تقدّمت ببطئ مصدرة صدى صوت طقطقة حذائها في أرجاء القاعة ، تنهّدت فخرج من فاهها هواء بارد
كانت القاعة مقلوبة رأسا على عقب ، طلاء الحائط قد بدأ بالتّقشّر ، النّوافذ متشقّقة ، سائل لزج يغطّي معظم أرجاء القاعة ، المكان هادئ تماما إلّا صفير الرّياح لا يتوقّف عن الصّراخ
الألوان الزّاهية كلّها صارت شاحبة ، الأثاث فَسُدَ جلّه و اهترأ ، لا تكاد آيفا تفهم أين هي ، هل أخطأت الطّريق و ذهبت لمكان آخر بدل المملكة ؟
اقتربت من زجاج النّافذة ، نظرت إلى ذلك السّائر اللّزج الذي يغطّي الأرجاء ، لامسته بأصبعها و أقربته من عينيها لتلقي نظرة له
شهقت فجأة و سارعت لمسح إصبعها في السّتار و بدأت بالتّراجع ورائا ، همست بصوت مرتجف
" د .. دماء ؟~~"توقّفت لوهلة و قالت بعد أن تسلّل الخوف لقلبها و صار يضخّه في عروقها " هل يعقل أنّ ذاك الوحش قد هاجم المملكة ؟ "
سارعت في صعود الدّرج وصولا للطابق الثّاني ، و كان عبارة عن ممر في نفس حالة القاعة المزرية و مليئ بالغرف كلّ غرفة تحمل على بابها لوحة مكتوب عليها اسم ما
لم تعرف آيفا لماذا يملّكها الفضول في كلّ مرّة .. أصلا لا أحد في المملكة و هذا يعني أنّها تستطيع التجوّل لبعض الوقت و المبيت حتّى الصّباح لتعاود البحث عن طريق العودة
اقتربت من أوّل غرفة بجانب السّلالم ، همست محاولة قرائة الاسم
~~" Aath "~~
لم تفهم مالذي تعنيه الكلمة ربّما اسم شخص ما ؟ ، لكنّها كانت موقنة بأنّ لا أحد بهذا المكان لذلك فتحت الباب و كالعادة كان مهترئا فأصدر صريرا
دلفت إليه و قد كان مطبخا ، لكن و الصدمة .. لقد كان نظيفا تماما !! على عكس القاعة و الممرُ فلم يحمل اي بقعة دم و مرتّبا بطريقة مثاليّة
كلّ شيء يلمع هناك كما لو تمّ تنظيفه لأكثر من مرّة ، تجوّلت فيه قليلا و قد كان واسعا و تنسيقه جميل للغاية
شعرت آيفا بجوع شديد ، أحسّت بأنّها لم تأكل لأمد طويل
اقتربت من الثّلّاجة و قد ارتسمت على محياها ابتسامة عريضة ، أمسكت مقبضها و فتحتها مجهّزة عينيها لترى أصنافا مختلفة من الطّعام و لا تأبه إذ كان ذلك طعام المملكة الغريب ذو الأساطير السخيفة
~~
فُتحت عيناها على مصرعيها و تقلّصت بؤبؤتا عينيها ، اختفت الابتسامة من على شفتيها ، ارتجفت يدها و أحسّت بتلك النّغزة الموجِعة في قلبها كما لو كان سهما يخترقه
سقطت جاثية على الأرض لا تبتعد عينيها عن ذاك المنظر البشع
لحوم .. لحوم بشريّة .. أعضاء بشريّة ، كانت الثّلاجة ممتلئة لآخرها بـ أعضاء بشريّة غارقة في الماء داخل علب زجاجيّة
سيقان ، أذرع ، أصابع .. جميع اللّحوم البشريّة
انشلّت قدميها فبدأت بالزّحف للخلف ببطئ تحاول الابتعاد عن منطقة الخطر لكنّ جسدها يزيد ثِقلا
توقّف لوهلة بعد أن شعرت أنّ جسدها يستطيع الوقوف و الحراك بشكل أفضل ، فوقفت على قديميها و سارعت لإغلاق باب الثّلاجة
تنهّدت بعمق ، نظرت لباقي الخزانات الصّغيرة في توتّر و لم تلبث أن فتحتها جميعها ، كان تحمل أيضا باقي الأعضاء من أعين و شعر و ألسنة .. و العظام بأنواعها و أشكالها ، كان منظرا مروّعة
و رغم ذلك كان كلّ شيء نظيفا تماما ..
ارتعد جسدها حين سمعت صوت صدى طرقات أقدام على البلاط الخشبي
أحسّت برهبة شديدة و لم تكد أن بادرت بالاختباء في خزانة قد كانت فارغة
انكمشت بداخلها بحيث عانقت ساقيها بقوّة ، بينما كانت تنظر من الثّقب الصغيرة في باب الخزنة
بدأت طرقات الحذاء تقترب أكثر و أكثر و قد كان واضحا أنّها امرأة فقد كانت طرقات كعب عالي بعض الشّيء
و أخيرا .. ظهرت
قطّبت آيفا جبينها و خفّت دقّات قلبها ..
~~/He follows/ ~~
أنت تقرأ
" ×مَـوْطِـن الـرَّهْـبَـة× "
Horrorفي ظلمات ليلٍ بلا قمر، حيث يختفي النور وتتسلل الأشباح، تتجول مخاوفنا كوحوش جائعة، تفتش عن زوايا ضعفتنا لتنهشها .. صوت خشخشة الأوراق في الريح يتحول إلى همسات شريرة، وصوت قطرات المطر على النافذة يصبح نداءات يائسة من عالم آخر .. قشعريرة تجتاح جسد...