الفصل الثاني عشر

130 14 11
                                    

الفصل الثاني عشر
حياة صعبة
ركبت القطار بدون تردد وحمدت الله أنها لحقت به، جلست بالمقعد الخشبي غير المريح ولكن بالنسبة لها هو أكثر راحة من الثراء الذي كانت تحيا به وهي تنتظر هذا اليوم، كانت تعلم أنها سترحل بيوم ما وكانت تعلم لأين ستذهب لن تجعله يعرف مكانها لا تريد أن تعود له وتعيش تلك الأيام من جديد ولا أن ترى تلك النظرات المهينة بعيونه مرة أخرى فقد أخبرته أنها ستظل تلك المتهمة لنهاية العمر، شباك الماضي ستظل عالقة بها ستجذبها إلى أقصى مكان بعيدا عنه، لم يكن عليها أن تدخل تلك الحياة ولا أن تتبع قلبها الضعيف ولكنها فعلت وعاشت تلك الشهور تنتظر حتى صدر الحكم وها هي تنفذه فبعدها عنه هو الموت ولكن قربه أيضا هو الموت فلا مفر من النهاية فهي واحدة بكل الأحوال ولا فارق لأي شيء
كل ما يعنيها الآن ابنها، نعم هو ولد اليوم فقط عرفت أنه ولد كانت تريد إخباره بعيد ميلاده بأنها ستمنحه وريث يحمل اسمه ابن يجمعهم لآخر العمر ولكنه لم يمنحها فرصة لأي شيء أوقف فرحتها وأنساها إلا الماضي هو فقط ما يعشش بكل مكان بينهم لذا هي لم تتراجع تلك المرة ونفذت ما كانت تعلم أنها ستفعله بيوم ما ورحلت
****
تراجع وحيد بذهول عندما فتح باب شقته ورأى يوسف يقف أمامه بقامته المديدة وينظر له بعيون جامدة لا تعبير بها وعندما ألجمته المفاجأة قال يوسف "عندما لم تكرر زيارتك قررت أنا أن أفعل فأنت لم تكمل ما بدأته معي"
ظل وحيد مذهولا وقد تجمد لسانه داخل فمه فلم ينطق فتحرك يوسف للداخل وهو يقول "يبدو أنك لا تجيد الترحيب بضيوفك وحيد"
ما أن تقدم للداخل وهو يلاحظ الشقة الضخمة حتى رأي زينة تقف بمنتصف المكان ونظراتها ساقطة عليه فلم تتبدل ملامحه وهو يقول "زينة! يا لها من مفاجأة رائعة، كيف حالك عزيزتي؟ تبدين متألقة كعادتك"
جلس على أول مقعد بينما وصل وحيد له وقال "سيد يوسف لابد أن تعرف أن مدام زينة هنا من أجل عمل خاص بنا"
وجه يوسف اعتاد على الجمود ولكن نظراته الساخرة الغاضبة بذات الوقت كانت تتحدث بالكثير عندما نظر لوحيد وقال "بالتأكيد هو عمل أنا لا أشك بذلك ولكن هو عمل خاص بكم و.. وبي أليس كذلك زينة؟"
احمر وجه زينة ووجدت نفسها تتعرق ولكنها لم تستسلم لحالة الضعف التي تنقض عليها أو ربما الخوف من هدوء يوسف القاتل عندما ارتبكت قبل أن تقول "يوسف أنا، لابد أن تفهم أن وجودي هنا لا علاقة له بك أو بزوجتك أنا"
وصمتت عندما أدركت أنها سقطت بالخطأ بذكر زوجته ولكنه لم يبدي أي تعبير على وجهه الجامد بينما قال وحيد "سيد يوسف زوجتك تلعب لعبة خطيرة وهي تريد أن تحصل منك ومني على أموال وبالطبع أنا لم أوافق على ما تريد لذا كان لابد أن أختفي من حياتها كي لا أخسرك فأنا بالطبع لن أفعل من أجل فتاة مثلها"
نهض يوسف وتحرك تجاه وحيد حتى وقف أمامه ونظر له ثم فجأة لكمه بقوة بوجهه حتى كاد يسقطه وهو يقول ببرود قاتل ومخيف "عندما تتحدث عن زوجة يوسف السمنودي تتحدث باحترام"
احمر ذقن وحيد من لكمة يوسف ووضع يده عليها وهو يهتف "أنا لن أتركك ستدفع ثمن ذلك غاليا"
ولكن يوسف لم يتركه وهو يخرج من بروده وينقض على وحيد ويمسكه من ملابسه بقوة ليجذبه له وهو يقول "وأنا أنتظر ذلك أيها الكلب ولكن قبل ذلك أخبرني ماذا فعلت من وراء رسائلك الخسيسة لي؟ هل ظننت أني سأصدق أن زوجتي يمكن أن تخطط مع ندل وخسيس مثلك ضد زوجها؟"
حاول وحيد أن يخلص نفسه من يوسف وزينة تقول "بل هي فعلت يوسف أنت فقط من تظن أنها بريئة ولكنها'
دفع وحيد بعيدا والتفت لها وقال بنفس الغضب "لا أنت هو البريئة زينة، أنت التي لا تصاحب الرجال ولا تسعى خلف الأموال والثراء، هل تصدقين نفسك؟ هل زوجتي هي من تهدد بالفضائح وخراب البيوت؟ ماذا تريدين زينة؟"
قالت بقوة "أريدك أن تندم يوسف، لابد أن تندم لأنك يوما فكرت أن تتركني، لابد أن أدمر حياتك مثلما دمرت حياتي، الجميع ينظر لي على أني البقايا التي لفظها يوسف السمنودي، زينة المعداوي ينبذها رجل من أجل تلك الفتاة، لا يوسف لن أتركك وسأظل وراءك إلى أن أدمر حياتك وحياتها"
قبض يوسف على ذراعها بقوة وقال "وظننتِ أني سأتركك تلهين بحياتي كما تشائين؟ ألم تظني أن هناك رجل يريد حياته التي اختارها ولا يريد من باعته بيوم ما واختارت فراش رجل سواه ولم تتوانى عن إكمال طريقها، لا زينة لا أنتِ ولا ذلك الكلب سيمكنكم تدمير حياتي لأني كنت أعلم بكل تدابيركم التي دبرتموها ولن يفلت أيا منكم بفعلته وأنت بالأول زينة، كل شركات الإعلانات التي تعملين بها لن تفتح لك أبوابها بعد اليوم وسأعيدك إلى الحواري التي جئت منها"
دفعها للخلف بقوة ثم التفت لوحيد الذي تراجع وكأن يوسف سيصفعه مرة أخرى ويوسف يتقدم منه وهو يقول "أما أنت فيكفي الجبن والخوف الذي أراه بعيونك وسأمنحك فرصة واحدة لتنجو بنفسك من عقابي شرط أن لا تنظر خلفك يوم ترحل من هنا، زوجتي خط أحمر وحيد لو فكرت يوما أن تمسها بكلمة واحدة فلدي ما يجعلك تذهب دون عودة هل تفهم؟"
هز وحيد رأسه بخوف واضح بعيونه ثم تحرك للباب ولكن زينة لم تتركه هكذا وهي تقول "لا يوسف لن يمكنك أن تكمل حياتك هكذا فأنا لن أتركك"
التفت مرة أخرى ونظر لها وقال "حسنا زينة وأنا بانتظارك"
ثم تحرك خارجا دون أي كلمات أخرى وهو يعلم أن زينة ستظل تبث سمها إلى أن يقطع نابها وهو سيفعل والآن عليه إيجاد زوجته ويطلب منها السماح لما فعل بها بل ويخبرها أنه يحبها ويريد أن يعيدها له لنهاية العمر
****
نظرت العيون العسلية لملاك بتوجس وقد ظهر الشك بها وبدت التجاعيد زائدة مع انكماش الوجه في محاولة لمعرفة من التي تقف أمامها بعد أن فتحت الباب
قالت ملاك "عمتي صباح أنا ملاك، ابنة أخيك"
كان العمر قد بلغ بالمرأة أرذله وهي تعيش بمفردها بتلك الشقة البعيدة عن العمران بمدينة قريبة من الاسكندرية ولكن لا أحد يعرف أين هي
انفرج وجه المرأة وقالت "ملاك!؟ ابنتي الحبيبة أين كنت؟ تعالي"
حمدت الله أن المرأة تذكرتها فلها سنوات لم تراها واحتضنتها المرأة بقوة ثم استندت عليها لتدخل الشقة وقد كانت الحالة بالمكان صعبة ولكنها تعرف أن عمتها لها أموال من معاشها تنفق به على نفسها كما وليس لها أولاد عاشت دون زواج بعد موت زوجها وهي ما زالت شابة يافعة، عاشت على ذكرى حبها لزوجها الذي لم يمكنها أن تحب سواه..
لم تسألها العمة كثيرا عن حياتها أو سبب وجودها هنا ولكنها بعد يومين استعادت هي نفسها وقررت الذهاب للبحث عن عمل أوقفتها العمة وقالت "لن يمكنك العمل وأنتِ حامل يا ابنة أخي لدي ما يكفينا لنعيش سويا"
تراجعت مندهشة لأن المرأة عرفت بحملها ولكن بالنهاية جسدها كان يعلن عن نفسه، قالت وهي تفر بعيونها بعيدا "لا عمتي لن يمكنني أن أفعل، لابد أن أجد عمل بالقرب من هنا لن أقبل تلك الحياة"
ابتسمت العجوز وسكبت الشاي من البراد المتهالك وقالت "عندما تضعي هذا الجنين سأدعك تعملين"
تذكرت كلماته من عدم السفر قبل الولادة، أغمضت عيونها هو فقط كان يخشى على ابنه ولم يفكر بها لذا هي رحلت لا داعي لوجودها مع رجل هي بالنسبة له مجرد رحم يحمل له وريث، تناولت الشاي وقالت "لا تخشين شيء عمتي أنا بخير، لابد أن أكون بخير"
لم ترد العجوز، ولم تتردد ملاك بأن تبحث عن عمل حتى وجدت عمل بشركة بسيطة كسكرتيرة ولم يهتم مديرها بأنها مهندسة ولكنها لم تعترض واستلمت العمل واجتهدت به ولم يكن الأمر بالسهل سواء من المجهود أو من نظرات مديرها التي تعني الكثير مما تعرفه ولكنها تجاهلته طالما هي فقط نظرات ولكن تأبى الأيام أن تبتسم لها حيث مرضت العجوز فجأة ورقدت بالفراش وقد كان عليها أن تقوم بخدمتها بجوار العمل ولم تقصر مع المرأة التي بدت شاحبة ومتعبة بذلك اليوم وهي تقول
"وكأن القدر أرسلك لي كي لا أموت وحيدة وينساني الناس فلا أجد من يضعني بالقبر"
تملكها الحزن تجاه العجوز وقد أمضت معها ثلاثة أشهر منحتها المرأة حنان احتواها وجعلها تعيش بهدوء وسكينة ولكنها لم تنسى ذلك الرجل الذي استولى على حياتها ومنحته قلبها ولكنه بخل عليها بكل شيء، كثيرا ما كانت تظل بالليل وحيدة تنظر للظلام بدون هدى وهي تتذكر وجهه الذي لم تنساه يوما وتشعر بالألم والحزن
قالت ملاك بحزن "عمتي لا تتحدثي هكذا أنا لم يعد لي سواك"
كانت ملامح المرأة تتبدل وهي تتحدث بصعوبة وقالت وهي تشير لدبلتها الذهبية التي لم تخلعها من إصبعها
"بل لك زوجك وابنك، عودي يا ابنتي له طالما ما زال زوجك فهو أولى بك من تلك الحياة التي لا راحة بها، وحدك لن يتركك الناس لن يرحموك لذا عودي لبيتك وزوجك، اغضبي ببيتك وخذي حقك منه ببيتك، زوجك هو سندك وأمانك وبالتأكيد هو يدرك ما كان منه وأنا واثقة أنه يبحث عنك حبيبتي فقط ضعيني بالقبر ثم عودي له"
ولكنها قالت بدموع "لا عمتي هو لا ينسى أني أخت حمزة و"
قاطعتها وقالت "لا حبيبتي هو سينسى لأنه احتفظ بك زوجته فقط غضبه يعميه وسيتعلم كيف يتحكم بغضبه فيما بعد فليس من السهل أن يفقد رجل زوجته وابنه هكذا لو أراد إبعادك عن حياته لطلقك دون تردد اطلبيه يا ابنتي ولو كان يريدك سيأتي ليأخذك ولو باعك فسيغلق الطرق أمامك عديني يا ابنتي واجعليني أرتاح بمنامي الأخير"
أغمضت عيونها بألم وهي تعلم أنها قد تكون على حق فهو لم يوافق على الطلاق وطالبها بالبقاء بالبيت هي من رحلت وتركته فأين الصواب؟
عندما انتبهت للمرأة كانت قد أغمضت عيونها وسكنت حركتها ولم تعد تتنفس فأدركت أنها رحلت والآن عليها أن تفكر جديا بما ستفعله بحياتها القادمة
انتهت مراسم العزاء وشعرت بالتعب من الإجهاد بسبب المجهود الذي بذلته وتلك الحياة التي كانت صعبة حقا، عادت للبيت بتعب واضح وقد كانت تعلم أنها بآخر السادس ونصحتها الطبيبة بالراحة بتلك الفترة ولكن الآن تشعر بتعب واضح ولا مجال لأن تحسن التفكير فقررت أن ترتاح ثم تعيد التفكير فيما بعد
العمل أصبح صعب والمدير يكاد يعلن عن غزله الصريح لها رغم معرفته بحملها وزواجها ولكن كما قالت عمتها من الصعب مواجهة كل ذلك وحدها فتلك الحياة الصعبة هي لم تعشها، بالبداية حمزة كان معها ومن بعده يوسف، أنهت عملها والتعب يزداد مع المجهود الذي تبذله وكادت تذهب من المكتب عندما تفاجأت بمديرها يقف خلفها ويقول
"من الجميل أنك لم تذهبي بعد ملاك"
التفتت بفزع لتراه خلفها تراجعت بقوة لتلتصق بالمكتب وهي تمتلئ بالفزع من قربه المفاجئ وهو يبتسم بعيون كلها رغبة واضحة ولكنها قالت "ماذا تريد؟"
تحرك تجاهها ولكنها كانت تتحرك ويداها تمسك بحافة المكتب وظهرها يلتصق بنفس الحافة وهو يتبعها ليضيق عليها الخناق ويقول "أريدك يا حلوة تتمتعين بلون رائع وعيون فاتنة"
كاد يقيدها بذراعيه عندما أمسكت يدها بفاتحة الجوابات من على المكتب فرفعتها بوجهه فابتسم دون أن يرمش وهي تقول "ابتعد عني"
ضحك وقال "أبعدي تلك اللعبة من يدك ودعينا نمرح قليلا يا امرأة"
وانقض عليها ولكنها لم تتردد وهي تدفع الآلة الحادة بكتف الرجل بأقصى قوتها وهي تصرخ بطلب النجدة واختلطت صرختها بصرخة المدير المتألم من جرح كتفه
****
نظر لها الضابط وهي تجلس أمام مكتبه والدموع تنهار على وجهها وقال "مدام هل أنت بخير؟"
كانت متعبة وخائفة ولكنها هزت رأسها وقالت "ماذا سيحدث لي؟ أنا كنت أدافع عن نفسي صدقني"
اقترب منها الضابط وهو يحدق بها حتى وقف أمامها وقال "أنا أعلم مدام ولكن لا دليل على ذلك حتى الآن والجرح غائر والقضية لن تتوقف"
ظل يحدق بها دون أن تجيبه ثم سألها "هل أعرفك مدام؟ أنا رأيتك من قبل"
لم تنظر له وهي تتألم بصمت فجلس أمامها وقال "أليس لك أحد؟ زوجك؟" ثم تراجع فجأة وهتف "يا الله أنا عرفتك"
ولكنها لم تسمعه وهي تتألم بقوة ولكنه نهض بسرعة وأجرى اتصاله وما أن انتهى حتى صرخت هي من شدة الألم ولم تعد تستطع تحمله لأكثر من ذلك
كانت تعي كل ما يدور حولها والضابط يطلب مساعدة كل من حوله وهم ينقلونها إلى سيارة من سيارات الشرطة وبالمشفى فقدت الوعي وهم يدفعوها على الناقلة ولم تعد تشعر بأي شيء بعد ذلك
****
الأيام مرت به كالدهر وهو لا يجدها، بعد شهر من البحث المتواصل سقط على مقعد مكتبه والإرهاق واضح على ملامحه، أغمض عيونه وهو يمرر يده بشعره ثم نفخ بقوة وفتح عيونه وهو يقول
“لماذا ملاك؟ لم أعرف بكِ القسوة بأي يوم، كنتِ دائما تحملين الحنان والتسامح، معكِ كل الحق لأن تتبدلي فأنا من فعل بكِ ذلك، أنا من أساء للمرأة الوحيدة التي أحببتها"
نهض وتحرك بالمكتب بدون هدى عندما دق مكتبه ودخل مدير مكتبه وقال "الاجتماع يا فندم"
كان يعلم أن عليه العودة لعمله فقد أهمله بالفترة السابقة ولكن الآن بعد أن يأس رجاله من البحث أصبح عليه أن يدفع نفسه بأي بحر عميق كي لا يطفو على السطح ويعود لألم رحيلها والوحدة التي يحيا بها
عندما عاد للبيت بعد أيام كثيرة من الغياب استقبلته زينب التي تبعته وهو يتحرك لغرفة الجلوس وجلس على  أقرب مقعد وقد ترك ربطة عنقه دون ربط وقميصه مفتوح فقالت
“لم تجدها سيد يوسف؟ "
نفخ بقوة وقال "لا زينب، لم أجدها"
أشعل سيجارة بولاعتها الذهبية التي رافقته من بعدها وقال "هي لا تريدني أن أجدها زينب"
اقتربت زينب منه وقالت بحزن "هي فقط غاضبة سيدي ولكنها ستعود"
انحنى ووضع رأسه بين يديه ولم يرد فربتت على كتفه وقالت "ستعود لأنها تحبك سيدي فقط هي بحاجة للوقت"
لم يرد أيضا لم يعتاد مناقشة مشاكله مع أحد هي فقط من أخرج أحزانه لها وان يفعل مع سواها
بكل مكان بالبيت ذكرى لها معه لذا كان يتغيب عن البيت كي لا يراها بكل ركن به، لم يعد يتحمل النوم بالفراش وهي ليست بجواره، فقط يتأمل الفراش بهيوم حزينة والألم يعتصر قلبه ثم يستبدل ملابسه ويرحل
العمل كان الدواء المخدر لأوجاعه فدفن نفسه به ولم تشعر الصحافة بما يعانيه وعندما تساءل الجميع عن غيابها عن مقابلاته الاجتماعية الخاصة بالعمل دان يتحجج بالحمل وأوامر الطبيب بالراحة ولكن محمود نظر له بذلك الحفل الأخير وقال
“تبدو متعب وعلى غير عادتك من الصمت، ماذا بي يا صديقي؟ "
نظرات هدير له جعلته يفكر جيدا قبل أن يجيب فلم ينسى أنها صديقة زينة المقربة فقال "أنت تعلم العمل محمود أنا تقريبا لا أنام"
نبرة هدير الساخرة جعلتهم ينتبهون لها وهي تقول "وهل تتركك ملاك بتلك الحالة؟ ألا تبدي بعض الاهتمام بصحة زوجها المحب؟"
اعتدل يوسف بمقعده بينما قال محمود "ملاك متعبة بسبب الحمل هدير وهي التي بحاجة لاهتمامه"
قالت بضيق "هو فقط يدللها، تلك الفتاة تعرف كيف تتلاعب برجل مثل يوسف"
نهض يوسف بضيق واضح وقال "محمود أنا ذاهب، أحتاج للراحة، اعتذر لوصفي"
ولم يرد على هدير ولم يسمعها أصلا وهو يتحرك لخارج قاعة الاحتفالات الفاخرة عندما التقى بالخارج بزينة عندما تفاجأ بها أمامه وهي تقول "هل أحصل على اهتمامك قليلا؟"
لم تتبدل ملامح الجمود التي على وجهه وهو يحدق بها وقال "ليس الآن زينة"
كاد يذهب ولكنها أعاقته وهي تقف بطريقه وقالت "دقائق لن تضرك بشيء يوسف، أنا فقط أطلب هدنة يوسف، أنت تضيق الخناق علي وأنا"
انحنى ورفع يده بحركة تحذير وهو يقاطعها بكل الغضب الذي داخله وهو لم ينسى أنها السبب بما يعانيه ولو ترك نفسه لقتلها دون تردد
قال "أنتِ تسجدين لله حمدا لأني لم أقتلك حتى الآن زينة فابتعدي عن طريقي ولا تثيري جنوني أمثر من ذلك"
ارتجفت زينة من نبرته ونظراته المظلمة وتراجعت وهي تقول "أنت تدفعني للانهيار يوسف كل الشركات تزيحني من طريقها"
لم يبتعد وهو يقول "هذا أقل مما تستحقينه زينة"
ثم تحرك مبتعدا وهو لا يكاد يطيق رؤيتها وتمنى لو أمكنه التخلص منها ربما تنطفئ نيران الغضب داخله
انشغل بالمول الجديد الذي قرر أن يفتتح فقد لفت تأجيله المتكرر للافتتاح الانظار له فحدد الموعد ووقف أمام المرآة بغرفته ينتهي من ملابسه ورفع زجاجة العطر ليضع عطره  فتذكر وجودها وهي تضع له عطره وتبتسم له وهي تخبره عن الحمل
أغلق عيونه وترك زجاجة العطر وتناول الولاعة وتأملها وهتف "كم أفتقدك ملاك، وجودك كان الحياة بالنسبة لي، ثلاثة أشهر مرت وكأنهم ثلاث سنوات، بعدك يقتلني حبيبتي، ليتك تدركين أني أحبك واحتاجك معي"
رن هاتفه ليعيده للواقع فأخرجه ليجيب وهو يتحرك للخارج حيث ينتظره الافتتاح المنتظر
استقبل كل الشخصيات الهامة وكان الافتتاح رائع وهو يتحول لرجل الأعمال الذي تلمع عيونه عند مواجهة العمل وتعالت التساؤلات من حوله عن غياب زوجته ولكن نفس الإجابة، الحمل يعوق وجودها، تعليمات الطبيب توقف خروجها ولكن من داخله لم يجد أي متعة بذلك النجاح الذي يضيفه لباقي نجاحاته
ما أن ودع المحافظ حتى رن هاتفه فأخرجه ليرى رقم صديق له واندهش من اتصاله، كاد يعيد الهاتف ولكن شيئا ما جعله يتردد ويرد وما أن رد حتى انطلق خارجا من المول دون أن يهتم بمن ترك خلفه ولا بالاحتفال ولا بأي شيء
يتبع..

بريئة    بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن