٠٢

20 9 43
                                    


تقدمت الفتاة الصغيرة بخطوات حذرة، وهي تتأمل الغابة المظلمة من حولها. كانت الأشجار الشاهقة تحجب ضوء القمر، والأعشاب الطويلة تتراقص في مهب الريح، وكأنها ترحب بها.

بدأت تمشي بين الشجيرات والأغصان، وهي تحاول ألا تصدر أي صوت. كانت كل حاسة فيها في حالة تأهب، تستمع لكل همس، وتشم كل رائحة. كانت تشعر بأنها مراقبة، وكأن عيون غير مرئية تراقب كل تحركاتها.

مع كل خطوة تتقدمها، كانت الغابة تصبح أكثر ظلمة وأكثر غموضًا و كان رتفع صوت الموسيقى معها . كانت الأغصان تتشابك فوق رأسها، وكأنها تريد أن تحبسها في داخلها. كانت الحشرات تزحف على سيقانها، وتطير حول وجهها، مما زاد من شعورها بالخوف.

تذكرت الفتاة الصغيرة كل القصص التي سمعتها عن الغابات المسكونة والوحوش المخيفة. شعرت بالرعب يسيطر عليها، ولكنها كانت مصممة على مواصلة طريقها. كانت تعلم أن الخوف هو العدو الأكبر، وأنها يجب أن تتغلب عليه.

أخذت نفسًا عميقًا، وحاولت تهدئة نفسها. تذكرت كل ما تعلمته من والديها عن الشجاعة والإصرار. كانت تعلم أن عليها أن تعتمد على نفسها فقط في هذه اللحظة.

تبعًا لصوت الموسيقى، تقدمت الفتاة الصغيرة بحذر بين الشجيرات والأغصان المتشابكة. و أخيرًا كانت آخر شجرة ، وجدت نفسها تقف على حافة منحدر ليس خطير كثيرا لكنّه مرتفع ،  انزلت بصرها لترى مملكة صغيرة ، مضاءة بأضواء نيون زاهية تتراقص مع نسيم الليل. كانت الأبنية مختلفة الألوان ، وكأنها مصنوعة من الحلوى. زينة مبالغ فيها تغطي كل شبر من المملكة، من تماثيل ذهبية عملاقة تصور حيوانات أسطورية، إلى سجاد طائر يغطي السماء.

في وسط الساحة، وقفت قلعة ضخمة تتغيّر ألوانها كل دقيقة بطريقة غريبة ، تتلألأ كجوهرة عملاقة تحت ضوء القمر. نوافذها الزجاجية الملونة ترسم لوحات فنية رائعة، تعكس انعكاسات الألعاب النارية التي كانت تنطلق في السماء.

نزلت الفتاة المنحدر بهدوء و كل تروي ، ترجو أن يكونا والداها هناك ، وقفت على الأرض و نفظت عن ثيابها الغبار ، مشت حتى وصلت الى المملكة التي كان يحيط بها سرب من الأشجار

كانت مزيّنة في كلّ شبر منها بطريقة مبالغ بها ، لكنها لم تبدو بذاك السّوء ، كانو السكان يرتدون ملابس غريبة

المباني كانت غريبة لدرجة لا تصدّق ، بعضها في الوهلة الأولى تظنّ أنّها الوحيدة الطّبيعيّة ، فتخرج من باطنها أرجل نعامة و تمشي لتغيّر موقعها لآخر ، مباني على شكل فطر مضيء و انواع من الحلوى أحيانا يكون ساكنا و أحيانا أخرى يتهزّز كقطعة هلام ، و أخرى تغطّيها الغيوم و السّحب رغم أنّها ليست طويلة و ما زال هناك الكثير ..

ملابس الفتيات المراهقات كانت جميلة مليئة بالأصداف البحريّة و أنواع ياقوت و كرستال و احجار كريمة مضيئة لم ترها من قبل

النّساء البالغات بعض الشيء يرتدنّ ملابس واسعة فضفاضة مليئة بالرّيش أو برسوم غريبة و خيوط مضاءة باللّون الذّهبي

الرّجال كانو بلبسون قمصان و سراويل لكن بنفس طراز زوجاتهم ، و الشبّان -رغم قلّتهم- كانوا يلبسون ما ارادوا .. طبعا بهذا اعني تلك الملابس الغريبة

سارت الفتاة مشغولة البال بالبحث بين الوجوه الضاحكة على وجه مألوف لها وصولا للقلعة

دقت الفتاة الصغيرة باب القلعة الذّهبي الذي يتغيّر لونه للفضي عندما تلامس يدها الصّغيرة له  ، ظهر على جانبيها رجلنا ذو شاربان طويلان و مستقيمان مع ملابس قاسية ، و قالا معا : "جاء زائر"

وفتحت لها بوابة من الذهب الخالص ، نظرت لهما الفتاة فلم تجد لهما اثرا ، وجدت نفسها في قاعة واسعة، سقفها مزين بآلاف القناديل المضاءة بألوان مختلفة. الأرضية كانت مغطاة بسجاد حريري كلّما وقع بعض الماء او شيء عليها يرتفع من الأرض و يذهب مباشرة لسلة متحرّكة في الزّاوية ، وأثاثها من الذهب والفضة. وكانت هناك نافورة في وسط القاعة، تتصاعد منها مياه ملونة تغني ألحانًا ساحرة.

على عرش من اللؤلؤ، جلست ملكة شابة لا تتجاوز الثامنة والعشرين من عمرها. كانت بشرتها بيضاء كالثلج، وشعرها أسود قاتم ، وعيناها ذهبيّتان كالذّهب الخالص ، كانت ترتدي ثوبًا من الحرير الأرجواني مع الأزرق و لا ننسى اللّون الذّهبي ، مرصعًا بالأحجار الكريمة، وتاجًا من الياقوت على رأسها.

ارتمت أعين الشّابة على وجه الفتاة لتبتسم ابتسامة عريضة ، اتّجهت جميع الأوجه للفتاة باستغراب حين صرخت الشّابّة من فوق عرشها

" لقد جاءت زائرتنا "

" ×مَـوْطِـن الـرَّهْـبَـة× "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن