الفصل السابع
إجهاض
بالطبع كان من الجنون غلق الباب على نفسها وهي تصرخ من الداخل مما جعله يكسر الباب بقوة ويفزع من مظهرها الراكد بالأرض وهي تتلوى من الألم فحملها وأسرع للمشفى وهناك بالطبع أدرك الاثنان انتهاء تلك الصلة التي كانت تربطهم، رحل الجنين ورحلت معه أشياء كثيرة بالنسبة لكلاهم
عندما دخل غرفتها بالمشفى كانت متماسكة لم تبكي، فقط الأفكار تنهال عليها من كل حدب وهي تكاد تستوعب كل ما يمر
فتحت عيونها عندما سمعته يقول "يمكننا الخروج بالصباح"
كانت تنام على جنبها فجذب مقعد وجلس أمامها وهي لم ترد، عاد وقال "ستكونين بخير الإجهاض لم يؤثر على شيء"
لم تنظر له فقط هزت رأسها بصمت فتراجع بالمقعد وهو ينظر لها بنظرات امتلأت بالحزن والألم، لم يمكنه الصمت فعاد يقول "هو خطئي لم يكن من الصواب تعريضك لكل هذا المجهود وما كان بيننا والضغوط النفسية"
تذكرت كلمات الطبيب فقالت "الطبيب قال أن لا سبب محدد للإجهاض"
تأملها وهي لا تنظر له فأبعد وجهه قبل أن يقول "ولكن طبيبتك أخبرتنا أن المجهود غير مفضل ولا سيما الضغط النفسي ما كان يجب أن أضعك تحت تلك الضغوط"
لم ترد وهي تتذكر سقطتها بالحمام والسفر، زينة والصحافة والحب، أغمضت عيونها بقوة عند تذكر كلماتها بينما نهض هو وقال "أعتقد أن لا فائدة من الكلمات أنتِ بحاجة للراحة سأعود على المساء"
لم تملك أي جهد للجدال ولابد أن تفكر جيدا قبل أن تواجهه مرة أخرى وهذه المرة عليها الانتهاء من الأمر وكما دخلت حياته بسبب الجنين عليها أن تخرج بسبب ضياعه فلم تعد هناك روابط تستعدي بقاؤهم بطريق واحد
بالمساء عاد ولكنها كانت نائمة والطبيب أخبره أنها بخير ويمكن تكرار الحمل دون أي موانع وهي ستستعيد صحتها بسرعة مع العناية الجيدة
ظل يتأملها وقتا طويلا ورأسه تكاد تنفجر من الأفكار والمشاكل، زينة تدفعه للهاوية بتصريحاتها المجنونة أمام الصحافة بأنها حبيبته وعشيقته بالخفاء وما حدث بالأمس كان بسبب اكتشاف زوجته علاقتهم وكان عليه الخروج من دائرة الصمت التي أحاط نفسه بها والتحدث وإنكار أي علاقة بها ولكن الصحافة كانت تفضل كلمات زينة فهي مثار للنجاح القائم على سمعة المشاهير والتلطيخ بها على أكمل وجه عندما جاء خبر الإجهاض جعل الصحافة تزداد جوعا لما سيحدث للزوجين بين تصريحات زينة ويوسف
أغمض عيونه وهو يصارع مشاكله التي انقضت عليه من هبوط أسهم شركاته بالبورصة إلى تراجع بعض العملاء عن إبرام صفقات هامة وإلى العديد من الكوارث التي لم يعرفها من قبل وحاصرته المشاكل والخسائر من كل جانب وهو لا يعلم من أي جانب تأتي الصاعقة
دخلت الممرضة لمنحها الدواء فاعتدل بالمقعد وتابعها حتى انتهت وعادت هي للنوم دون أن تراه وقد اتخذ الظلام ساترا كي لا تراه
بالصباح الباكر كان النشاط يعج بالغرفة من الطبيب والتمريض وهو حتى انتهى الجميع وقاد مقعدها المتحرك للخارج حيث ركبت بالخلف وهو بجوارها وانطلق السائق بهم والصمت يلفهم، لم يرد حتى على هاتفه واندهشت هي من ذلك ولكنها لم تعلق
ما أن وصلا حتى قابلتهم زينب بنظرات حزينة وهي تقول "الحمد لله على سلامتك مدام"
حاولت الابتسام لامرأة عرفتها يومين ولكنها تعاملها جيدا، قالت "شكرا زينب"
قالت المرأة "سيد أحمد سأل عنكِ كثيرا مدام"
قال هو وهو يتحرك بجوارها للأعلى "سأذهب له زينب، أريد قهوة بغرفتي"
قالت "حاضر سيدي"
ما أن دخلت حتى أغلق الباب خلفهم وخلع جاكته وألقاه بعيدا وقال "أنت بحاجة للراحة"
التفتت له وقالت "أنا بحاجة للرحيل من هنا، من فضلك اسمح لي أن أرحل فقد انتهى كل شيء"
لمعت عيونه بدخانها الرمادي وتحولت لدخان أسود قاتم أظلم كل شيء من حولهم وهو يقول "لا أفهم"
أبعدت وجهها عنه وقالت "كنت تنتظر وريث ليحمل اسمك ويرث أملاكك ولكن، هل تنهي تلك العلاقة وتدعني أرحل ويعود كلا منا لحياته؟"
اقترب منها باحثا عن كلمات يرد بها بل باحثا عما يريده، منذ أن علم بأمر الإجهاض وهو أدرك أن ما يربطهم انفك وانفصل وبالتأكيد لن تبقى ليس بعد ما كان منه ومن زينة، بآخر مواجهة لهما أكد على علاقاته وأنه لن ينتهي، كان الغضب يأخذه وهو لا يعي لنفسه وقت غضبه والآن كيف يبقيها؟
رن هاتفها برسالة فلم تعرف أين هو أصلا فهي لا تحمل سوى جسدها الهزيل ولكن هو التفت للهاتف الملقى على مائدة الزينة فاتجه له وفتحه ليرى رسالة من وحيد
“ هل تظنين أن عدم ردك سينجيك مني؟ سأنالك حتى ولو كان هو زوجك، سأظل منتظرا ولن أيأس حتى ولو لم يعد هناك ديون"
التفت لها وقال "هذا وحيد أليس كذلك؟"
نظرت له وقالت بصدق "لا أعلم"
اقترب منها ومنحها الهاتف فقرأت الرسالة، احمر وجهها الشاحب وأبعدت الهاتف وهي تقول "لست مدينة لأحد سواه، بل هي ديون حمزة بالأساس ولا أفهم ماذا يعني بسداد الديون فأنا لم أفعل"
بالطبع كان يصدقها وهو يقول "كان يريد السداد بطريقته أليس كذلك؟"
أخفضت وجهها ولم ترد فقال "لن يمكنه أن يضرك بشيء"
رفعت وجهها له فأكمل "ديونه تم سدادها وهو فقط يختبر قوة تمسكك برفضه"
حدقت به ثم قالت "أنت من سدد ديونه؟"
ابتعد وقال "ومن سواي سيفعل؟ والآن أنت مدينة لي أنا فكيف ترحلين دون سداد ديونك؟"
رفعت وجهها وقد تملكها الغضب والتفت هو وكأنه أدرك ما قال فعاد يكمل "أنا لم أعني ما قلت ملاك، فقط"
ولكنها قاطعته بقوة وغضب "ولكنه حقك ولك أن تطالب به، كلكم سواء لا تختلفون بالمضمون فقط من الخارج"
وابتعدت والدموع تملأ عيونها وتغشى رؤيتها وهي تدرك غرضه فهو يريد تسديد الدين هل يجرؤ أن يفعل بها ذلك؟ سمعته خلفها وهو يقول "أعتذر، لم أقصد المعنى الذي وصلك، لا يمكن أن أفكر بتلك الطريقة مع زوجتي"
لم ترد للحظة ولكنها التفتت لتواجه صدره العريض أمامها فرفعت وجهها للأعلى لترى ملامحه المتعبة وعيونه المحلقة ولأول مرة ترى نظرة لا تفهمها بعيونه وكأن دخانها أخفى ما بداخلها
ارتبكت من نظرته وربما من قربه وظلت تنظر بعيونه وفقدت التركيز فيما كادت تنطق به ولكنها قالت "ولكنك تريد السداد وهو حقك ولكن ليس بتلك الطريقة يمكنني أن أعمل لك مقابل السداد وأنت من عرض الأمر"
أدرك أنها لن تتوقف فظل ينظر لها لحظة حتى قال "بالوقت الحالي عملك لا مكان له لست بظروف تسمح ببداية مشاريع جديدة لذا سننتظر قليلا حتى نستعيد أنفسنا"
ضاقت عيونها ولم تفهم ما يعني وهي ما زالت تقف أمامه دون حركة حتى قالت "أي ظروف؟ ألم يكن ذلك الاجتماع للاتفاق على المشاريع الجديدة؟"
فك ربطة عنقه وابتعد من أمامها وقال "ليس الآن"
التقطته قبل أن يتركها وقالت "لم تجب طلبي"
توقف دون أن ينظر لها وقال "عندما تستعيدي نفسك يمكننا الحديث كما وأن العجوز لن يفوت الأمر لو قررنا الانفصال فجأة بهذا التوقيت"
لم تجادل فهي بالأساس تريد قربه ولا تريد إلا أن تظل زوجته ولكن ليس بتلك الطريقة التي يريدها بها، لن تكون مجرد فتاة ليل كما يريد أن يصدق وقضاء ليلة وراء الأخرى بفراشه تسد الدين الذي أصبح هو مالكه ماذا يمكنها أن تفعل؟ حالته لا تسمح بالنقاش ولا حالتها هي
تحركت للدولاب وأخرجت ملابس لها وهو يخرج ليستبدل ملابسه فتحركت للحمام عندما دق الباب ودخلت زينب بالقهوة
عندما خرجت كان قد انتهى من ملابسه وعطره الذي فاح بالغرفة وهو يتحدث بالهاتف ولأول مرة تتابع حديثه الذي تعلق بالعمل وقد لاحظت عصبيته وهو يتحدث فجلست على طرف الفراش تتابعه إلى أن انتهى فقالت
“ماذا تعني بأن الخسائر كثيرة؟ ما الذي حدث؟"
نظر لساعته وهو يضع الهاتف بالجاكيت ويقول "خسائر بالعمل"
نهضت ووقفت أمامه قبل أن يذهب وقالت "أي خسائر ولماذا؟"
كان يعلم أنها ستعرف من الصحف أو من والده فنظر لوجهها وقال "البورصة تصيبنا بخسائر كثيرة"
قالت "لماذا؟ اسمك وسمعتك توقف كل ذلك"
قال مبعدا نظراته عنها "اسمي وسمعتي بعيدا عن زينة وزوجتي وصراعهم على الملأ نعم لكن الآن أصبح اسمي مثار للقيل والقال وبمجالنا لا مجال حتى للتجربة أمثالي حياتهم ليست ملكهم ولا احترام للخصوصية فيها"
شعرت بالخجل من نفسها فهي ساهمت بهذا الدمار فقالت "أنا آسفة لم أقصد الضرر بك بأي وقت"
هز رأسه وقال "أعلم، زينة تدفع بكل قوتها وأنتِ لم يكن لك علم باللعبة التي تلعبها وهي دفعتك لها، لا تلومين نفسك أي امرأة بمكانك كانت سترد بقوة"
أخفضت وجهها وقالت "هي أيضا ترد بقوة وتريدك بنفس القوة فأنت"
ولم تكمل فابتعد من أمامها وقال "هي فقط ترفض تصديق أني تزوجت امرأة أخرى سواها، هل ستكونين بخير؟ ربما لا أعود الليلة"
هزت رأسها بالإيجاب وقالت "نعم لا تقلق لو باستطاعتي مساعدتك بأي شيء فافعل"
هز رأسه وتحرك للخارج وهي تراه قويا لم يضعف فقط ملامحه الجامدة لا تخبرها بأي شيء وهي لا تعرف ماذا يمكنها أن تتوقع من القدر فقد منحها الكثير من الضربات التي أسقطتها كثيرا ولكنها تنهض مكملة لأن لا بديل لديها سوى أن تكمل..
تابعت أخباره على الميديا وأدركت أن الصحافة الصفراء تدمر الناس بسهولة فشعرت بغضب يجتاحها وعندما انتصف الليل تمنت لو تهاتفه لتعرف أخباره لكنها تفاجأت أنها لا تملك رقم هاتفه فأغمضت عيونها وأدركت أنها ليست بالمكانة التي كانت تظنها أو تريدها
حاولت أن تنام بدون فائدة وبالصباح كانت غرفة الأب هو أول مكان فكرت به وهي تدق الباب وتدخل وقد كان يتابع الجريدة وعم سيد يقف بجواره، نظرت له لتحييه ثم قالت "صباح الخير عمي"
أبعد الجريدة بغضب وقال "تعالي ملاك وأخبريني ماذا حدث من تلك المرأة ومنك؟"
وقفت أمام فراشه وقبل أن تنطق قال "لا تحزني على ما فقدته ما زلت صغيرة ويمكنك تعويضه، هيا تحدثي عنها"
خرج سيد بينما حكت له ما حدث مع زينة فقال بغضب "وكيف سمح لها أن تتحدث معك بتلك الطريقة؟ هو يعلم أن زينة تستحق جهنم"
تراجعت بدهشة وهي تسمع لكلماته وقالت "ترك لنا الدفة عمي، زينة"
قاطعها "زينة تلعب بطرق غير شرعية وكل ما تريده هو أن تظل بالمقدمة مهما كانت الطريقة، امرأة لا تقبل الهزيمة، وقت أن كان خاليا بدون زواج كانت تمرح مع هذا وذاك والآن تطارده كي تثبت للعالم أنها لا تهزم وابني لا يلعب بطريقتها ويترك لها الساحة"
نظرت له وقالت "ربما لا يريد أن يردها عمي"
تراجع الرجل بدهشة وهو يسألها "وماذا يعني هذا؟"
تحركت مبتعدة وقالت "ربما هو يريد ذلك، أن يعيدا ما كان بينهم"
ضحك بسخرية وقال "هذا لن يكون لو سمح هو به فلن أسمح أنا، ليست هذه المرأة التي تمنحني حفيد لن أوافق أبدا"
حدقت به وانتقلت الدهشة لها من موقفه وقالت "حتى لو كان يريدها؟"
هز رأسه بإصرار وقال "حتى لو وهو يعلم ذلك ولن يجرؤ على فعل ذلك معي لكان طلقك بعد ذهاب الجنين وعاد لها ليوقف كل ذلك، يوسف لا يتراجع عن قرار اتخذه بأي يوم وانفصاله عن زينة قرار ليس من السهل عليه الرجوع به"
عادت لفراش العجوز وقالت "وما سبب انفصالهم؟"
لم يفلتها وهو يجيب "لا أحد يعلم، فجأة وجدناه يلفظها ويرفض التصريح بالسبب وهي حاولت إعادته ولكن فشلت فتركته ووجدت ضالتها مع سواه حتى كان ما كان بينكم"
تذكرت الجريدة وقالت "ولكنها كانت معه بالحفل الذي سبق العالمين"
هز رأسه بالنفي وقال "ربما ولكن ليس كما تظنين، الحفلات مكان مفتوح للجميع والوجوه تتقابل بكل وقت دون موانع ولا يعني هذا اتفاقهم"
كانت كلماته حقيقية فلم تجادل بينما عاد يقول "هو حتى لا يرد على الهاتف أحتاج لمعرفة إلى أي حد وصلت الأمور"
قالت "بالتأكيد ظروفه لا تسمح عمي"
لم يرد وهي تقول "سأحضر لك القهوة ونلعب دور جديد"
ولكنه قال "تعالي ملاك ما زلت متعبة اذهبي لغرفتك وارتاحي واكتسبي لونا أفضل من هذا الأصفر الذي يجعلك كالأموات، النساء تتصارع على زوجك وأنت تتجاهلين حتى مظهرك أمامه ألا تهتمين؟"
احمر وجهها من كلماته وتذكرت كلمات يوسف وهو يقول "اهتمي بأشياء أخرى" هل كان يعني ذلك؟ هل أرادها أن تهتم بمظهرها من أجله؟ لا بالتأكيد لا فما بينهم لم يقم على الاهتمام بل الانتقام ولكن بعد ضياع الجنين لم تعد تعلم ما الذي سيبقيها كزوجة له
لم تراه لليوم الثاني أيضا عندما سمعت سيارته تدخل الممر بوقت متأخر جدا من الليل فأسرعت للنافذة لترى السائق يفتح له فنزل وأغلق جاكته وتحرك للداخل ولم ترى ملامح وجهه وانشغلت بقلبها الذي يتراقص فرحا برؤيته وكأنه عاد للحياة بعودته، ترى ماذا فعل بعمله؟ هل نجح في اجتياز الأزمة لذا عاد؟ أم لم ينتهي وسيكمل؟
لأول مرة تنظر لشكلها بالمرآة وفكت شعرها وتركته وهي تمشطه بيدها وتنتظره عندما دق الباب فالتفتت لتراه يدخل، لم يتوقف قلبها وإنما زادت الدقات وتوالت الأنفاس تسابق بعضها البعض وهي تنظر بعيونه المتعبة وهو يقول
"مساء الخير"
ضمت يداها بعضها ببعض وقالت "مساء النور، كيف هو العمل؟"
فك ربطة عنقه دون أن يخلع الجاكيت وجلس على أقرب مقعد وقال "لا جديد"
نظر لها وما زالت متجمدة بمكانها فأكمل "الخسائر كبيرة، ربما أعود للبداية"
تحركت إليه وجلست بالمقعد المجاور وهو يتبعها بنظراته وقالت "لا يهم أنت من صنع المال وليس العكس وما حققته بيوم يمكنك تحقيقه مرة أخرى بل مرات كثيرة"
دار بوجهها لحظة قبل أن يقول "كنت صغيرا وقت بدأت وأخذ مني سنوات كثيرة لم يعد باقيا ما يماثلها بعمري لأعيد ما كان"
ولكنها لم تعجب بكلماته وقالت "أخذت منك الكثير لأنك كنت صغيرا بلا خبرة وكنت تخوض تجربة وأخرى لكن الآن لديك من الخبرة ما يجعلك تجتاز الأمر بسهولة"
قال بهدوء "يمكنني منحك حريتك الآن"
شحب وجهها من المفاجأة وجف حلقها ولم تجد إجابة سوى أنها سألته "أنت تريد ذلك؟"
نهض وهو يبعد ربطة العنق ويفك أزرار قميصه ويقول "بل أخبرك أني ربما لن أظل الرجل الثري الذي تزوجته ولن أمنحك ما كنت تحلمين به"
نهضت وقالت "أنا أيضا ليس لدي ما أمنحه لك سوى تحقيق انتقامك من حمزة أخي"
التفت لها وقال بجدية "لم يعد الانتقام هدفي الآن لدي الأهم صدقيني"
لم تجد ما تقوله فظلت تنظر له وهو يقترب عائدا إليها حتى وقف أمامها وهي ترفع وجهها لتصل لعيونه التي تواجهها وقالت "إذن الأمر لك"
سقطت رموشه على عينه وهو ينظر لها من أعلى وقال "لست بحاجة لطلاق يحكم الدائرة علي فهل نؤجل الأمر أم لا تريدين التخلي عن حلمك؟"
تمنت لو تخبره أن حلمها هو البقاء معه للأبد ولكنه لن يصدقها وكل ما استطاعت أن تقوله وهي تخفض وجهها كي لا يرى أحزانها "الأحلام يمكنها الانتظار، أنا لا أريد الطلاق"
هز رأسه وإجابتها لم تمنحه ما أراد كلماتها تعني أنها تؤجل الطلاق حتى تنتهي الأزمة ولكن هذا أيضا يعني أن الأموال ربما لا تعنيها، قال "لو خسرت كل شيء.."
قاطعته بقوة "لو خسرت كل شيء فما زلت تملك عقلك ونفسك وأحبابك"
ضاقت عيونه وهو يقول "من الأفضل تحريرك قبل أن تعودي لتلك الحياة معي"
أبعدت عيونها وقالت "ربما معك لن تكون مؤلمة، أقصد"
وابتعدت ولكنه أمسك معصمها وهو يوقفها ويقول "أيا كان ما تقصديه لن نصل لتلك المرحلة ما زال هناك الكثير قبل أن ينهار اسم السمنودي"
نظرت له وقالت "وأنت لن تدعه ينهار أنا أعلم ذلك"
ظل ينظر لها وهو لا يفهم موقفها لقد ظن أنها ستهرع للحصول على حريتها وستكون سعيدة لانهياره وربما هو بالغ كثير بظروف عمله أمامها ليختبر مدى بقاءها معه من عدمه وقد ظن أنها سترحل بحثا عن المال بمكان آخر مثل غيرها من النساء ولكنها بدلا من ذلك تتمسك به وتدفعه بكلمات حماسية اندهش منها، لم يرد أن يتأثر بالموقف الآن فهو لن تعجبه أحكام عقله بالوقت الحالي فترك يدها وهو يبتعد ويقول
"لابد أن أذهب الطائرة بالخامسة فجرا"
كان يخلع الجاكيت عندما صدمها الأمر وهي تردد "طائرة؟"
فك قميصه وقال "نعم، لدي خطط كثيرة لمواجهة الأزمة وسفري للخارج يساعد كثيرا، لا أعلم متى سأعود فقط اهتمي بنفسك جيدا وبأبي"
الخبر صعقها لأول مرة يسافر بعد زواجهم ولن يأخذها معه، دخل الحمام ودق الباب ودخلت زينة تقول "هل أعد حقيبة سيد يوسف"
هزت رأسها بالنفي وقالت "لا سأفعل أنا زينب، شكرا لك"
وبالفعل تحركت وهي تريد أن تفعل ما يجعلها تشعر أنها زوجته، تهتم به وبما يخصه، أرادت أن تعيش كما كانت أمها تعيش مع والدها بالحب، تفعل له كل شيء لأنها تحبه تفضله حتى على نفسها
عندما خرج وجدها تكمل وضع ملابسه بالحقيبة فاندهش وقال "أين زينب؟ أخبرتها أن تعد الحقيبة"
لم تنظر له وهي تكمل ما تفعله وأجابت "نعم ولكني أخبرتها أني سأفعل ربما تنسى شيء"
ظل واقفا لحظة قبل أن يقول "لها سنوات تفعل"
نظرت له ولا تعلم ماذا أرادت أن تثبت بما تقول ولكنها قالت "لم أكن زوجتك"
تحرك تجاهها وهو يبعد المنشفة عن رقبته وصدره العاري المغطى بشعيرات سوداء تعرفها جيدا ما زال الماء عالقا بها والمنشفة الأخرى تلف وسطه، وقف أمامها وقال "ليس عليك أن تفعلي"
أبعدت وجهها عنه وعادت لتضع آخر الملابس وقالت "أنا أعرف ما علي جيدا، لقد جهزت لك ملابس على الفراش و"
يده التي قبضت على معصمها مرة أخرى أوقفتها جعلتها تعتدل وتنظر له وشعره مبلل وغير ممشط وجهه ناعم بعد أن أزال شعر ذقنه فبدا طابع الحسن مثيرا، صوته العميق أعادها لوجهه "ما الذي تريدين إثباته ملاك؟"
لم تتراجع ولم تضعف وقالت "لا شيء، لماذا يجب أن أريد شيء من وراء تصرفاتي؟ أنا أفعل ما رأيت أمي تفعله مع أبي هكذا تعلمت وهكذا أتصرف"
ظل ينظر لها محاولا تصديق كلماتها حتى قال "ولكنك لست أمك ولا أنا والدك، الأمور مختلفة تماما وبوقت ما كنت ترفضين القيام بواجبات الزوجة"
أبعدت وجهها وهي تعلم أنه على حق ولكنها قالت "ربما ولكني بالنهاية اعترفت أني زوجتك وأنت زوجي وطالما سأظل زوجتك فسأقوم بواجباتي كما تعلمت ولك الحرية بأن تقبل أو ترفض فقط أخبرني عندما لا يعجبك الأمر"
زادت دهشته من كلماتها وجذبها لتقف أمامه ورفع يده لوجنتها كعادته ودسها بشعرها المنساب بليونة ويسر وقال "وهل كان والدك يحصل على كل حقوقه دون فصال"
وجذب وجهها له ولأول مرة يقبلها برقة وليس بقوة كما اعتاد أن يفعل، أغمضت عيونها وانسابت قبلته كالنار تأكل جسدها، تنبض بالحياة داخلها تعيد لها تلك الثقة التي اهتزت داخلها بأنه ما زال يريدها وأن زينة حتى ولو كانت تنافسها فربما هي ما زالت تربض بالمقدمة وربما توقف صراعاتهم المستمرة قليلا ليأخذوا أنفاسهم
استجابت لقبلته بسرعة لأول مرة ووجدها ترتفع لتقترب منه فضمها له أكثر فأحاطته بذرعيها وما زال يقبض بقوة على شفتيها دون رغبة بأن يفلتها وتلك القبلة تختلف كثيرا عن السابقين كانت لها حلاوة من نوع آخر وكأنها تجذبه لعنان السماء استجابتها هذه المرة تضعفه تجعل رغبته تتضاعف ولكن لا الظروف ولا الوقت تجعله يأمل بما وراء تلك القبلة لذا عندما شعر بأنفاسها تتركها أفرج عن شفتيها قليلا وهو يهمس
"سنتناقش بتلك الواجبات عندما أعود ملاك ولكن احذري لأني لو نلتها وأعجبتني فلن أتنازل عنها أبدا"
لم يفلتها وهي ما زالت تنظر بعيونه ثم قبلها برقة وقال "لابد أن أذهب"
انتبهت ليدها فأبعدتها عنه وتحرك هو ليرتدي ملابسه ويرحل تاركا قبلة أخرى على شفتيها لمستها بأصابعها وهي ترى الباب يغلق خلفه والدموع تحرق عيونها بلا سبب سوى أنه سيرحل ويتركها للوحدة التي لا تريد أن تعيشها..
يتبع..
أنت تقرأ
بريئة بقلمي داليا السيد
Romansaلن أكون يوما بريئة بنظرك حتى لو منحتك قلبي ستقتلني بلا رحمة