•(الفصل الأول)
•(إغـواء حـواء)
•(كهفٌ كالهلاك)ليست جميع الشموس مُبهجة، والليل ليس بدوامه حزينًا، فأحيانًا يُشرِق الليل فتُنار ظُلمته، وأحيانًا يَظلُم النهار وتختفي بهجته، وتارةً أخرى تحرقك الشمس بلهيب حرارتها الخادعة، هي فقط مسألة قلوب، إن سعدت أنارت، وإن حزنت أظلمت!
يقف مُنتظرًا أن تختفي الإشارة الحمراء لينطلق بسيارته إلى وجهته التي حددها في لحظة حاسمة، شرد بعقله مُتذكرًا تلك المواقف العصيبة التي مرت بها العائلة حتى كادت أن تتفك، الجميع في حالة تأهُب ملحوظ، والحُزن يُسيطر على حياتهم بمُبالغة، لا يعلم متى ستذهب تلك الغمامة الحارقة، كل الذي يعلمه الآن أنهم في ورطة كبيرة!
هُم بين ليلة وضحاها وجدوا أنفسهم يُحاربون الظلام، هواءٌ داكن ليس له صاحب أو صديق، وكأن السماء انشقت فرمتهم بسهامٍ من الحُزن والخذلان، كالرابطة المُتلاصقة كانوا، والآن هُم متفككين كعُشبٍ أخضر دُهِسَ حتى تفتت! فزهد لونه وتبدد رحيقه، حتى مظهره بات باهتًا غير مُغري كما كان في سابق عهده!
استفاق "مُغيث" من شروده على صوت نفير سيارة تأتي من خلفه، ليكتشف بأن الإشارة تحولت إلى اللون الأخضر، مما يعني انطلاق الجميع لقضاء أشغالهم، نفخ بضيقٍ قبل أن ينطلق بسيارته مرة أخرى، وبعد وقتٍ ليس بالكثير وصل إلى المكان المُحدد "مصحة نفسية لعلاج الإدمان"، ثبَّت نظراته على اللوحة المُدون عليها اسم المكان مُتخيلًا حال "آسر" الآن، لقد تغيَّرت أفعاله كثيرًا في الفترة الأخيرة التي سبقت معرفتهم بإدمانه، وذلك بعد أن حاول الإعتداء على شقيقته قِصرًا بعد تجرعه لرشفة زائدة ومُشاهدته لإحدى الأفلام المُنافية للدين والحياء!
أمرٌ غريب على أبناء تلك العائلة لكنه حدث! سار في رواق المشفى بعد أن رحَّب به صديقه الطبيب "مؤمن راشد"، لقد درسا معًا في المرحلة الإعدادية والثانوية وتفرقا في الجامعة، فالتحق "مُغيث" بكُلية الطب البشري، وكذلك التحق "مؤمن" بنفس الجامعة لكنه تخصص طبيبًا نفسيًا في مجال أراد دخوله وبشدة لسببٍ ما يُخفيه عن الجميع، وقف "مغيث" أمام الغرفة المُحتبس داخلها "آسر" ناظرًا لـ"مؤمن" الذي تمتم بدوره آسفًا:
_للأسف حالته النفسية بتسوء ومش مُتقبل أي علاج.
أخفض "مُغيث" رأسه للأسفل بأسى وتهدل كتفاه حُزنًا، وكأنه ينقصه هذا الحديث! آه لو يعلم لِمَ قد يفعل "آسر" هذا ليصل إلى تلك الحالة! زفر بضيقٍ وحاول استعادة ثباته قبل أن يرفع رأسه مُجددًا نحو "مؤمن" وأردف بإصرار:
_عايز أقابله._مش هيبقى في مصلحتك!
نطق بها "مؤمن" بحذر، ليُعاود "مغيث" القول بإصرارٍ أكبر:
_وأنا بقولك عايز أقابله يا "مؤمن"، فيه حاجات كتير محتاج أفهمها منه، حاسس عقلي هيشت مني.