بمكانها حتى سمعته يقول "ومن سواي يا جميلتي سيريدك مثلي"
كاد يرفع يده لها عندما تراجعت للخلف ثم تحركت مسرعة إلى حيث مائدتهم وجلست والخوف يدفع قلبها بقوة وقد انشغل يوسف بالهاتف ولم ينتبه لها وهي تبحث بنظراتها عن وحيد ولكنه اختفى فهل كانت تتخيل؟ أم أنه كان حقيقي وفر هاربا لرؤية زوجها؟ ماذا عليها أن تفعل؟ هل تخبر زوجها؟ وماذا تخبره؟ ألا يمكن أن يظن أنها تلك المرأة ويفتح أبواب الماضي وينبش بقبر الذكريات المؤلمة؟
صوته أعادها له وهو يقول "ملاك ماذا بك؟ هل تشعرين بالتعب؟"
هزت رأسها وقالت "نعم هل يمكن أن نذهب؟"
نهض على الفور وترك الحساب ومد لها يده فأمسكتها وهي بحاجة له كي يعيد لها الأمان وهي تعلم أن عليها أن تخبره ولكنها تخشى من ألا يثق بها
عادوا للبيت ونست ما كان وهو معها لا يفكر سوى بها وهي بالمثل واستمتعت معه ما بين والده وحمام السباحة وانتهاء بغرفتهم وأوقاتهم الرومانسية التي لا تنتهي..
بالصباح لم تجده وقد رحل مبكرا فنهضت بالطبع على الحمام لتعيد ما كان وعادت على رنين الهاتف، تألق اسمه فأجابت "اعتدت على أن ترحل دون إيقاظي"
خرج سكرتيره فجلس خلف مكتبه وقال "لو أيقظتك فلن أرحل مبكرا فأنتِ توقفيني عن الرحيل بعيونك مولوكيلا"
ضحكت وقالت "تعترف بالهروب إذن"
قال بنبرة تعرفها كامرأة "وهل لدي سبب آخر؟"
ضحكت مرة أخرى وقالت "الغداء غير وارد طبعا، هل أطمع بالعشاء؟"
رن هاتف مكتبه الداخلي فتجاهله وهو يرد "حقا لا أعلم سأهاتفك قبلها، هل تسمح لي زهرتي بالذهاب؟ الهاتف الداخلي يقتل نفسه من الرنين"
قالت بتذمر مصطنع "والآن أصبحت أغير من هاتفك الداخلي أيضا لقد تعبت من منافسيني"
صمت وهو يعيد كلمتها على ذهنه فقالت "يوسف هل فاز الهاتف علي؟"
قال "لا زهرتي لا أحد يفوز على زوجتي وأم أولادي"
شعرت بقلبها يعود لدقاته القوية وما زال حبها له يزداد بقلبها يوما وراء الآخر واليوم تتمنى لو كان معها الآن ويخبرها بتلك الكلمات وهي بين ذراعيه
قالت "حسنا رجلي الهمام رضيت وسمحت لك بأن تذهب لتكون يوسف السمنودي الذي يهتز لاسمه الجميع"
قال وهو يعلم أن كلماتها تمنحه شعور رائع لا يمكن لأحد أن يقوم به سواها "شكرا زهرتي الخضراء سأحاول أن أكون رجلك الهمام"
أغلقت وهي تحتضن الهاتف بسعادة وقد جعلتها كلمة أم أولادي سعيدة ولا تريد غير تلك الحياة التي جعلتها تنسى كل ما كان
اندمجت مع الأب كالعادة وعندما انتهى من الغداء عادت لغرفتها لتنال بعض الراحة لتجد الهاتف يرن فأسرعت له ظنا أنه زوجها ولكنها وجدت رقم غريب وبسرعة انقض وجه وحيد عليها فهي لا تعرف أحد ولن يهاتفها سواه خاصة بعد لقاء الأمس لذا ظلت تراقب الهاتف وهو يرن دون أن ترد وقلبها يدق معه بقوة من الخوف
سكت الهاتف فأغمضت عيونها وحاولت أن تهدأ وهي تجلس من ضعف أقدامها، ليس الآن، ليس بعد أن استقرت حياتها لن تجعل أي شيء يحطم حياتها الجديدة والوحيدة
رنين الرسالة جعلها تفزع والهاتف يقفز من بين يديها، التقطت أنفاسها واستعادت الهاتف وبأيدي مرتجفة فتحت الرسائل لتجد كلمات جعلت قلبها يرتجف
****
دقات على باب مكتبه جعلته يعود من انشغاله وهو يأذن فدخل السكرتير وقال "رجل يدعى وحيد بسيوني يطلب مقابلتك عند أمن البوابة سيدي"
رفع رأسه والاسم يضرب رأسه بقوة فاستعاد ذاكرته وقال "ليتركوه يصعد"
هز السكرتير رأسه بينما تراجع هو بمقعده بالمرة السابقة أرسل له من يسدد له أمواله فما الذي يريده اليوم؟ النبش بالذكريات أمر لا يفضله خاصة وهو أحب حياته الحالية وينتظر ابنه ومن المرأة التي جعلته يحب تلك الحياة ويستعيد ثقته بالزواج والأمومة
عندما دخل وحيد المكتب لم يتحرك يوسف من مكانه وقد بدا الرجل بالنسبة ليوسف كتاب مفتوح قرأه من أول نظرة ولكنه لم يرد أن يقلب صفحاته بعد
تقدم وحيد من مكتب يوسف وابتسامة متملقة على وجهه وقال "من الشرف لي أنك وافقت على لقائي سيد يوسف"
أومأ يوسف له برأسه وهو يقول "أتمنى ألا أندم على ذلك"
لم تتبدل ملامح الرجل وقال "لن تفعل صدقني، بداية أنا بالطبع أعلم أنك سددت ديون ملاك"
قاطعه يوسف بحدة "مدام ملاك"
شحب وجه وحيد وقال بارتباك "نعم، آسف، الديون كانت خاصة بحمزة كما تعلم حضرتك لكن المشكلة لم تنتهي هنا لأن مدام ملاك بعدها طالبت بحقها"
انتظر وحيد ليرى أي انطباع على وجه يوسف ولكن ملامحه الجامدة ظلت كما هي وهو ينتظر ما سيلقيه ذلك الرجل بوجهه وعندما لم يتحدث يوسف أكمل وحيد "حقها بتلك الديون وأخبرتني أن لولا زواجها منك ما أمكنني الحصول على المال، المهم أرسلت لها نصيبها ولكن تلك الأيام عادت تطاردني مرة أخرى"
ضاقت عيون يوسف فقط وهو يقول "تطاردك؟"
ابتسم وحيد وكأنه حقق انتصار بأن يوسف استجاب له وقال "نعم، أرسلت لي مؤخرا تطلب لقائي"
لم يتحرك يوسف وهو يقول "ولماذا؟ وهل سبق لقائكم من قبل؟"
قال وحيد ويوسف يراقب ملامحه جيدا "بالطبع تقابلنا كثيرا ولكن لنا وقت لم نفعل وهي حاليا تطلب اللقاء وأخبرتني أن الأمر خاص بك وأن لديها خطة جديدة للحصول على بعض المال"
نظرات يوسف للرجل كانت قاتلة وظل يراقبه بصمت حتى انتهى فقال "وهل دبرت أمر اللقاء؟"
قال وحيد "لا ليس بعد ظننت أني لو كشفتها لك ستوقفها أنا فقط لا أريد كسب عدواتك وأيضا بعض المصلحة لن تضر"
ظل يوسف جامدا للحظة وبالنهاية نهض فنهض الرجل وهو يرى يوسف يتحرك تجاهه حتى وقف أمامه وقال وهو ينظر بعيونه "مصلحة؟ هذا بالتأكيد يعني أموال؟"
ابتسامة انتهازية ظهرت على فم الرجل وقال "هذا يرجع لتقديرك يا باشا"
ظل يوسف صامتا ثم عقد ذراعيه أمام صدره وقال "أنا أنتظر سماع ما يستحق تقديري"
ذهبت ابتسامة وحيد وقال "هل أذهب للقائها؟"
هز يوسف رأسه بالموافقة وقال "نعم وأبلغني بالموعد لأتأكد من صحة كلامك ومن بعدها أخبرني طلباتها ووقتها سأقدرك حق قدرك"
لمعت عيون وحيد وفرك يداه سويا بطمع أدركه يوسف من أول نظرة للرجل عندما قال وحيد "حسنا أنا طوع أوامرك بمجرد أن تخبرني هي بالموعد سأخبرك"
لم يرد يوسف وتحرك عائدا لمكتبه وأشعل سيجارة ونفخ دخانها وقال دون أن ينظر للرجل وهو يخرج مبلغ مالي من درج مكتبه وقذفه لوحيد على المكتب وقال "هل تخبرني ما تعرفه ولا أعرفه عن زوجتي؟"
انقض وحيد على المال وتأمله ثم وضعه بجيبه وقال "بالتأكيد"
يتبع...

بريئة    بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن