الفصل الثاني

11.6K 263 2
                                    

الفصل الثاني

كان نيل ماكبان قد إختفى, عادت إلى القصر وهي تحاول
أن تمحو من ذاكرتها آخر لقاء مهين لها مع هذا الرجل منذ تسعة أعوام خلت, كان عمرها ستة عشر
عاما وقد سمحت والدتها بحضور حفلة راقصة
في القرية على شرط أن تعود برفقة أخيها أليك الذي كان في الواحدة والعشرين من عمره.
كانت قد لاقت إعجابا شديدا بين شبان القرية اسعدها كثيرا, كي يزداد فرحها, لمحت منذ وصولها نيل
ماكبان وافقا في زاوية يراقبها, لم يكن يبدو مرتاحا ببذلته القديمة, وبدافع من غريزتها حاولت
طوال الوقت لفت أنظار الشبان إليها, ضحكاتها الساحرة وعيونها البراقة أدارت كل ارؤوس لدرجة أن
أحد مراقصيها حاول أن يسرق منها قبلة.
عندما حان موعد مغادرة السهرة أخيرا, بحثت اليزون عن شقيقها كي تعود معه كما كان متفقا.
"أيمكنني مرافقتك, اليزون؟". التفتت اليزون بسرعة ورأت في الظلام أحد المراقصين الأكثر سحرا
وتأنقا, جوني كورون. "لا, شكرا" أجابته بتردد لأنه كان مشهورا بعجرفته
"يجب أن ألتقي بأخي عند منعطف الطريق" كذبت لتتجنبه, ثم إبتعدت بإتجاه القصر, أين هو أليك؟.
لماذا لم ينتظرها؟ لم تكن اليزون تخاف الظلام فهي للحقيقة تحب التنزه ليلا, لكنها فجأة,
أحست أنها ملاحقة, فأسرعت الخطى, بعد أن تسلقت جدارا حجريا لتختصر الطريق,
أخذت تركض تحت ضوء القمر, فجأة تسمرت مكانها, هناك من يتعارك خلفها.. ثم سمعت سقطة,
وصراخا ثم خطوات متسارعة, أهذا أليك الذي أسرع لنجدتها؟. "أليك؟" تمتمت دون أن تحصل على جواب؟
فعادت إلى الوراء ولكنها أمام النهر, وجدت نفسها وجها لوجه أما نيل ماكبان عدوها اللدود,
كان يفرك يديه,وكان من عادته أن يتخاصم كثيرا مع أليك لهذا أسرعت الفتاة نحوه وهي تصرخ بحدة.
"ماذا فعلت بأخي؟". رماها بنظرة قاسية, إنه ليس نفس الرجل فكرت للحظة, ففي الحفلة كان يبدو مضطربا,
أما في الغابة فهو يبدو واثقا جدا من نفسه.
"الذي هرب على الفور, لم يكن أخاك" قال بإحتقار "لكنه جوني كوردون".
"لا أصدق" ولاحظت عندئذ الدماء على ذقنه؟
"بالنظر إلى تصرفاتك في الحفلة, لست مندهشا أبدا
إذا كان هو الوحيد الذي تبعك". "ماذا تقصد؟" واحمر وجهها بسرعة. "بالنسبة لسنك,
كان يجب أن تفهمي".
"كيف تجرؤ على الكلام معي بهذه اللهجة؟ لو كان أليك بجانبي لكان لقنك
درسا مناسبا..".
"لم يكن ليستطيع أنا لا أخاف منه ولا من غيره! لو رأيت حالة جوني وهو يهرب..".
"أنت لا تفكر سوى بالعراك " صرخت غاضبة "تقضي كل وقتك في القتال". "لا, ليس كل وقتي.."
ثم إبتسم وداعب خدها بيده.إزداد غضبها ودفعته عنها بعنف. "لا تلمسني,إياك أن تفعل ذلك من جديد".
"لكنك في الحفلة, لم تعترضي على ما يفعله الآخرون, حنى أنك كنت تبدين مسرورة بذلك".
وبسرعة ضمها إليه ودون أن يترك لها مجالا لتصرف, طبع على شفتيها قبلة حارقة.
لشدة ذهولها وعمق إرتباكها صفعته اليزون بقوة, لكن في اللحظة التي حاولت فيها الهرب,
أمسك نيل ذراعها, أخذت ترتجف وتذكرت ميله للعنف.
"لا داعي للخوف" طمأنها بابتسامة ساخرة "لم يسبق لي أن ضربت إمرأة , من ناحية أخرى,
لا أحب أن يصفعني أحد".
"دعني!" صرخت من جديد "ولكن.. أنت.. كنت تتبعني".
"نعم ولا, للحقيقة كنت متجها بهذا الإتجاه" شرح وهو يتركها "كنت أريد أن أحصل على بعض السمك".
لم تتحمل نظراته, فأدارت وجهها وأحست بكره كبير نحوه, أولا تدين له بإنقاذها, ثانيا لأنه قبلها
بوحشية هذه قبلتها الأولى.. والأسوء أنها خالية من أي حنان أورقة. "هذه تعتبر سرقة فالغابة هذه
ملك لنا". إنفجر نيل ضاحكا. "حسنا آنسة ماكاي, هذه ليست المرة الأولى التي إصطاد فيها في هذا
النهر.. ولن تكون الأخيرة, جئت مئات المرات ولم يرني لا أخوك ولا البستاني".
"لكنني سأخبرهما! وستذهب إلى السجن".
"إفعلي, أرجوك وستكونين سخرية للجميع لانه ليس لديك أي دليل".
"سأردد أمام الشرطة كل ما قلته لي".
"سيسالونني عن سبب جرح ذقني وسأخبرهم بكل ما حصل" وابتسم بسخرية. شدت الفتاة عل قبضتي يديها,
هذا الشاب الذي إلتقته الكريه لديه جواب لكل شيء, لم تضيع وقتها معه فحسب,بل جعلها تبدو سخيفة.
"بما أني أدين لك لأنك أسرعت لنجدتي, سأسمح لك بإصطياد أسماكك ثمنا لمساعدتك لي,
ولكن فيما بعد ستسرع بالفرار". هذه الكلمات جرحت الشاب في الصميم.
"من الؤسف أنه لا يوجد أحد
مستعد لقفل فمك".
"أتعتقد أنه سيكون أنت؟ دعني أضحك". وإبتعدت متابعة طريقها.
"نعم, سافكر بذلك.. سنرى ذات يوم". ركضت اليزون حتى المنزل وهي تلهث, لكنها لم تخبر أحدا بما
حصل, ولا حتى أليك الذي كان مشغولا مع فتاة أخرى خلف صالة الرقص وقد نسي وعده لها بمرافقتها.
عضت اليزون على شفتيها وهي تتذكر كلمات نيل الأخيرة, بدون شك, نطق بها تعبيرا عن غضبه فقط لأنه
بعد ثلاثة أشهر بالتحديد هجر البلاد ولم تره أبدا. أي فرق بين المراهق النحيف, وبين الرجل التقت
به منذ قيل أمام المتجر! بقامته الممتلئة وبشرته التي اكتسبت السمرة وملامحه الناضجة أصبح وسيما فاتنا.
عيونه.. أبدا لن تنسى اليزون نظراته التي رماها بها للحظة اليوم.
عيونه تغيرت أصبحت تشع بتعبير مربك أقلق الفتاة وجعلها تسرع بالهرب إلى داخل المتجر.
ماذا ستكون ردة فعل جسي عندما تعلم بعودة نيل ماكبان إلى البلدة؟
لم تتمكن من نقل النبأ إليها, لأنها ما أن عبرت الباب حتى رأت والدتها تنزل السلم بسرعة
لإستقبالها. كانت الوالدة في قمة الإنفعال. "إتصل بي جون ستيوارت منذ قليل. الرجل الذي يريد
شراء القصر سيزورنا غدا". إنقبض قلب الفتاة وهي تراقب والدتها. "أمي.. أنت تخفي عني شيئا؟".
"أوه.. إيه.. لا, أنت مخطئة, يا عزيزتي". لكن وجه السيدة ماكاي كان شاحبا.
"ماذا حصل؟" ألحت الفتاة "هل غيرت رأيك؟". "لا, لا.. لكني أشعر بالصداع. هذا كل ما في الأمر".
ثم صعدت السلم من جديد بسرعة. لماذا هي متوترة بهذا الشكل؟ في صباح اليوم التالي,
بعد ليلة طويلة من الكوابيس,إرتدت اليزون ملابسها بمزاج سيء لأن هذا النهار لا ينبىء بشيء حسن..
سيأتي الشاري الجديد في الساعة العاشرة. في الساعة التاسعة, إكتفت بفنجان قهوة وخرجت لتنزه
بوبي في البستان. عبرت البستان ثم إستدارت ووقفت تتأمل القصر من بعيد.
إذا لم تحدث معجزة, ستضطر للرحيل عن المنزل الذي أبصرت النور فيه.
تابعت نزهتها بحزن في الغابة واتجهت نحو النهر الذي يتلألأ مياهه تحت أشعة الشمس,
دق قلبها بسرعة عندما وصلت إلى المكان الذي ترك في نفسها منذ تسعة أعوام ذكرى لن تنساها ابدا..
توقفت في مكانها مرعوبة ورفعت يدها إلى فمها عندما رأت رجلا يتأمل مجرى الماء مفكرا.
التفت الرجل ببطء ونظر إلى الفتاة وكأنه طوال هذه السنوات كلها كان لا يزال ينتظرها.
إنه نيل ماكبان. "ماذا تفعل هنا؟" سألته كردة فعل أولى وكأنها تطلب منه مغادرة ممتلكاتهم.
"إنظر حولي وأفكر" أجابها بهدوء. أين هو إذا ذلك المراهق العنيف المستعد دائما للعراك؟
كيف يمكنها المحافظة على برودة دمها أمام هذا الرجل الذي يتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها؟
"أرى بأنك دائما تجد لذة بالدخول إلى أملاك خاصة بدون إذن!". "أنت مخطئة.. آنسة ماكاي".
أجابها بسخرية. "لقد تلقيت دعوة". "هذا ليس صحيحا! أنا لم..". "ليس انت, لا, ولكن والدتك.
ألم تخبرك؟". "لا! أنا.. انا.. أتكون أنت من يبغي بشراء روشبرين؟" أضافت وهي تحاول جاهدة أن
تتمالك نفسها.
"نعم. جئت قبل الموعد كي أستغل الفرصة وأزور البستان هذا يجنبك أن تريني إياه".
"أنت تهرف كل زاوية فيه. أنا متأكدة من ذلك" اجابته
بتوتر أمام نظرات السخرية في عيونه.
لهذا السبب كانت والدتها مضطربة بالأمس. كانت بدون أدنى شك تتوقع ردة فعلها. نظرت إلى الكلب
بوبي الذي أسرع يلمس يدي نيل. داعب نيل رأس الكلب فسر هذا الأخير كثيرا وحرك ذنبه بمرح.
رفع نيل رأسه بإبتسامة ساخرة. لم يعد بإمكان اليزون تحمل المزيد,
فإبتعدت بإتجاه المنزل. لكنها سمعت خطوات خلفها ثم صوتا يناديها."أصبحت الساعة العاشرة,
سأرفقك إلى القصر".

روايات عبير : قد تحدث معجزهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن