الفصل الرابع عشر

170 14 9
                                    

الفصل الرابع عشر
ذبحة صدرية
توقف على باب غرفة الطوارئ بالمشفى الذي انطلق له الاسعاف والجنون يكاد يضربه والشعور بالذنب يقتله فهو من وضعها بكل تلك الضغوط للمرة الثانية بالمرة الأولى فقدت جنينها وتلك المرة قد تفقد حياتها
تحرك بلا هدى وهو يفرك يداه بعضهما البعض حتى ابيضت أصابعه عندما خرج الطبيب فاندفع له وقال "ماذا بها دكتور؟"
نظر الطبيب له وقال "ذبحة صدرية غير مستقرة سيد يوسف، حالتها غير مستقرة وسيتم نقلها للعناية المركزة"
اصفر وجهه ولفته الصدمة وأوقفت الكلمات وهو يردد "ذبحة صدرية!"
هز الطبيب رأسه وقال "نعم، من الواضح أن ضغط الدم كان مرتفع لدى المدام بالأيام الأخيرة وهي لم تنتبه له لأنه حتى الآن ما زال مرتفع، وربما تعرضت لضغوط نفسية قوية فالضغوط والتوتر والغضب يزيد من ارتفاع ضغط الدم أيضا ويمكن أن تؤدي زيادة الهرمونات التي تفرَز أثناء التوتر إلى تضيق الشرايين وتفاقم الذبحة، نحن الآن نبدأ العلاج بمحاولة لزيادة تدفق الدم إلى القلب تجنبا لنوبة قلبية وإن لم تنجح الأدوية في منع انسداد الشريان التاجي سنحتاج لجراحة قلب مفتوح لاستبدال الشريان المسدود بآخر لتوصيل الدم للقلب"
تراجع من كلمات الطبيب ولم يصدق أن زوجته الشابة اليافعة يمكن أن يحدث لها كل ذلك فشعر بأنه يحمل جبال على أكتافه وهو يحاول استيعاب ما حدث حتى قال "ومتى ستستقر حالتها؟"
قال الطبيب "العناية هنا فائقة والأطباء أيضا لذا إن شاء الله تستقر الحالة دون حاجة لجراحة، لا داعي لوجودك لن يمكنك رؤيتها اليوم"
لم يرد واستأذن الطبيب وتركه وذهب وهو يشعر أن الظلام يحل من حوله والبرد يتملكه، هو يطلب منه أن يرحل ويتركها، كيف؟ هو لا يمكنه أن يفكر مرة أخرى أنها ليست معه، هو السبب بكل مرة يضغطها بقوة وهي لا تتحمل فتنهار بلا مقاومة أو ربما تقاوم وهو لا يشعر بها، الآن هو من يشعر بألم بقلبه ومنذ أن طالبته بذاك الاتفاق وهو يعاقبها على ذلك، هو يعاقبها لأنه ظلمها وأهانها وهي أرادت أن تستعيد كرامتها وبدلا من أن يعتذر عن أخطاؤه معها هو يعذبها ويؤلمها ويدفعها للهلاك بدون رحمة حتى كاد يقتل قلبها وهي التي كانت بالأمس تتحمل الإهانات بصمت من كل من حولها من أجله وأجل ألا تضر بسمعته وبالنهاية هو يؤلمها ويجرحها بزينة أكثر امرأة هي تكرهها لأنها غريمتها وبيوم ما كانت عشيقته وهي تعلم، ماذا أراد أن يفعل بها؟ لقد سقاها من الألم ألوان حتى أصاب قلبها بالصميم وانهار من كثرة الضغوط
تحرك لخارج المشفى وأشعل سيجارة ونفخ دخانها بقوة الألم والحزن بل والغضب من نفسه، احتضن الولاعة بيده بقوة وكأنه يحتضن صاحبتها التي تتركه للوحدة والألم، تحرك لسيارته وقادها بلا هدى عندما رن هاتفه وعاد لمكتبه وتابع بعض الاعمال دون تركيز
لم تأخذه الأمور من زوجته وترك مدير مكتبه  لمتابعة أعماله وقبل التاسعة مساء كان بالمشفى عندما قابله الطبيب فقال "كيف حالها؟"
قال الطبيب "الحمد لله الحالة أفضل وتستجيب للعلاج وإن شاء الله لا نحتاج لجراحة"
تنفس براحة وقال "أريد رؤيتها"
هز الطبيب رأسه بالموافقة وقال "تمام ولكن برجاء ألا تجهدها هي ليست بحاجة لأي ضغوط أو جهد"
هز رأسه وتحرك لداخل العناية باحثا عنها وسط الأسرة التي تبتلع مرضاها في سكون حتى وصل لفراشها خلف ستار غليظ، كانت مغمضة العين وأنبوبة الأكسجين داخل أنفها ومحلول متصل بذراعها وأجهزة متنوعة متصلة بجسدها
تأملها ثم تحرك ببطء لفراشها حتى توقف بجوارها وانحنى حتى اقترب من رأسها وهمس "ملاك"
فتحت عيونها عندما سمعت صوته وقد ظنت عندما أفاقت ولم تجده أنه لن يأتي وقد تركها لتلقى الموت وحدها ولكنها الآن تسمع صوته وفتحت عيونها لتتأكد من أنه هو وقد كان بالفعل
كانت عيونه مظلمة كالعادة وكأنها تسبح في بحر الظلمات بدون هدى، هتف بنبرة خافتة "هذه المرة أنا آسف حقا ملاك، أسف أعلم أنه لا يمحو أي شيء ولكن لابد أن أنطق به"
قالت بتعب واضح "أنا لا أريد أسفك يوسف"
هز رأسه بتفهم وقال "حسنا، ماذا تريدين إذن ملاك؟"
ظلت صامتة لحظة قبل أن تقول "بل ماذا تريد أنت مني يوسف؟"
أبعد وجهه عنها لحظة ثم عاد لها وحدق بعيونها وقال "أن ننسى ما كان ملاك، أن نبدأ من جديد، أنا لا أريدك فقط أم لابني أخبرتك من قبل  أني أريدك زوجة وشريكة بالحياة وما زلت أريد ذلك ولو لم أكن أريده ما أبقيتك لحظة على ذمتي، هذا هو ما لا تصدقيه ورغم ذلك أخبرتِ أنت نفسك به زوجة محمود، هذا هو ما أريده ملاك لكني لا أعرف ماذا تريدين أنتِ؟"
تمنت لو أخبرته أنها تريد قلبه وحبه ولكن يكفيها أنه يريدها أن تكون له زوجة، قالت "أريدك أن تصدق أني بريئة وأني لم أكن تلك الفتاة"
وضع إصبعه على شفتيها ليوقف كلماتها وقال "لا أريد أن أسمع تلك الكلمات مرة أخرى أنا لو لم أكن أعلم ببراءتك ما تركتك لحظة بحياتي ولا قبلت بك أم لأولادي، هل ننسى ملاك كل ذلك؟ ننسى حمزة ونترحم على حياة وننتبه لحياتنا وابننا ومستقبلنا؟ هل نفعل؟"
نظرت له بتعب وقالت "والماضي"
عاد وقال "أخبرتك أن لا مكان له الآن بحياتنا لقد صدقتك ملاك، أقسم أني صدقت أنك بريئة ولا أريد أن نعيد أيا مما كان"
قالت "أنت لا تفعل ذلك لأني"
رفع إصبعه لفمها مرة أخرى وقال بحنان "أنا أفعل لأنه الحقيقة ملاك وليس لأنك مريضة، هذا ما أريده أن ننسى كل ما كان نلقيه خلفنا ونبدأ من جديد معا وبيننا ابننا، أن تقبلي أسفي هذه المرة لأنه أسف حقيقي على كل ما صدر مني تجاهك من فعل أو قول، فقط هذا ما أريده فهل يمكنك قبول طلبي بل رجائي"
لم تكن هناك أقوى من تلك الكلمات لتوقف أحزانها وغضبها منه فهزت رأسها بالإيجاب وقد قبلت اعتذاره، هي أيضا تريد تلك الحياة التي تحدث عنها فقد تعبت من كل ما واجهته ولا يمكنها أن تلف وترحل مرة أخرى لأن لا أحد لها ولن تقوى على مواجهة الحياة وحدها بابنها
انحنى أكثر وقبل جبينها وهمس "أعدك ألا نعود للخلف أبدا مرة أخرى، حقا أنا لا أستطيع العودة للبيت بدونك ملاك فمتى ستعودين؟"
قالت وهي تتمنى أن تكون تلك المرة آخر أوجاعها كما قال وكلماته تلك ربما تشفي قلبها المريض "ما أن يمكنني أن أترك ذلك الفراش"
ابتعد عندما سمع صوت الطبيب يقول "نكتفي بهذا القدر سيد يوسف، المدام بحاجة للراحة"
عاد وقبل جبينها وقال "لا تتأخري علي مولوكيلا"
هزت رأسها بالموافقة وقد اشتاقت لهذا الاسم الذي ينطقه بطريقة تجعلها ترى يوسف الذي تحبه وترى العاطفة الملتهبة بعيونه وتنسى يوسف الغاضب والذي تخافه ويجعلها ترتجف
تحرك للخارج وعاد للبيت أخيرا وما أن دخل حتى وجد زينة تقف بانتظاره فتوقف أمامها وقد كان يومه مرهق ولا مجال لتلك المرأة التي تحركت تجاهه وقالت "تأخرت حبيبي"
ظل ثابتا بمكانه قبل أن يقول "ماذا تريدين؟"
داعبت ربطة عنقه بيداها وهي تنظر بعيونه وقالت "البيت لنا وحدنا ففكرت أننا يمكننا الاستمتاع قليلا"
أمسك يداها وأبعدها وقال بضيق واضح "زينة هل أنت بشر طبيعي كباقي البشر؟ أنا وأنت بيننا حرب وكلانا يريد تدمير الآخر وتخريب حياته وتظنين أني يمكنني أن آخذك لفراشي؟ هل تتمتعين بأي عقل داخل رأسك هذا؟"
وتحرك بعيدا للداخل بينما استدارت هي له وضحكت بدلال وقالت "الحرب يمكن أن تنتهي بلحظة يوسف وأنت من بيده الخلاص، فقط نوقف كل شيء ونعيد أيامنا السابقة ونبدأ من جديد، تلك الفتاة لا تصلح لك، ها أنت رأيت ما قالته الصحف عنها و"
التفت لها والغضب الخارج من عيونه يكاد يأكلها وصوته العميق يقول "كلمة أخرى عن زوجتي ولن تخرجي من هنا سليمة ولن يمكن لأحد أن يتعرف على جثتك، ما بيننا من حرب لن ينتهي إلا بدمارك ولا تفكري لحظة بأني يمكن أن أفكر بك مرة أخرى لقد انتهى ما كان بيننا زينة أنا أفهم ما تريديه وهو ليس حب أو علاقة رجل بامرأة أنت فقط لا تريدين الاعتراف بالهزيمة وأن رجل لفظك من حياته ولكنك نسيت أنك من فعل ذلك وعليك بدفع الثمن"
قالت بغضب "لو كنت تحبني لغفرت لي يوسف إنه مجرد خطأ"
قال بنفس العمق "تجيبين على نفسك زينة أنا بالفعل لم أحبك ولو فعلت ما تركتك لذا لم يعد هناك مجال لعودتنا لأني لا أحبك ولا أريدك فهل تبتعدي عن حياتي وتنسي أنك عرفتني بيوم ما؟"
كانت غاضبة وهي تجيب "من أجل تلك الفتاة؟ لا تخبرني أنك تحبها"
أجاب "اسمعي زينة الزواج ليس علاقة عادية كما تظنين فهو علاقة من طرفين متفاهمين اتفقا على إقامة أسرة قائمة على الترابط والتفاهم فيما بينهم تنازل من كلاهم كي تنجح الحياة وأشياء أخرى أنت لا تعرفينها ولا يوجد بتلك العلاقة كيف كانت الزوجة قبل الزواج بل ماذا أصبحت منذ عرفتها فما كان من ماضيها لا يخصني فقط منذ حملت اسمي هو ما أحاسبها عليه لذا كفى زينة أنا حقا مللت من تصرفاتك التي لا معنى لها"
ظلت تنظر له وأخيرا قالت "وأيمن النجار وصورتهم معا"
قال بهدوء "تقصدين خطتك الجديدة بعد فشل خطة وحيد؟ لا يوجد أحد لا يعرف النجار ولا أحد أيضا لا يعرف علاقته بك لذا لا تعليق على لعبتك الفاسدة، لا تضعي النجار بطريقي لأني لن أرحمه لو فعل ولن يعجبه أنك السبب"
شحب وجهها فاستدارت مبتعدة والصمت يلفها قبل أن تقول "أخبرتك أني بحاجة لأموال"
نفخ بقوة قبل أن يقول "حسنا زينة سأفتح لك باب صغير لتستعيدي نفسك لكن أقسم أنك لو عدت مرة أخرى لأفعالك هذه فلن تلومي إلا نفسك ووقتها لن يوقفني أي شيء"
هزت رأسها وتحركت خارجة فتابعها ثم تحرك لأقرب مقعد وألقى جسده المنهك عليه وأحاط وجهه بيديه حتى سمع زينب تقول "كيف حال المدام سيد يوسف؟"
رفع وجهه لها وقال وهو يفك ربطة عنقه وزر القميص "ما زالت بالعناية زينب"
قالت بحزن "مسكينة، شابة صغيرة لا تستحق ذلك"
نهض وقال "كيف حال أحمد؟"
قالت "بخير ميرفت ترعاه جيدا لا تقلق"
صعد ودق باب غرفة أحمد، لحظات وفتحت ميرفت فدخل ووجد الطفل نائم ولكنه حمله وقبله ثم ضمه لصدره وقال "سأبقى معه قليلا"
تحركت للخارج وتركته مع الطفل فعاد يقبله وهمس بأذنه "ألا تدعو لماما بالشفاء حبيبي؟ أنا أفتقدها جدا، لا أستطيع تحمل فكرة أنها ترقد هناك بالمشفى وأني لا أستطيع أن أعيدها إلى هنا، لا أعلم كيف أخبرها أني أحبها، ليتها تدرك ذلك"
قبل الطفل الذي كان نائما لا يدري شيئا عن العالم من حوله ولا يشعر بألم والده ولا مرض أمه فقط ملاك صغير كأمه البريئة
تحسنت حالتها باليومين التاليين حتى خرجت من العناية باليوم الثالث وانتهى الطبيب من الاطمئنان عليها بغرفة عادية ثم التفت له وقال "لو تحسنت غدا يمكنها الخروج لكن مع تعليمات خاصة لابد من اتباعها"
نظر الطبيب لها وقال "لا أرجح الحمل بالوقت الحالي مدام ما زال القلب متعب"
هزت رأسها وقالت "لن أفعل الآن أبدا لدي طفل عمره شهر دكتور"
ابتسم وقال "هذا رائع لكن المجهود صعب على الأقل اسبوع قبل أن تعودي لممارسة حياتك"
قال هو بهدوء "لن تفعل سأتأكد بنفسي من ذلك"
قال الطبيب "حسنا سأمر بالصباح كي نقرر خروجك من عدمه"
خرج الطبيب فجذب مقعد وجلس بجوار الفراش وهي تجلس وتنظر له وهو يقول "على فكرة أنا لم أتنازل عن أولادي الخمسة"
ابتسمت بوجه متعب وقالت "ولكني أصبحت امرأة مريضة"
قال "الآن فقط وسأتأكد من راحتك كي تستعيدي نفسك وتنجبي باقي أولادنا"
ظلت تنظر له حتى قالت "لم تسافر للسخنة؟"
تراجع وقال "هل أثر المرض على عقلك ملاك؟ لديك شك أني أسافر وأتركك؟ أو أن العمل أهم منك؟"
أخفضت عيونها فأمسك يدها فرفعت عيونها له فقال "ألم نتفق ملاك؟ لماذا تتراجعين؟"
قالت بصدق "لا أفعل، فقط لا أريد أن أكون سبب بتأخير نجاحك"
ضم يداها بين يديه وقال "تقللين مني مولوكيلا وتبالغين بتأثيرك على عملي ولكن سأتجاوز عن كلماتك بسبب مرضك، هيا ملاك لنكف عن لعبة القط والفأر هذه؟"
قالت بحيرة "هل تتوقف أنت عن كلماتك التي تحمل معاني كثيرة لا أفهمها؟"
قال بصدق "حاضر سأفعل، أنا أتلهف لعودتك للبيت وأنت تخشين من العودة ربما أعيد ما كان أليس كذلك؟"
هزت رأسها فعاد وقال "وأنا وعدتك ألا أفعل وأعيد الوعد مرة أخرى فهل ننسى"
عادت لتهز رأسها فعاد وقال "سنذهب السخنة سويا بمجرد أن يسمح لك الطبيب، أريد رأيك الهندسي بالمشروع فهل ستكوني زوجة متعاونة؟"
تلألأت عيونها ببريق منحها جمال طبيعي وهي تقول "هل تريد ذلك فعلا؟"
لم يترك يدها وقال "بالتأكيد، ليس لي خبرة كافية بأمر الفنادق، الفندق الوحيد الذي نملكه يسير بوجه جيد لكن أن نقيم جديد فهذا يحتاج لرأي خبير بالمكان وصلاحيته"
كانت سعيدة بكلماته واكتفت بها ووافقت على ما أراد، أمضى طوال اليوم معها لم يرحل فقط يجيب هاتفه الذي لا يتوقف ثم يعود لها ليكملا حديثهم وكأنهم يتعارفان من جديد وتناولا الغداء ثم العشاء وانتهى اليوم وقد أصبح القلب بوجود حبيبه بجواره أقوى من الفولاذ وناداه قلبها بألا يفترق عنها مرة أخرى وتمنت لو سمع نداء قلبها ولكنها اكتفت بوجوده الجديد بالنسبة لها وكأنه رجل آخر لا تعرفه..
وأخيرا عادت إلى البيت وكالعادة حملها إلى غرفتها وما أن وضعها بالفراش حتى ظلت تحيطه بذراعيها وهو يقول "هل هناك مكان لي بهذا الفراش؟"
احمر وجهها ودق قلبها وقالت "لم أعد أفضل النوم وحدي قد أتعب بالليل ولا أجد أحد معي"
نظر بعيونها الجميلة ورفع يده لوجهها ولم يبتعد وهو يقول "لن أتركك وحدك مرة أخرى مولوكيلا حتى ولو دفعت عمري ثمنا لبقائك معي"
رقص قلبها من كلماته وهمست "حقا؟"
ولولا وجود زينب لطلب قبلتها التي اشتاق لها ولكنه اكتفى بأن قال "لك كلمتي مولوكيلا"
وقبل جبينها ثم ابتعد ونظر لزينب وقال "عليك بمتابعتها حتى تصل الممرضة، المجهود غير مسموح به زينب أنت المسؤولة بغيابي"
ابتسمت زينب وقالت "بعيوني سيد يوسف، أخيرا البيت أضاء من جديد مدام"
شكرتها بصدق وعاد هاتفه يرن فأجاب بينما قالت لزينب "أريد رؤية أحمد زينب"
بنهاية الاسبوع كانت قد تحسنت كثيرا وأذن لها الطبيب بممارسة حياتها بشكل طبيعي ولكن مع مراعاة الدواء واستعدت للرحيل معه للسخنة وبالصباح كانت تركب السيارة بجواره وأحمد بمقعده وميرفت بسيارة أخرى خلفهم فقال
“لو شعرت بأي تعب"
قاطعته "أنا حقا بخير يوسف كف عن قلقك هذا"
تأملها ثم جذب يدها ليده وقال "لا أريد أن أعيش تلك الأيام مرة أخرى ملاك"
وضعت يدها الأخرى على يده وقالت "المكتوب مكتوب يوسف والحذر لا يمنع قدر"
ولكنه قال "ولكن ليس علينا أن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة ملاك ونقول قدر، لن أسمح بتكرار ما كان"
ابتسمت بسعادة واكتفت باهتمامه الواضح وكلماته المريحة ولم تطلب أكثر من ذلك طالما هو معها ولا مكان للخوف وإن كانت تخشى من أن تصدق لتصطدم بألم جديد منه
نظرت له وقالت "هل أسأل عن زينة؟"
أبعد وجهه قبل أن يقول "ليس أمامها إلا أن تلزم عشها لأنها لو لم تفعل ستفقد كل شيء فأنا حاصرتها وأغلقت كل أبواب العمل أمامها ووقت كنت بالمشفى طلبت أموال فسمحت لها بالقليل شرط أن تبتعد عني وعنك وحتى الآن هي تلتزم بالاتفاق"
حدقت بوجهه وقالت "هي تحاول جعلي أصدق أنك ما زلت تريدها"
لم يفر من نظراتها وقال "وما رأيك أنتِ؟"
قالت "أنت تعرفه يوسف"
هز رأسه وقال بهدوء "نعم ولكن أحيانا عيونك تنطق بغير ذلك"
كانت بالفعل تحمل داخلها ثقة به ولكن زينة لا فهي امرأة وتعلم كيف تثير أي رجل وهو كان على علاقة بها بيوم ما لذا الغيرة تأخذها للغضب، قالت "بعض الغيرة لن تضايقك يوسف"
ضغط على يدها ونظراته الناعسة تسقط على شفتيها وقال بنبرة تذكرها بأيامهم الجميلة "بل تسعدني ملاك، تجعلني أعلم أنكِ تهتمين"
قلبها المريض عاد يدق بدون ألم وهي تقول بصدق "لطالما اهتممت يوسف ولكنك لم تكن ترى"
قبل يدها برقة وقال "كنت أعمى ولكن أعدك ألا أكون بعد اليوم"
ابتسمت عندما أعلن أحمد عن وجوده فتركها لتحمله وتطعمه وهو يداعب الطفل معها بسعادة
عندما وصلا حملت ميرفت الطفل وتحركت هي بجواره للفندق الذي استقبلهم رجاله ليرشدوهم لغرفهم، بالطبع كان عليها أن تعرف أن ميرفت ستكون مع أحمد بغرفة مستقلة وتحرك هو إلى جناحهم بانتظارها
عندما دخلت كان قد خلع جاكته وربطة العنق وحرر أزرار قميصه وجلس يتابع هاتفه باهتمام وهي تغلق الباب وتقول "ظننت خطأ أننا بأجازة"
رفع نظراته لها وقال "متى ظننتِ ذلك؟ لست من المرفهين مولوكيلا"
هزت رأسها وتحركت للحقائب ولكنها تفاجأت به بدون أن تدرك كيف يحيطها بذراعه ويجذبها له فتفزع وهي تتمسك بقميصه بقوة وترفع وجهها لنظراته التي تلقتها وصوته العميق يقول
“لن تفعلي أي شيء ملاك، أنت هنا بأجازة للراحة ولي وحدي"
لانت ملامحها وذهب الفزع وانسابت أصابعها على صدره برقة ولمعت عيونها وهي تنظر له وقالت "ولكنك لست لي وحدي"
انحنى ليصل لوجنتها وقبلها برقة وهو يهمس "أنا كلي لك ملاك، لن يشاركك بي شيء أو أحد، اشتقت لك ملاك"
ووصل لشفتيها ليأخذها له كما كان يفعل وخلا العالم من حولهم فقط الحب هو الشريك الثالث الذي يرافقهم بلحظاتهم الرائعة
عادت من غرفة أحمد لتجده ما زال نائما فابتسمت بسعادة وقد مضى اسبوع لهم هنا بسعادة ما بين البحر والرمال وذراعيه حتى أنها نست أن هناك عالم آخر لهم بالقاهرة
رن هاتفه فأسرعت له لتغلق الصوت عندما رأت اسم زينة فتبدلت ملامحها ووجدت نفسها تأخذ الهاتف وتبتعد للشرفة وتجيب "أهلا زينة"
صمت قابلها قبل أن تسمع صوت زينة "أهلا ملاك، أين يوسف؟"
لم تسمح للغضب أن ينال منها وقالت "نائم"
صمتت مرة أخرى ثم قالت "حسنا سأهاتفه مرة أخرى"
أغلقت الهاتف عندما شعرت به يجذبها من يدها للداخل فضحكت وهي تلتقي بصدره العاري وشعره المشعث وهو يقول "إلى من تتحدثين؟"
داعبت صدره وقالت "صديقتي العزيزة"
ضاقت عيونه وهو يسألها "لا أذكر أن لكِ أصدقاء ملاك"
رفعت يداها لتحيط عنقه بهما وتداعب شعر رأسه رغم قصر قامتها وقالت "أنت من قام بتعريفي بها يوسف إنها مميزة بحياتنا"
ظل يحدق بها فعادت تضحك وقالت "زينة يوسف هل يخفى القمر؟"
نفخ بقوة وقال "ومن أين لك بها"
ضحكت مرة أخرى وقالت "هاتفك، لقد أثار اسمها فضولي على هاتفك فأجبت"
تراجع بدهشة وهو يقول "أنتِ"
هزت رأسها وقالت "هي أيضا تفاجأت بي، هل أنت غاضب زوجي؟"
شد عليها بذراعيه وانحنى ليقترب من وجهها وقال "نعم، غاضب لأنك تتركيني وحدي بالفراش، هل مللت من الأجازة؟"
وتحركت شفتاه على وجنتيها وعنقها فقالت "بل أتمنى ألا تنتهي أبدا يوسف"
ولم يرد وهو يحتويها بأحضانه ممتعا نفسه وهي بكل لحظة وكأنه يريد تعويضها عما أصابها بسببه وهي نست كل ما كان ولم تذكر سوى سعادتها معه وهو يبحث عن النجوم كي يحضرها لها وقد تغيرت معاملته معها تماما وأصبح رجلا آخر أحبته أكثر ولم ترد سواه
بنهاية الاسبوعين كان قد تناقش معها بأمر الأرض والفندق الجديد وقد اقتنع برأيها واتفق على شراء الأرض بغداء عمل حضرته معه وانصرف الرجال تاركين إياهم سويا عندما قالت هي
“سيكون مشروع ممتاز يوسف الموقع رائع حقا"
هز رأسه وقال "نعم أنت أشرت لمميزات لم أراها من قبل، ملاك أظن أنني لابد أن أعود هل ترغبين بالبقاء وحدك؟" 
لم تتبدل ملامحها وهي تقول ببساطة "لا، بالطبع سنعود معك، لقد أمضينا وقتا ممتعا حقا"
ظل ينظر لها بصمت قبل أن يقول "من الجميل أنك استمتعت مولوكيلا، لا أعلم متى يمكنني تكرار مثل تلك الأجازة"
قالت بصدق "لا يهم لم أعتد تلك الأمور، المهم عملك ونجاحك وأحمد بالطبع"
اقترب من المائدة ليقترب من وجهها وقال "وأنتِ ملاك، أنتِ أيضا مهمة بالنسبة لي ولابننا حياتنا لن تكتمل سوى بوجودك وكما ستهتمين بنا علينا أن أقصد علي أن أهتم بكِ لأني لا أريد أن أفقدك ولو للحظة"
ثبتت عيونها على عيونه وشعرت بأن صدرها لم يعد يتسع لقلبها من شدة ما امتلأ بالحب لذلك الرجل ولمعت عيونها بلون الحياة وقالت "وأنا تكفيني كلماتك هذه لأكون بأفضل حال"
بسط يده على المائدة فمدت يدها له فاحتضنها بحنان عرفته هنا فقط وقال بنبرة تماثل لمسته "لا أحب أن أتحدث بالماضي ولكن ربما ما زلت أشعر أني مدين لك بالكثير ملاك"
كانت ابتسامتها الرقيقة تجعله يؤمن أن كل شخص له نصيب من اسمه وهي بابتسامتها لا تبدو سوى ملاك رقيق يمنحه الراحة والطمأنينة، قالت "لست مدين لي بشيء يوسف، أنا نسيت كل ما كان ولا أريد إلا أن تستمر بنا تلك الحياة للأبد"
رن هاتفه كالعادة ليوقف لحظاتهم السعيدة ونفخ عندما رأى اسم زينة ثم رفع نظره لها وقال "صديقتك العزيزة"
تراجعت بالمقعد وقالت "زينة!؟"
أغلق الصوت وقال "نعم، هل نذهب حتى تنالين قسط من الراحة قبل عودتنا بالصباح"
لم تعارضه ولكنها لم تنسى زينة وما أن ركبت السيارة بجواره حتى قالت "ماذا تريد منك زينة؟"
نظر لها بعيونه الناعسة وقال "لم تعد تنتظر أحضاني بالطبع ولكن هناك شركة إعلانات كبيرة كانت قد وعدتها بعقد سنة لولا أني أوقفته وهي الآن تحاول جاهدة الحصول عليه مرة أخرى"
أبعدت وجهها للحظة ثم عادت له وقالت "إلى متى ستظل زينة بحياتك؟"
أبعد وجهه وقال "زينة ليست بحياتي ملاك، زينة مجرد عمل مزعج لا يمكنني التخلص منه بسبب الإزعاج الذي تسببه لي أمام الصحافة"
ثم التفت لها وقال "ليس بحياتي سواك ملاك عليك تصديق ذلك لأني لن أخبرك بذلك مرة أخرى، أنا أطالب بثقة زوجتي"
الصمت مد جسر قصير بينهما حتى قالت "تعلم ماذا أقصد يوسف ليس شيء طبيعي أن أرى اسمها على هاتفك بين الحين والآخر"
أخفض وجهه تجاهها وقال "وما معنى هذا؟ هل يضايقك الأمر؟"
تراجعت والدهشة بعيونها وقالت بضيق "هل تمزح يوسف؟ بالطبع يضايقني ويثير غضبي، لن يمكنك تخيل الجهد الذي أبذله كي أتحكم بغضبي وأنا أتعامل معها"
أمسك يدها وهو يريد ما خلف كل ذلك يريد قلبها له هو وحده، قال "ولماذا كل هذا الغضب مولوكيلا؟"
تراجعت مرة أخرى وهي لا تصدق كلماته وقالت "لماذا؟ وما هو شعورك وأنت تجد اسم رجل على هاتفي يوسف؟"
اسود وجهه وهو يفكر بالأمر وشعر بغضب يبعث الحرارة بجسده وضغطت يده على يدها بقوة وقال من بين أسنانه "لا تلقين بهذه الكلمات أمامي مرة أخرى ملاك حتى ولو على سبيل التشبيه"
أدركت كلماته فأبعدت وجهها وقالت بضيق "حسنا يوسف وأنت أيضا حاول أن تتفهم موقفي، أنا زوجتك وهي بيوم ما كانت على علاقة بك وكانت قريبا تطاردك وأنت تعرف الباقي فما المطلوب مني؟"
أدرك هو الآخر كلماتها وأنها على حق فقال "لا شيء ملاك، سأجد حل لهذا الأمر فقط سأعيد كلماتي لآخر مرة، زينة لا تمثل لي إلا مجرد عمل مزعج"
التفتت له وهزت رأسها بتفهم وهو أيضا متفهم وقد كانت السيارة قد وصلت للفندق فنزلا وأمضيا آخر ليلة لهم سويا
يتبع..

بريئة    بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن