الفصل السادس عشر

129 10 11
                                    

الفصل السادس عشر
واندثر الماضي
بالصباح أيقظته برقة وقد تأخر بالنوم فاعتدل وقال "كم الساعة ملاك؟"
قالت "العاشرة أيها الكسول، مكتبك اتصل مرتين"
قبلها ونهض جالسا وهي تمنحه الهاتف وقالت "متى سنذهب؟"
عبث بالهاتف وهو يبحث عن السجائر وقال "وقت ما تشائين، استعدي وأخبريني"
هزت رأسها وتركته للهاتف وعادت كي تعد أحمد ثم أخبرتها زينب بالإفطار فعادت لغرفتهم فوجدته قد ارتدى ملابس خفيفة فقالت "هل نتناول الإفطار؟"
تحرك تجاهها وقال "بالتأكيد هل انتهيت من كل شيء؟ هناك مربية ستأتي معنا من أجل أحمد"
نظرت له بدهشة فداعب وجنتها وقال "أحب أن تكون زوجتي لي وأنا في أجازه، هل ننزل؟"
ابتسمت له ونزلا لتناول الإفطار وسرعان ما وصلت المربية وتحركت بهم السيارات وما أن ركبت بجواره حتى قالت "متى سنعود؟"
قال بهدوء "يوم أو اثنين بمجرد أن تنتهي المشكلة، فكرت ببيع العزبة"
حدقت به بعيون فزعة فأبعد نظراته وقال "المحامين لا يرجحون الأمر"
قالت "لا تفعل يوسف انتظر حتى تنتهي المشكلة وبعدها فكر"
نظر لها وقال "تقصدين أنتظر حتى أواجه أحزاني أولا ثم أقرر بعدها، لا تدعين الذكاء علي زوجتي الجميلة"
قالت بصدق "لا أفعل يوسف فقط لا أريد إثارة غضبك"
هز رأسه وقال "أعلم، لقد بدأت البناء بالفندق الجديد"
ابتسمت وقالت "حقا؟ هذا خبر رائع مبروك"
تأملها وقال "لم تفكري أن تذهبي لفندقنا بشرم"
تراجعت وقالت "لا أذكر أنك أخبرتني به"
قال "كان فكرة أبي وأنا لم أراه إلا يوم شراؤه، أكيد سنذهب بيوم ما رأيك؟"
وضعت يدها بذراعه وقالت "كما تشاء كل ما يناسبك يناسبني"
أمسك بيدها وقال "يناسبني وجود هذه الابتسامة على وجهك للأبد ملاك"
وضعت رأسها على ذراعه وقالت "ستكون طالما أنت معي يوسف"
قبل يدها وقال "طالما على قيد الحياة فلن يبعدني عنك شيء ملاك"
لم تتبدل العزبة عن آخر مرة كانت بها لكنها لاحظت تبدل ملامحه بمجرد أن دخلت السيارة حدود العزبة وقد ضاع منها ببحر الذكريات وكأنه يستعيد كل ما كان منذ واحد وعشرين عاما أو أكثر وإن اختلف الكثير بالمكان ولكنه ما زال يذكر مرحه هنا وهناك مع حياة، أو عندما كان يصحبه والده بجولة بالأرض أو تناول الطعام الفلاحي مع أهل العزبة بجو من البساطة والجمال وتوترت ملامحه أكثر عندما دخلت السيارة أسوار الفيلا وتوقفت أمام أبوابها وتصلبت كل أجزاء جسده وهو يرى السيارة التي ركبتها أمه بذلك اليوم وهي تلقي بحقائبها بها دون اهتمام بهم ولا بصراخ حياة ولا رجاؤه لها بالبقاء..
"يوسف لقد وصلنا"
انتبه لصوت زوجته والتفت لها ليجد ابتسامتها تخبره أنها معه فقال "نعم هيا"
نزل وتبعته وهو يساعدها وأسرعت المرأة العجوز للقائهم بسعادة ومدت هي يدها لتمسك بيده فنظر لها ولكنها لم تفعل وهي تحدث العجوز قائلة "كيف حالكم جميعا؟"
قالت المرأة "بخير سيدتي ألف مبروك سيدي الصغير، أهلا سيدي يوسف عاش من رآك"
تحرك للداخل بعد أن حرر يده من يدها وقال "شكرا أم سعد، هل ترسلي لمسعد بأني أريد رؤيته"
وافقت المرأة وهي تداعب الصغير وتحرك هو إلى جانب بعيد وتركته هي دون أن تتبعه فقط نظراتها هي ما تبعه وهي تقول "أم سعد أرشدي سهيلة لغرفة أحمد هل أعددتها له؟"
قالت المرأة "نعم سيدتي منذ عرفت بمجيئكم وفعلت، هل أعد الغداء"
قالت "لا بالثالثة من فضلك"
تحركت وقالت "سهيلة اذهبي معها وبدلي له ملابسه فقد أطعمته بالسيارة ثم انزلي به للشمس فهي هنا رائعة"
أجابت المرأة "حاضر مدام"
ذهب الجميع فالتفتت لتراه واقفا أمام نافذة كبيرة، نفس النافذة التي كان يجلس أمامها والده عندما أتت معه هنا، عرفت من والد أحمد أن تلك النافذة هي التي وقف بها الجميع يشاهدون الأم وهي تذهب بالسيارة دون أن تنظر خلفها، لم تعرف هل تشاركه لحظته أم تتركه ولكن بالنهاية قررت تركه مع ذكرياته وحده وهو بالفعل أراد أن يكون وحده وهو يذكر قسوة تلك الأم التي ألقت كل شيء وراء ظهرها وباعت أولادها من أجل قلبها وحبها ولم تحاول حتى أن تبحث عنهم مرة أخرى، مرت الذكريات بهدوء عليه ولم يتألم كثيرا كما كان يظن ولم يفكر كثيرا بما فات وانتهت الذكريات بمجرد أن استعادها الآن ووجد نفسه يبحث عن من ملأت حياته بالسعادة فالتفت ليجدها تصعد السلم فقال
"إلى أين؟"
التفتت له بدهشة وهو يتقدم تجاهها فقالت "ظننت"
ولم تكمل وهو يمد يده لها فنزلت واتجهت لتمنحه يدها وعيونه تتملك عيونها حتى وقفت أمامه فقال "أني بحاجة لأن أكون وحدي؟"
هزت رأسها فقال "لست بحاجة لذلك، تعالي هناك مكان أريدك أن تشاهديه"
أحاطها بذراعه وجذبها إلى الخارج وتحركت معه بسعادة وهو يجذبها إلى خلف الفيلا حيث رأت بيت صغير رأته بالمرة السابقة ولكنها لم تهتم، جذبها من يدها وقال "هذا بيت قديم بناه بابا مخصوص من أجل حياة"
كان كبيوت الأطفال كل شيء به صغير ولا يصلح إلا للأطفال، ابتسمت وقالت "إنه رائع كلعب الأطفال، هل تعلم أني لم أحصل إلا على أرنب صغير فقط كلعبة بطفولتي و"
وقطعت كلماتها وهي تتأمل البيت الذي ظلله التراب ولكنه أوقفها وقال "وماذا؟"
نظرت له وقالت "لا شيء، هل تطلب منهم تنظيفه؟ أحمد سيعجبه جدا عندما يكبر"
عاد يقول "ماذا حدث للعبتك الصغيرة"
احمر وجهها للذكرى وقالت "تشاجر حمزة مع أمي بسببه بمرة وقد أراد الحصول عليه بعد أن دمر خاصته وعندما رفضت ماما قام بتمزيق أرنبي"
جز على أسنانه من الغضب من ذلك الشخص الذي كان كتلة من الأنانية والحقد والقسوة، قال "وأولادنا الخمسة؟ لن يسعهم هذا البيت"
انتبهت له وألقت بالذكرى بعيدا وقالت "لتبني لهم واحدا آخر أكبر هنا"
كانت تتحرك بالمكان بسعادة فقال "سأفكر بالأمر ولو أنك أنت المهندسة فما رأيك؟"
ضمت يداها أمام صدرها وقالت "هل تمنحني الفرصة؟ سأجعله هو وهذا مدينة صغيرة لأولادنا"
وضع يداه بجيوب بنطلونه وتأمل المكان وقال "هو لك أيتها الصغيرة فافعلي ما تشائين"
ابتسمت بسعادة وانطلقت له وقالت "شكرا يوسف هذا رائع حقا"
وصلت أم سعد لهما وقالت "الحاج مسعد وصل سيدي"
أحاط زوجته بذراعه وقال "أنا قادم"
تركته مع الرجل وخرجت لترى أحمد مع سهيلة ثم صعدت لاستبدال ملابسها وعادت لتنزل فرأته يصحب الرجل للباب ويقول "حسنا سأقابلهم عندك بالسابعة يا حاج"
انتبه الرجل لها فقال "أهلا يا ابنتي كيف حالك؟"
تحركت لهما بابتسامة هادئة ووقفت بجوار زوجها وقالت "بخير يا عم مسعد كيف حالك أنت وزوجتك وأولادك؟"
ابتسم الرجل وقال "بخير يا هانم، ألف مبروك وصول أحمد الصغير وإن شاء الله نبارك بوصول إخوته"
هزت رأسها وأجابت "شكرا لك"
تحرك الرجل للخارج فالتفتت له وقالت "هل تتناول غداءك أم تستبدل ملابسك أولا؟"
أمسكها من يدها وقال "ألا أرتاح قليلا قبل أي شيء؟"
وجذبها للأعلى وهي تضحك وتتبعه بسعادة غمرتهم طوال الأيام التالية وبدأت هي بتصميم للبيت الجديد الذي أرادته ولكن هذا لم يمنعها من التمتع معه بالمكان وقد أخذها لكل مكان رائع بالعزبة وخرج عن يوسف رجل الأعمال للزوج المحب والأب الحنون وخيمت السعادة على الأسرة الصغيرة
عاد من لقاء الرجال الذين قابلهم للمرة الثانية ووجدها تنتظره بغرفتهم وقد تأخر الوقت، نهضت واقفة وهو يتجه لها ويمنحها قبلته فقالت "تأخرت"
لم يبتعد وهو يتأملها بشعرها المفرود بعناية وروبها القصير الأخضر فلم يبتعد وقال "أردت الانتهاء من الأمر قبل أن نعود"
ذهبت ابتسامتها وقالت "نعود؟"
مرر يده بشعرها وقال "كيف تزدادين جمالا هكذا؟ وكأني بكل يوم أراك لأول مرة، هذا اللون جديد؟"
جذبها له وطبع قبلة على عنقها وهو يفك روبها فلم تعيد تساؤلها وقالت "نعم"
أبعدها ليرى القميص فلمعت عيونه وقال "تسكريني بجمالك ملاك يثير بي رغبات لا حدود لها، معك لا أعرف نفسي"
وجذبها له ليمتع نفسه بها دون حدود وتمتعت معه فهنا هو لها وحدها لا عمل ولا اجتماعات ولا إرهاق ولا أي شيء سوى هما الاثنان وأحمد بينهم..
لم ينم بعد أن انتهى وإنما ضمها له وقال "أرى أنك لا تريدين العودة"
أراحت رأسها على صدره وقالت "نعم ولكني سأفعل من أجلك أعلم أن العمل لا ينتظر"
رفع رأسها إليه وقال "تعجبك العزبة؟"
قالت بصدق "يعجبني أنك لي وحدي"
ظل ينظر بعيونها ثم قال "تجيدين الحديث ملاك"
رن هاتفه فقال "أنتظر مكالمة بالفعل ملاك"
تركته لينهض ويرتدي بنطلونه وأخذ الهاتف وأجاب بينما نهضت هي للحمام وعندما خرجت كان ما زال يتحدث فمشطت شعرها قبل أن ينتهي ويقول "آسف عزيزتي ولكن لابد أن نعود بالصباح"
نظرت له بالمرآة وقالت "كما تشاء، متى سأبدأ بالبيت الصغير؟"
أخذ ملابس ودخل الحمام وهو يقول "سأفكر بذلك، هل تطلبين لي طعام؟"
بالظهيرة وصلا الفيلا بالقاهرة ونزل وهو يقول "سأتأخر اليوم ملاك لا تنتظريني"
ابتسمت فقبلها بوجنتها وعاد للسيارة التي تحركت به وتبعته حتى خرج من البوابة فعادت للبيت وقد اكتسبت سعادة جديدة وطاقة إيجابية من تلك الاجازة
لم تراه بالليل وعندما استيقظت بالصباح كان قد ارتدى ملابسه فاعتدلت وقالت "إلى أين؟"
قال دون أن ينظر لها "المكتب ملاك، لدينا حفل الليلة سأعود على السادسة"
التفت لها وهي تبعد شعرها فاتجه لها وطبع قبلة على شفتيها وقال "سأرسل لك فستان أعجبني فهل ترتديه من أجلي؟"
هزت رأسها وهي لا تفهم تصرفاته وانشغاله فتحرك للخارج دون أي كلمات أخرى وحاولت ألا تجعل الضيق يتملكها، بالعصر وصل الفستان الأخضر الستان وقد كان حقا رائع بطوله الذي التف على جسدها وتماسك على كتف واحد وترك الآخر مظهرا جمال بشرتها وتماسكت قطعة كبيرة على شكل فراشة كبيرة على الصدر انبهرت حقا من جماله وانتقت لشعرها شكل رائع من أحد مجلات الموضة واستطاعت أن تنفذها بصعوبة ووضعت بعض الماكياج برقة جعلتها تبدو ساحرة لأي عين تراها
رأته يدخل فالتفتت له وقالت "لم أشعر بالسيارة"
تحرك حتى وقف أمامها ومد يده لها فوضعت يدها فجذبها لتقف أمامه وعيونه تلمع بلون رمادي مائل للأزرق وقال "أسامحك من أجل هذا الجمال، أنت ساحرة مولوكيلا"
وطبع قبلة على وجنتها فقالت "ذوقك هو الساحر يوسف الفستان رائع"
ابتعد ليبدل ملابسه وقال "وهذا القوام ألا يعني لك شيء؟"
ابتسمت وهو يدخل الحمام ويكمل "أو هذا الوجه الفاتن ماذا عنه؟"
دقات قلبها تعلن عن سعادتها بهذا الرجل الذي يملأ حياتها بسعادة لا حدود لها
الفندق استقبلهم باهتمام واضح وأوقفهم المسؤول أمام باب القاعة وقال "سيد يوسف هناك من يريد لقائك قبل الحفل"
نظر له باهتمام وشعرت هي بالقلق فانحنى عليها وقال "عزيزتي هل تنتظريني قليلا ولو تأخرت فسأرسل لك لتتبعيني لأعلى"
اندهشت من تصرفه فهو لم يتركها مرة بمفردها بأي مكان حتى ولو للحمام فما الذي حدث اليوم، هزت رأسها وهو يرحل مبتعدا وخلا المكان من حولها ولم تجد سوى حقيبتها الصغيرة لتضغط عليها بأصابعها الطويلة حتى شعرت بألم بهم
مر الوقت بطيئا عندما رأت المسؤول يتحرك لها وهو يقول "سيد يوسف يطلب حضرتك مدام فهل تصحبيني من فضلك؟"
هزت رأسها وتحركت خلفه ليأخذها لسلالم فصعدت معه وقد تملكها القلق حتى وصلا لمكان غريب تأملته فقال "انتظريه هنا من فضلك"
تحرك بعيدا للحائط الجانبي وضغط زر لا يكاد يظهر فتفاجأت بأعمدة مزدانة بالزهور تنزل من الأعلى لتحيطها كدائرة فالتفتت حول نفسها فقال الرجل "اهدئي مدام"
قالت "ماذا يحدث؟ هل تشرح لي"
أصبحت الأعمدة كقفص العصفور رائع الجمال وقال الرجل "هل تمسكين بالعمود جيدا سيدتي"
لم تفهمه ولكنها تبعت كلماته قبل أن تعترض لأن الأرض تحركت بها فجأة وكادت تصرخ والقفص ينزل لأسفل وابتسامة الرجل تتبعها ودقات قلبها تكاد تؤلمها وسرعان ما رأت وورود كثيرة تتساقط من حولها وموسيقى رومانسية تصدع من مكان ما وتصفيق يملأ أذنيها فنظرت للأسفل لترى أشخاص كثيرة من حولها يصفقون لها ويبتسمون حتى وصل القفص للأرض لتنظر أمامها فتراه واقفا ينتظرها وقد امتلأت بالخوف ولكنه ذهب برؤيته وهو يتقدم ليأخذ يدها ويقبلها ويقول
"عيد ميلاد سعيد مولوكيلا"
الدموع هي التي أجابته مختلطة بالابتسامة ثم وجدت نفسها تندفع لأحضانه وقد ضم ذراعيه عليها بقوة وسط تصفيق الجميع حتى هدأت فأبعدها وموسيقى عيد الميلاد تعزف من حولها فمسحت دموعها وهي تقول "هذا كثير يوسف، كثير جدا"
نظر لها بحنان وقال "لا شيء كثير عليك عزيزتي"
أخرجها من القفص وتحرك بها وسط الجميع إلى كعكة عيد الميلاد التي كانت من خمس أدوار بنهايتها عيد ميلاد سعيد زوجتي الحبيبة، ابتسمت وهي تقطع الكعكة معه بسعادة وسط الحاضرين حتى انتهت فالتفت لها ومنحه المسؤول علبة سوداء وفتحها لترى عقد ماسي رائع أخذ الألباب من حولها وهو يخرجه ويمنح المسؤول العلبة ويضع العقد حول عنقها ويقول "لك هدية أخرى بالبيت فاتنتي"
ابتسمت له بسعادة وهو يضع قبلة على وجنتها وتبعه تهنئة الجميع ومنهم المحافظ وزوجته والكثيرين ممن عرفتهم مؤخرا وهو يحيطها بذراعه ثم بدأت فقرات الحفل الرائع واستمتعت معه بكل لحظة والسعادة تملأ عيونها حتى ضمها له برقصة هادئة فقالت "أنت كثير علي"
قربها منه وقال "طولا أم عرضا؟"
ضحكت وقالت "كف عن ذلك حقا يوسف كل هذا كثير"
قال بصدق "سنتحاسب فيما بعد، يمكنك تحمل نصف التكاليف"
ضحكت مرة أخرى وقالت "لم أعتاد عليك هكذا"
لم يفارق عيونها وهو يتمنى أن يخبرها أنها سبب تغييره ولكنه قال "وأيهما أفضل؟"
تراجعت وقالت "هل تمزح؟ المرح طبعا فهو يمنحنا القوة لمواجهة الصعوبات"
قال بصدق "اعتدت على أن الجمود هو القوة في مواجهة أي شيء حتى نسيت كيف يكون المرح، قناع التصق بوجهي ولم أحاول أن انتزعه"
قالت بحنان "حتى أصبح جزء منك، أنت لا تبتسم يوسف هل تعرف ذلك؟"
هز رأسه وهو يبعد وجهه بعيدا وقال "نعم أعلم، منذ رحيلها مرنت وجهي كثيرا على الجمود حتى أصبح لا يعرف سواه لكن معك كل شيء اختلف"
تركت يده ورفعت يداها الاثنان لعنقه فأحاطها بذراعيه وهي تقول "ولكنك أيضا لم تبتسم"
قال "أحاول ملاك، هل تظنين أن ما اعتدته في واحد وعشرين عاما من السهل تغييره بأيام"
تظاهرت أنها تفكر وهي تداعب مؤخرة رأسه ثم قالت "أيام؟ هل أنا بحياتك منذ عدة أيام؟ أعتقد أنها تقريبا عاما وثلاثة أشهر أليس كذلك؟ أم أنك لا تجيد الحساب؟"
انفرجت شفتاه عن ابتسامة صغيرة وقال "بل أجيد الحساب بالتأكيد فأنا تخرجت كمحاسب مولوكيلا ولكن وجودك الحقيقي بحياتي منذ تلك الذبحة التي أصابتك وقتها فقط عرفت أن الحياة اختلفت بوجودك وأني لم أعرف السعادة إلا معك لذا أحسب التغيير منذ ذلك الوقت، ما عداه كان حزن وألم وشك وكلانا نساه ولا يريد أن يحسبه من عمره، هل أنا على حق زوجتي الجميلة؟"
ابتسمت وقالت "نعم، أنت على حق منذ وقتها والحياة أصبحت أجمل متى ستعيدها؟"
تراجع وقال بدون فهم "أعيد ماذا؟"
قالت "تلك الابتسامة الصغيرة التي فرت من بين شفتيك منذ قليل؟ بدوت وسيما جدا وأنت تبتسم أيها الفاتن؟"
ابتسم أخيرا وضغط بيداه على خصرها وهو يقربها منه وقال "أنت لا تستسلمين جميلتي نعم أبتسم فقط من أجلك"
كانت الليلة رائعة حقا والسعادة تغمرها ووجوده بجوارها كان الحياة بالنسبة لها، عادوا للبيت بوقت متأخر واستأذن لمكتبه واتجهت هي لغرفة أحمد ثم عادت لغرفتهم لتصرخ من المفاجأة عندما رأت ألعاب كثيرة على الفراش أهمها أرنب رائع أسرعت إليه واحتضنته بسعادة وقد أدركت أنه لم ينسى ذكرياتها الطفولية مما زادها حبا وتعلقا بذلك الرجل
فتح الباب فتركت الألعاب التي كانت تجلس بينها واندفعت إليه بسعادة الأطفال لتحتضنه بقوة جعلته يرتد للخلف قليلا وهو يحيطها بذراعيه وهي تهتف "أنت رائع زوجي الوسيم"
أحكم ذراعيه عليها مستمتعا بسعادتها وقال "هذا يعني أنها أعجبتك!؟"
ابتعدت دون أن تبعد ذراعيها عنه وعيونها تتلألأ من السعادة وهتفت "أنت تسأل يوسف!؟ بالطبع إنها رائعة لم أحلم بمثلها بأي يوم، أنت استدركتني لتعرف ما أحب"
قبلها برقة ولم يبتعد وهو يقول "كلك أسرار مولوكيلا وأنا مفتون بها وسأعرفها على مدار عمرنا فأنا سأبقيك معي لآخر العمر"
داعبت شعره بأصابعها وهي تقول "وهل لديك شك بأني سألتصق بك ما تبقى لي من عمر، أنا رابضة على صدرك"
ابتسم مرة أخرى شاعرا بالراحة وهمس وهو يقترب بأنفاسه منها وهمس "سأعتبر هذا وعد"
هزت رأسها وهو يحتويها بقبلته التي تطير بهما لعالم الخيال والأحلام وهناك كلاهم ينسى الدنيا بأحزانها وذكرياتها ولا يذكرون إلا سعادتهم لتبقيهم بالحياة بأفضل حال..
عندما نزل بالصباح كانت تساعد زينب بإعداد المائدة دخل وقال "صباح الخير"
نظرت له بابتسامة مشرقة وأجابت هي وزينب "صباح النور"
جلس على رأس المائدة فجلست بجواره وقالت "تأخرت اليوم؟"
قال "لدي موعد خارج المكتب سأنتهي منه أولا"
نظرت له وقالت "موعد!؟"
نظر لها وقرأ عيونها فقال "لا تنظري لي هكذا"
قالت بجدية "ماذا؟"
عاد للطعام وقال "الغيرة تؤلم زوجتي وأنا عاهدتك ألا أكون سبب بألمك بأي يوم فهل تهدئي؟"
احمر وجهها لأنه قرأ ما بعقلها فأبعدت عيونها وقالت "لست معتاد على مواعيد خارجية"
قال وهو يتناول الشاي مع السيجارة "لا مولوكيلا أنا أفعل لكني لم أخبرك من قبل"
ثم نهض فنهضت ولكن قبل أن يتحدثان سمعا سيارات تدخل الممر ولحظات ودخلت زينب مسرعة بذعر وهي تهتف "سيد يوسف بسرعة، الشرطة بالخارج تسأل عنك"
تحرك إلى الخارج باهتمام وتبعته هي دون تردد والخوف يجتاحها كالطوفان وهي ترى رجال الشرطة تقف أمام باب الفيلا وأحدهم يتقدم ليواجه يوسف الذي قال "يوسف السمنودي، بماذا أخدمك؟"
قال الضابط "آسف سيد يوسف ولكن حضرتك لابد أن تأتي معي"
تراجعت هي بجواره بينما ضاقت عيونه وقال "هل تخبرني لماذا؟"
نظر الضابط لها ثم عاد له وقال "من الواضح أن حضرتك لم تطلع على الأخبار اليوم، مدام زينة قتلت بالأمس وتم العثور على جثمانها بشقتها"
شهقت ملاك بفزع ووضعت يداها على فمها بينما قال هو "وما علاقتي بالأمر؟"
قال الضابط بثبات "لدي إذن من النيابة بإحضارك سيد يوسف فحضرتك ضمن المتهمين بقتلها"
هتفت هي بذعر "لا، هل جننت؟ زوجي ليس بقاتل"
نظر لها وقال "هل تهدئين؟ هل يمكنني رؤية الإذن؟"
بالفعل أخرج الضابط ورقة من جيبه قرأها يوسف وعادت ملامحه الجامدة تزين وجهه وهو يقول "تمام"
كاد يتحرك عندما أمسكته هي بقوة وصرخت به "تمام ماذا؟ إلى أين يوسف؟ أنت لن تذهب لأي مكان أنت لست قاتل يوسف لن تتركني"
أحاطها بيديه من ذراعيها وقال "اهدي ملاك، سأذهب لأعرف ماذا حدث وأكيد سأعود فأنا لم أقتل أحد وبالتأكيد الحقيقة ستتضح فقط لابد أن أذهب"
ولكنها تشبثت به بقوة والدموع تنفجر من عيونها وهي تكمل بهلع واضح "لا، لن تذهب لن تتركني يوسف، لن تذهب لأي مكان"
ضمها له ربما تهدأ ثم أبعدها وهو ينظر لزينب ويقول "لابد أن أذهب ملاك تعلمين أني لست جبان ولا أهرب من شيء خاصة وأني بريء منه"
ثم عاد ينظر لزينب التي تحركت لتأخذها من بين ذراعيه وهو يخلصها منه وهي تصرخ باسمه وزينب تمسكها وهو يتحرك وسط رجال الشرطة إلى الخارج وما زالت تصرخ حتى تألم قلبها وضاقت أنفاسها وسقطت باللاوعي
يتبع..

بريئة    بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن