٠٧

7 4 2
                                    

ارتعشت يديها ، شعرت بالخوف يدبّ في قلبها ، يسير في عرقها ، يتردّد في عقلها

عضّت شفتها السّفلى بتوتّر ، نظرت لأمامها كانت تحتسي القهوة في كل ارياحيّة و قد اقتنت كتابا آخر و بدأت تقلّب صفحاته بهدوء

بالطّبع تكون مرتاحة .. كيف لا ؟ وهي لا تعاني من مصيبة كهذه ، لكنّ آيفا لا تشعر أنّه من الطّبيعي أن تكون بهذا القدر من الرّضى و قد عاشت هنا عدّة سنوات و هي شبه فاقدة للذاكرة و لا تعرف ماذا يجري خارج الفراغ الذي يحيط بها ، كيف استطاعت اصلا ان تتجاوز ذلك ؟

رفعت أوريليا بصرها لـ آيفا ، عدّلت جلستها بطريقة مريحة أكثر مقطّبة حاجبيها و استفسرت : " لماذا تشعرين بالتّوتّر ؟ قلت لك أنّك في أمان هنا  "

زفرت آيفا أنفاسها بعمق ، فكّرت قليلا في إجابة أوريليا ، لكنّها بادرت بجواب مع وجه عابس " و إلى متى سأبقى هنا ؟"

همهمت أوريليا مفكّرة ، لكن بالنّهاية هزّت كتفيها بلا حيلة و قالت : " طوال عمرك .. ليس أمرا بذاك السّوء على الأقل أحسن من الموت خائبة الأمل "

لم تجب آيفا و ظلّت تفكّر ، ليست مقتنعة بما قالته أويليا ، جزء منها يرفض ذلك تماما دون سبب وجيه

" هل تريدين أن تأخذي نفسك بنفسك إلى الهالاك ؟"

صرخت أوريليا بتأنيب ، قد كان واضحا أنّها لا تريد من آيفا الذّهاب .. تريدها ان تبقى .. لسبب ما ..

مرّت بضع ثوانٍ لتقف آيفا ثابتة بثقة ، رفعت رأسها تنظر لـ أوريليا ، تحكم قبضتها

قالت بحزم و ثقة  " إن بقيتُ هنا فسأظلّ نادمة عن يوم كان يفترض بي أن أكون شجاعة فيه! "

تنهّدت أورليا ، شبكت يديها عند صدرها و قالت مقطّبة حاجبيها ، عينيها تتلألآن بحزن ، نبرتها خافتة : " إذا ؟ ستذهبين .. ؟"

آخر كلمة كانت بنبرة حزينة للغاية ، كما لو لم تكن جاهزة لسماع كلمة "نعم" .. شعرت آيفا بحيرة كبيرة .. أوريليا لا ترغب بالخروج ، و آيفا ترغب بذلك .. لا ينبغي أن تبقى أورليا وحيدة .. لو فعلت ذلك لتألّمت كثيرا و ندمت

نظرت آيفا لـ أوريليا بعينين مليئتين بالشّفقة و التّرجّي ، تراقصت كلمات آيفا لمسامع أوريليا لتجعل ضميرها يؤنّبها بشدّة لسبب لم تعرفه

" أوريليا ... دعينا نخرج معا و نهرب ؟ إذ لم ينجح أحد في ذلك .. فربّما نكون أوّل من تنجحان ؟ "

رفعت أوريليا بصرها ببطئ ، تنهّدت بينما تفكّر ، و من حركات عينيها السّريعة و عضّها لشفتيها كان واضحا من أنّها تعاني صعوبة في اتّخاذ قرارها الأخير

فُجائة .. قامت ببطئ من الكرسي الخشبي واضعت الكتاب و كأس القهوة في وسط الطّاولة ، و بادرت قائلة بوجه هادئ و نبرة حماسية  مع ابتسامة صغيرة :

" حسنا .. لكن يجب أن لا نندم ان خسرنا ففي النّهاية إنّها مخاطرة تستحق حياتنا !"

أومأت آيفا رأسها بنشاط " نعم !! "

اتّجهتا إلى بوابة المكتبة ببعض التّوتّر و الخوف ، لم تستعدّا أو تحدّدا خطّة قبل أوّل خطوة ، رغم ذلك تريا بصيص أمل نصب عينيهما  ..

~~~•/~~~•/~~~•/~~~•/~~~•

سلكتا طريقا من خلف المكتبة وصولا للمنحدر دون أن ترتمي عين عليهما ، تختبئان خلف أي شيء تريانه و الأهم الآن هو أن لا يراهما أحد

تسلّلتا بين الأشجار الضخمة ، كثيفة الأوراق ، لم تتجرء أيّ منهما حتّى أن تأخذ نفسا صغيرا

كان الخوف يدبّ في قلوبهما ، فالهلاك يبتسم لهما ابتسامته الشّيطانيّة ينتظر خطوة صغيرة خاطئة ليلتهمهما

طوال الوقت كانت تترائا لعقليهما طريقة موتهما و مشاهد لآخر نفس لهما ، تحاولان طردها فتعود أخرى أشدّ رُعبا

كانت تسترجع أوريليا أنفاسها كلّ لحظة كما لو اشتاقت لذلك ، تحملق طويلا في كلّ شبر و عادة تلمس بعض الأشياء محاولة تصديق أنّها فعلا خرجت من ذاك الفراغ الموحش

آيفا .. كانت مشغولة البال باسترجاع شيئ نسته تماما .. لماذا جائت لهذا المكان ؟ ما تزال تتذكر عندما كانت تنتظر شيئا .. عندما خرجت باحثة عنه .. عندما سلكت هذا الطّريق فقط لتتخلّص من الهمسات بأذنها التي لا تتوقّف عن اعطاء أوامر سخيفة و مزعجة لها

سلكت آيفا نفس الطريق التي سلكتها مجيئا و كانت أوريليا تتّبع خطواتها بصمت و حذر شديد

كانت هناك مسافة بين آيفا و أوريليا لأن آيفا كانت أسرع أما أوريليا فكانت مشغولة بتأمّل كلّ شيء افتقدته

لاحظت أوريليا أنّ آيفا توقّف ، أسرت أوريليا لها و همست محاولة أن تُسمِع صوتها الخائف  " لما توقّفتي ؟ هل وصلنا ؟ "

اقتربت أكثر لترى ملامح آيفا المرتعدة المفجوعة و قد تسارعت أنفاسها و ارتعش جسدها ..

انفتحت عينيها على مصرعيهما و تقلّصت بؤبؤتهما ، همست آيفا دون حراك متصمّة في مكانها :

" لا .. ترفعي .. رأسك "

" ×مَـوْطِـن الـرَّهْـبَـة× "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن