كلُ العوالِم تنحسرُ بين زُمردية عيناكِ، التقطتني بحار عشقكِ فرُحماكِ، ظننت أن الحُبُ مُسمىٰ فارغًا، ترسخت كل مُعانيه من حولكِ، يا صاحبة طابع الحُسن فلتهدئي، بِتُ فاقدًا للِچام قلبي فلتنظري، وقعتُ بكِ وما أنا بتهائهٍ، فضربني موج عيناكِ بقسوةٍ فصقعني، كاذبة أنتِ كساحرة مُتسلطة، ومن وجع حُبكِ بات قلبي كسحابةٍ مُمطرة!
_لو سمحت الكلام دا مينفعش دا مكان شغلي، بعد إذنك اتفضل برا.
نظر حوله للمكان الواقف به بنظرة راضية وتجاهل حديث الأخيرة التي بدأت بالاشتعال غيظًا من هذا المُتسلط كما لقبته، استدار لها فقرأ ملامح الضجر المُرتسمة بوضوح على وجهها، مما جعله يتسائل بوداعة وهو يتجاهلها:
_المحل دا بتاعك صح؟!
ربَّعت ساعديها أمام صدرها وتوقفت مُستندة بضهرها على المكتب العريض الذي يأخذ مساحة لا بأس بها من المكان، وقالت بهدوءٍ مُعاكس للحنق المُسيطر عليها:
_أظن حضرتك سألتني السؤال دا مليون مرة قبل كدا وقولتلك أيوا بتاعي، ودلوقتي لو مش هتشتري حاجة بستأذن منك تتفضل برا.
مطَّ شفتيه بإعجابٍ ملحوظ وهو يذهب ببصره نحو اللوحة التي تحتل مكتبها والمُدون بها اسم المكان، فقرأها بصوتٍ مسموع تحت أنظارها التي تكاد أن تُصهره من غضبها:
_"فضيَّات الشمس".
تمتم بها بتروٍ وكأنه يستلذ بنطقه له، ثم نظر إليها وعاود سؤالها بتعجب يشوبه اللهفة:
_اسمك "شمس"؟!همهمت وهي تهز رأسها بالإيجاب وقدمها تهتز بحركاتٍ مُتعصبة كما اعتادت، فابتسم بخفة وقال بأعين مُلتمعة لم تفهم السر خلفهما:
_طيب عايز أجيب لوالدتي هدية بمناسبة عيد ميلادها، ألاقي طلبي عندك؟!هدأ غضبها قليلًا وتبدد الضيق تدريجيًا من على ملامحها، فعادت إلى شخصيتها المُسالمة مُجددًا وسألته بهدوءٍ وهي تحتل مكانها واقفة أمام مكتبها:
_فيه سلاسل وإكسسوارات كتير في المحل، أو ممكن حضرتك تقولي اسمها إيه؟ ولو لقيت اسمها عندي فمُمكن يكون هدية مُناسبة ليها جدًا، ولو مش عندي فممكن تستنى يومين أنفذلك طلبك وتيجي تاخده بعدها.
ضيَّق عيناه بحذر وهو يسألها بتعجب حقيقي:
_أنتِ اللي بتصنعي الفضيات دي؟!وهُنا وجد البسمة تحتل شفتيها كأنثى يافعة وهي تُجيبه بفخرٍ لم يخلو من العنهجية:
_أيوا طبعًا، أنا ووالدي لينا ورشة جنب المحل بنعمل فيها طلبات الزباين الموجودة حاليًا، واللي مش موجودة بنعملها بنفسنا._طيب عايز سلسلة على اسم "أهِلَّة".
التمعت عيناها للحظاتٍ إعجابًا لذلك الاسم الذي دلف إلى ذهنها وأثار حواسها بشدة، وبالرغم من ذلك لم تُظهر افتتانها باسم والدته إلا للحظاتٍ معدودة، هذه هي طبيعتها، مُسالمة لكن في الوقتِ ذاته مُتمردة، كعنقاءٍ ترفض الإنحناء وتُفضِّل رفع رأسها بشموخٍ عادةً، فيما أكمل الحديث قائلًا:
_وسلسلة على شكل شمس.
ضيَّقت عيناها بحذرٍ تُحاول ببراعتها أن تستشف ما يدور داخل عقله، ولم تعلم بأنها بتلك الفعلة استحوذت على عقله وتاه هو في كوكبي زُمرديتها اللذان لم يدخرا وسعهما في أسر أنظاره، وبسؤالها المُتعجب أخرجته من تحديقه بها وهي تقول:
_شمس؟! اشمعنىٰ شمس؟!
حمحم بإدراكٍ وحاول صبغ صوته بالجدية وهو يُجيبها:
_أسباب شخصية أعتقد مش هيكون شيء لطيف لو عرفتيها!رفعت له إحدى حاجبيها مع نظرات الإستهجان التي سددتها إليه واستقبلها هو بأخرىٰ باردة، وبعد لحظاتٍ من التحديق زفرت بنفاذِ صبرٍ قبل أن تُعاود سؤاله:
_تمام طلبك هيبقى موجود بعد يومين.ثم أشارت إلى إحدى الجوانب الموجود بها الكثير والكثير من الأرفُف التي تحتوي على رسائل قديمة الطراز، ثم قالت بعملية:
_لو عايز مع الهدايا تكتب أي رسالة فتقدر تعمل كدا وتختار ظرف مُلصق تكتب فيه رسالتك بخط إيدك.رحَّب بالفكرة وسار معها عدة خطوات حتى توقفا أمام مكتبة ضخمة تضم عددًا لا بأس من «الجوابات»، اختار منها مظروفين، واحد من اللون البُني الداكن، والآخر من اللون الوردي، ثم انتشل منها قلمًا من الحِبر أسود اللون وبدأ بتدوين بعض الكلمات على ورقة بيضاء مُخططة بخطوطٍ بُنية ثم وضعها داخل المظروف الداكن، وأمسك الورقة الأخرى البيضاء المُخططة بخطوطٍ وردية ودوَّن عليها بكلماتٍ مُنمقة:
_"كاذبٌ مَن قال أن الكواكب تسبح في الفضاء؛ فها هي تسبح أمام ناظريّ، ومُختلٌ مَن أنكر جمال زُمردية كوكباكِ؛ فها هي تسحبني كالسكير فأُناجي".
كتب جُملته ثم ختمها بعبارته الآخذة:
_من المسحور "غيث قاسم طاحون" إلى ساحرته "صاحبة كوكبي الزُمرد"، دُمتي جميلة مُشتعلة.اعتدل من انحناءته وكانت هي مشغولة بوضع فضياتها ورصها جيدًا، ثم وضع الورقة المطوية داخل المظروف الوردي وألطقه بشريطة بُنية، اتجه إليها بعد أن انتهى فانتبهت إليه وتسائلت:
_خلاص؟!أومأ لها ثم مَدَّ يده إليها بالمظروفين لتضعهما مع طلبه، فابتسمت في خفة بدورها وقالت بشغفٍ يظهر عِند حديثها عن عملها:
_بعد يومين زي ما اتفقنا.هز رأسه نافيًا وأتبع فعلته بقوله:
_تؤ.. هاجي بكرة._مش هكون عملتهم لو جيت بكرة.
تمتمت بها بضيق، فقال هو بتأكيد:
_لأ هتكوني عملتيهم.امتزجت عيناها مرة أخرى بشُعلة التمرد، وقبل أن تُعاند أكثر استعد للرحيل بعد أن غمزها قائلًا:
_سلام يا.. يا رَيس.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#قريبًا.
#إغواء_حواء.
#حارة_القناص2.
#شـروق_حـسـن.