-بضع ساعات وتغيب الشمس خارج الغابة الكثيفة
ولم تخرج أي طريدة من الكهف طوال اليوم .
استمر الفتى الشاب بضرب الفأس بالعصا ، ومع
كل ضربة كانت حافة السهم تصبح
حادة أكثر فالفتى لا
يريد ترك أي مجال لجعل هذا الهدف يضيع ، هذا السهم
هو أرفع وأخف من سهم آخر يحمله على ظهره . كان
بحاجة لعصَوَين آخرَتين مشابهتين لزيادة حظوظه عند
التسديد وإن لم نقل لبقائه على قيد الحياة ، لأنه إذا
أخطأ التسديد بالسهمين حينها سيصبح هو الفريسة ..
مر المزيد من الوقت والطريدة لاتزال في الداخل ،
بدأت معدته تضطرب وقطب حاجبيه .
هل خرجت يا ترى في وقت ما عندما كان نائماً؟
هل هو جالس ينتظر خارج كهف فارغ؟
تفحص الرمل بتمعن خارج الكهف بحثاً عن آثار
أقدام ، لم يكن هناك رياح اليوم لذا لا احتمال أن الرياح
حمت ابنتها اليوم . في الواقع في تلك اللحظة بالضبط .
بدأت تهب أولى النسمات في ذلك اليوم ، وقد أصدرت
المروج العشبية خارج الكهف حفيفاً محتفية بالنسمات
العليلة
استمر الفتى الشاب بشحذ السهم لم يكن يريد
ترك الأمر للحظوظ هذه المرة . لقد رأى والده يموت أمام
عينيه ، لقد قتل فقط لأن الحافة كسرت وهي تخترق
الطريدة ، الطريدة التي لم تكن حواف مخالبها غير
حادة ؛ ودون رحمة رأى وجه والده يتقطع إرباً ، كل
ضربة مخلب كانت تصيب الجلد والعضلات والعيون ،
وفي الختام تناثرت الجمجمة في عدة اتجاهات ، غابت
والدته عن الوعي عند رؤية هذا المنظر ، ورأى الفتى
الطريدة وهي تجر أمه إلى داخل الكهف .
حدث كل ذلك منذ أسبوعين . أمضى الفتى
أسبوعاً وهو يبحث عن الحجرة الملائمة ، كان يجب أن
تكون طويلة وحادة ، شذب الحواف السفلية منها ليصبح
مسكها أسهل ، ومن ثم استخدمها ليقطع أوراق النباتات
بحثاً عن ثلاث عصي مثالية إذ يجب أن تكون طويلة
وقوية ، وقد تمكن من إيجاد العصي الملائمة ليسنها .
أكل الفواكه المتبقية التي كانت جمعتها أمه ووضعتها
قرب الشجرة ، تناول آخر حبة . كان يجب أن تمضي ليلة
أخرى قبل أن يبدأ بالانتظار خارج الكهف .
أصغى باهتمام شديد وعيناه مركزتان على المدخل
كما لو أنه في غفوة ، وانتظر .
لقد زعم والده أنه لا رجل يعرفه تجرأ أن يقف في
طريقها ، لقد كانت ابنة الرياح كما قال ، وقال له أنها
طاردت غزالاً وانقضت عليه بلمح البصر .
وفكر الفتى كان على ابنة الرياح أن تخرج وتواجه
ابن الإنسان ، لقد قتلت الابنة والده وسرقت أمه
شخصت عينا الفتى إلى السماء بروية . قد تغيب
الشمس في أية لحظة وحالما يحدث ذلك سترى الفريسة
أفضل منه . انتقل نظرُ الفتى إلى غصن شجرة بالقرب
منه وأدرك فجأة كم هو ضعيف ؛ كانت الابنة تقف على
أعلى الغصن وذيلها يلوح كرقاص الساعة ، لابد أنها
كانت تراقبه منذ فترة وجيزة .
خفض الفتى نظره وابتسم قائلاً في سره : «أبي أنا
قادم ، استل قوسه والسهم الأول ومن ثم نظر إلى
الأعلى ثانية ، لم تعد واقفة هناك أبداً ، نظر حوله ورأى
عينيها تلمعان خلف الشجيرة ، لقد لاحت بهدوء هازةً
ذيلها ، وقف بثبات مقوّساً ظهره وسحب الوتر مثبتاً
السهم في موضعه ، لكن الابنة اختفت ...
الأمر التالي الذي عرفه هو أنه مستلق على الأرض
وهو يلهث ، لقد كسر القوس نصفين . نظر حوله من
المكان الذي كان ممدداً فيه محاولاً إدراك ما حدث ، أخذ
نفساً عميقاً مدركاً أنها أوقفت أنفاسه لبرهة عندما
انقضت عليه . بدأت تدور حوله كاشفة عن مخالبها ،
مصدرة هسيساً خافتاً لتتأكد أن شعر رأسه قد وقف ، وأن
قلبه يدق بقوة . لم تكن تريد تضييع الكثير من الوقت
عليه ؛ اتجهت مباشرة إلى رقبته كما فعلت من قبل مع
أبيه .
تناول الفتى القوس المكسور بسرعة موجهاً
الحافة الحادة باتجاهها . الأمر التالي الذي عرفه هو أنها
القت به بضع خطوات للوراء على أثر اختراق القوس
لصدرها .
ولكنها كانت لاتزال على قيد الحياة ، وضربتها
الأولى مزقت عضلته الدالية. كان حينها قد وقف على
قدميه فالتقط الحجرة وضربها إلى رأسها من صميم
أعماقه . اخترقت الحجرة رقبتها مسببة تصدّع القوس
ومن ثم نفذت من الجهة الأخرى واستقرت على
الأرض . تدحرج رأس الابنة على الرمال .
أخذ الفتى يرتعش وانهمرت الدموع من عينيه ،
كان من الجدير أن يسمع صوت الرعد يضرب بقوة ،
ولكن عوضاً عن ذلك كان هناك نسيم خفيف فقط . لقد
كان أول رجل في التاريخ يصطاد أنثى الفهد الصياد
شيتا ، ها قد بدأ التاريخ عند الإنسان للتو .
خرج جروان من الكهف ، بدأا بالهمهمة وهما
يقتربان من أمهما ، واستمرا بشمها وهما يهمهمان . لم
يعد يريد الفتى أن ينظر أكثر ، مشى مبتعداً مع شمس
الغروب والدموع تنهمر من عينيه .[بكي الفتى في هذه القصة على جراء فريسته
الذين تيتموا بعد أن كانت الفريسة قد يتمته هو
شخصياً سابقاً . كم تشبه حال هذه القصة حالنا
نحن البشر ، نقتل بعضنا البعض ، ويثأر بعضنامن بعض ، وترانا غارقين في دوامة من الدماء
والدموع . حبذا لو فكر كل منا بعدوه على أنه
إنسان ، على أنه شخص لديه مشاعر ، على أنه
ابن وزوج وأب ، لربما كانت دبت الرحمة في
قلوبنا بعض الشيء ووفرنا على بعضنا الكثير من
الألم والقهر .]The purpose of human life is to serve, and to
show compassion and the will to help others.
الغرض من الحياة الإنسانية هو تقديم الخدمات
وإظهار التعاطف والرغبة في مساعدة الآخرين .
Albert Schweitzer .Death is not the greatest loss in life. The
greatest loss is what dies inside us while we
live.
الموت ليس خسارتنا الكبرى في الحياة ، وإنما
الخسارة الكبرى ما نخسره في داخلنا ونحن
نحيا .
Norman Cousins .༺═────────────═༻
أنت تقرأ
أشياء جميلة Beautiful Things
Kısa Hikayeكتاب "أشياء جميلة" هو من تأليف علا ديوب، ويجمع بين مجموعة من المقالات والمقتبسات التي تهدف إلى إلهام القارئ وتحفيزه على رؤية الجمال في الحياة اليومية. يتناول الكتاب موضوعات مثل السعادة، والنجاح، والأمل، والتحفيز الشخصي، ويقدم نصائح عملية للتغلب على...