ارتعشت يديها ، شعرت بالخوف يدبّ في قلبها ، يسير في عرقها ، يتردّد في عقلها
عضّت شفتها السّفلى بتوتّر ، نظرت لأمامها كانت تحتسي القهوة في كل ارياحيّة و قد اقتنت كتابا آخر و بدأت تقلّب صفحاته بهدوء
بالطّبع تكون مرتاحة .. كيف لا ؟ وهي لا تعاني من مصيبة كهذه ، لكنّ آيفا لا تشعر أنّه من الطّبيعي أن تكون بهذا القدر من الرّضى و قد عاشت هنا عدّة سنوات و هي شبه فاقدة للذاكرة و لا تعرف ماذا يجري خارج الفراغ الذي يحيط بها ، كيف استطاعت اصلا ان تتجاوز ذلك ؟
رفعت أوريليا بصرها لـ آيفا ، عدّلت جلستها بطريقة مريحة أكثر مقطّبة حاجبيها و استفسرت : " لماذا تشعرين بالتّوتّر ؟ قلت لك أنّك في أمان هنا "
زفرت آيفا أنفاسها بعمق ، فكّرت قليلا في إجابة أوريليا ، لكنّها بادرت بجواب مع وجه عابس " و إلى متى سأبقى هنا ؟"
همهمت أوريليا مفكّرة ، لكن بالنّهاية هزّت كتفيها بلا حيلة و قالت : " طوال عمرك .. ليس أمرا بذاك السّوء على الأقل أحسن من الموت خائبة الأمل "
لم تجب آيفا و ظلّت تفكّر ، ليست مقتنعة بما قالته أويليا ، جزء منها يرفض ذلك تماما دون سبب وجيه
" هل تريدين أن تأخذي نفسك بنفسك إلى الهالاك ؟"
صرخت أوريليا بتأنيب ، قد كان واضحا أنّها لا تريد من آيفا الذّهاب .. تريدها ان تبقى .. لسبب ما ..
مرّت بضع ثوانٍ لتقف آيفا ثابتة بثقة ، رفعت رأسها تنظر لـ أوريليا ، تحكم قبضتها
قالت بحزم و ثقة " إن بقيتُ هنا فسأظلّ نادمة عن يوم كان يفترض بي أن أكون شجاعة فيه! "
تنهّدت أورليا ، شبكت يديها عند صدرها و قالت مقطّبة حاجبيها ، عينيها تتلألآن بحزن ، نبرتها خافتة : " إذا ؟ ستذهبين .. ؟"
آخر كلمة كانت بنبرة حزينة للغاية ، كما لو لم تكن جاهزة لسماع كلمة "نعم" .. شعرت آيفا بحيرة كبيرة .. أوريليا لا ترغب بالخروج ، و آيفا ترغب بذلك .. لا ينبغي أن تبقى أورليا وحيدة .. لو فعلت ذلك لتألّمت كثيرا و ندمت
نظرت آيفا لـ أوريليا بعينين مليئتين بالشّفقة و التّرجّي ، تراقصت كلمات آيفا لمسامع أوريليا لتجعل ضميرها يؤنّبها بشدّة لسبب لم تعرفه
" أوريليا ... دعينا نخرج معا و نهرب ؟ إذ لم ينجح أحد في ذلك .. فربّما نكون أوّل من تنجحان ؟ "
رفعت أوريليا بصرها ببطئ ، تنهّدت بينما تفكّر ، و من حركات عينيها السّريعة و عضّها لشفتيها كان واضحا من أنّها تعاني صعوبة في اتّخاذ قرارها الأخير
فُجائة .. قامت ببطئ من الكرسي الخشبي واضعت الكتاب و كأس القهوة في وسط الطّاولة ، و بادرت قائلة بوجه هادئ و نبرة حماسية مع ابتسامة صغيرة :
" حسنا .. لكن يجب أن لا نندم ان خسرنا ففي النّهاية إنّها مخاطرة تستحق حياتنا !"
أومأت آيفا رأسها بنشاط " نعم !! "
اتّجهتا إلى بوابة المكتبة ببعض التّوتّر و الخوف ، لم تستعدّا أو تحدّدا خطّة قبل أوّل خطوة ، رغم ذلك تريا بصيص أمل نصب عينيهما ..
~~~•/~~~•/~~~•/~~~•/~~~•
سلكتا طريقا من خلف المكتبة وصولا للمنحدر دون أن ترتمي عين عليهما ، تختبئان خلف أي شيء تريانه و الأهم الآن هو أن لا يراهما أحد
تسلّلتا بين الأشجار الضخمة ، كثيفة الأوراق ، لم تتجرء أيّ منهما حتّى أن تأخذ نفسا صغيرا
كان الخوف يدبّ في قلوبهما ، فالهلاك يبتسم لهما ابتسامته الشّيطانيّة ينتظر خطوة صغيرة خاطئة ليلتهمهما
طوال الوقت كانت تترائا لعقليهما طريقة موتهما و مشاهد لآخر نفس لهما ، تحاولان طردها فتعود أخرى أشدّ رُعبا
كانت تسترجع أوريليا أنفاسها كلّ لحظة كما لو اشتاقت لذلك ، تحملق طويلا في كلّ شبر و عادة تلمس بعض الأشياء محاولة تصديق أنّها فعلا خرجت من ذاك الفراغ الموحش
آيفا .. كانت مشغولة البال باسترجاع شيئ نسته تماما .. لماذا جائت لهذا المكان ؟ ما تزال تتذكر عندما كانت تنتظر شيئا .. عندما خرجت باحثة عنه .. عندما سلكت هذا الطّريق فقط لتتخلّص من الهمسات بأذنها التي لا تتوقّف عن اعطاء أوامر سخيفة و مزعجة لها
سلكت آيفا نفس الطريق التي سلكتها مجيئا و كانت أوريليا تتّبع خطواتها بصمت و حذر شديد
كانت هناك مسافة بين آيفا و أوريليا لأن آيفا كانت أسرع أما أوريليا فكانت مشغولة بتأمّل كلّ شيء افتقدته
لاحظت أوريليا أنّ آيفا توقّف ، أسرت أوريليا لها و همست محاولة أن تُسمِع صوتها الخائف " لما توقّفتي ؟ هل وصلنا ؟ "
اقتربت أكثر لترى ملامح آيفا المرتعدة المفجوعة و قد تسارعت أنفاسها و ارتعش جسدها ..
انفتحت عينيها على مصرعيهما و تقلّصت بؤبؤتهما ، همست آيفا دون حراك متصمّة في مكانها :
" لا .. ترفعي .. رأسك "
أنت تقرأ
" ×مَـوْطِـن الـرَّهْـبَـة× "
Horrorفي ظلمات ليلٍ بلا قمر، حيث يختفي النور وتتسلل الأشباح، تتجول مخاوفنا كوحوش جائعة، تفتش عن زوايا ضعفتنا لتنهشها .. صوت خشخشة الأوراق في الريح يتحول إلى همسات شريرة، وصوت قطرات المطر على النافذة يصبح نداءات يائسة من عالم آخر .. قشعريرة تجتاح جسد...