الفصل الثامن

10.8K 241 2
                                    

. في اليوم التالي انتقلت اليزون ووالدتها
وجسي إلى المنزل الجديد. صعدت الفتاة إلى غرفتها وأحست بكآبة غريبة.
غرفتها كانت رائعة بورق جدرانها الأزرق الجديد وأثاثها البسيط، لكنها لم تتمكن من النوم. ففكرت بنزهة في
البستان قرب النهر.
"بوبي، لنخرج" قالت لكلبها وسبقته على السلم بهدوء كي لا توقظ والدتها.
جلست تحت شجرة تتأمل المنظر الممتد أمامها تحت ضوء القمر. ظلت نصف ساعة جالسة مكانها
إلى أن شعرت بشيء من السكينة. فنهضت ولاحظت أنها اتجهت تلقائياً نحو القصر.
لما لا؟ قالت لنفسها. نظرة أخيرة على منزل طفولتها، وداع أخير فقط وغداً تبدأ حياة جديدة.
صعدت السلم الحجري برفقة كلبها ثم دفعت الباب ودخلت إلى الصالون.
وجدت الأثاث كله مكدس في زاوية الغرفة التي تبدو بائسة وكأنها مهجورة منذ سنوات.
جلست على الأرض ودست وجهها في فروة كلبها وأجهشت بالبكاء. لماذا جاءت؟ تساءلت بمرارة.
لماذا تحرك الحديد على الجرح؟ القصر لم يعد ملكاً لها.. بعض الذكريات عادت إلى رأسها..
نيل ماكبان، في سن الثانية عشرة كان يؤكد أن روشبرين تعود لعائلته.. وتذكرت كلام جوني
عن تحذير نيل له بعد تلك الحفلة. "لنعد بوبي!" أمرته وهي تنهض. فجأة نبح الكلب وبنفس
اللحظة فتح الباب وسمعت خطوات في البهو. "يا إلهي، ماذا تفعلين هنا؟" سألها نيل ماكبان.
"كنت ذاهبة " أجابته ببرودة وهي تتمنى أن لا يلاحظ احمرار عينيها. "هيا بنا، بوبي!"
رأته يمد يده نحو زر الكهرباء. " لا! لا تشعل النور، أرجوك!" صرخت الفتاة.
بدون شك، فهم سرها لأنه رفع يده عن زر الكهرباء وقال بصوت عذب.
"لماذا أنت مستعجلة؟".
"لا أستطيع البقاء".
"قولي بالأحرى أنك لا تريدين البقاء معي".
لماذا تشعر أمام هذا الرجل وكأن حملاً ثقيلاً يضغط على صدرها؟ "ليس الوقت مناسباً للنقاش! أرغب فقط بمغادرة منزلك بأقصى سرعة".
"لماذا جئت إذاً؟".
"لا يمكنك أن تفهم.
إذاً لن أضيع وقتي بمحاولة شرح الأسباب لك. والآن.. لو سمحت، ابتعد ودعني أمر".
"سأصطحبك.. هناك غجر يخيمون قريباً من هنا. ولهذا السبب جئت لأقفل الباب بالمفتاح،
انتظريني".
"أنا لا أخاف منهم".
"لكنك لم تلتق بهم ليلاً".
"بدون شك، سأشعر معهم بأمان أكثر
مما أشعر به معك" قالت بحدة وأشارت للكلب كي يتبعها. في الطريق تذكرت كلام جوني
"لا تقترب منها، يا صغير، إنها لي" من المؤكد أن نيل كان يقصد روشبرين وقد حصل عليها..
لكنه لن يحقق حلمه هذا أبداً. مرت الأيام وبدأت اليزون تحب منزلها الجديد. في القصر،
كان العمل يبدأ في الصباح الباكر ولا يتوفق العمال إلا مع مغيب الشمس. استمر الطقس ممطراً
واليزون تفكر باندريه الصغير الذي تمنعه رداءة الطقس من اللعب في الخارج بعد المدرسة.
المسكين يقضي معظم وقته وحيداً مع جده أو ينتظر أمام النافذة والده. ذات يوم، كانت تصطحب
الصبي إلى المنزل في الساعة الرابعة عندما قررت أن تنصرف. "إذا سمح جدك، اندريه،
أنا أدعوك إلى منزلي" فرح الصبي وخرج من السيارة مسرعاً.
بعد لحظات عاد وأخبرها أن جده وافق. "حسناً، سنمر في طريقنا على والدك لنخبره أنك معي".
بعد دقائق توقفت أمام باب القصر "انتظرني في السيارة، لن أتأخر". دخلت البهو،
وسمعت طرقات قدوم في الطابق العلوي. "أيوجد أحد هنا؟". توقف الضجيج على الفور وظهر جوني
في أعلى السلم. "مساء الخير، اليزون. أيمكنني مساعدتك بشيء ما؟" سألها مبتسماً بحرارة.
"هل السيد نيل هنا؟". "إنه في العلية " ثم التفت نحو أحد العمال وطلب منه أن يناديه،
بينما عاد ينظر إلى الفتاة بإعجاب. كم هو لطيف .. وفاتن! جوني مختلف جداً عن نيل
الفظ المتعجرف، لكنه لا يصل إلى مستوى سحره. "لا تتحرك" أمرته اليزون ومدت يدها بسرعة
وأزالت عن حاجبه أثراً للجفصين.حبس جوني أصابع الفتاة في يده وشكرها.
كانت اليزون تستعد لابعاد يده عن يدها عندما لمحت نيل الذي يراقبهما بصمت من أعلى السلم.
تملكها إحساس غريب لم تفهمه. فتوقفت عن المقاومة وضحكت بأعلى صوت بينما تركت جوني يطبع
قبلة على راحة يدها. ثم نظرت إلى نيل بطرف عينها، كان يبدو بقمة غضبه كما كان بعد تلك
السهرة منذ تسعة أعوام.. ساد صمت قصير، ثم أعلن نيل بصوت هادئ ظاهرياً لكنه
لا يخفي غضب صاحبه. "ترغبين بالكلام معي، آنسة ماكاي؟". "نعم، اندريه معي، سأصطحبه إلى منزلي،
والدك على علم". "حسناً، إذا سبب لك أي ازعاج لا تترددي في إعادته على الفور".
"لن يسبب لي أي إزعاج،أنا متأكدة" ثم وجهت كلامها إلى الرجلين وأضافت "الشاي سيكون جاهزاً
بعد قليل. أنتما على الرحب والسعة". "بكل سرور" أجابها جوني، بينما اكتفى نيل بأن هز رأسه.
عادت اليزون إلى سيارتها والابتسامة تعلو وجهها. ومع ذلك، تجنبت أن تسأل نفسها عن سبب غضب نيل.
منذ ذلك اليوم، اعتادت اليزون على دعوة أندريه إلى منزلها بعد المدرسة.
وبفضل طعام جسي اللذيذ، بدأت صحة الصبي تتحسن. أما السيدة ماكاي، فكانت تقضي أوقات فراغها
القليلة برسم الصغير الذي تجده رائعاً.

روايات عبير : قد تحدث معجزهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن