السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
___________________________في تلك الليلة الهادئة، عندما عاد داميان إلى غرفته بعد مغامرة اكتشافه للرسالة والمفتاح، لم يستطع النوم. كان جسده مستلقيًا على السرير، لكن عقله كان يسبح في أفكار متلاطمة، يغمره شعور بعدم اليقين والخوف. كان القصر الكبير يلفه الصمت الثقيل، لا شيء سوى صوت الرياح التي تهمس في الخارج، وصرير الأخشاب القديمة التي تئن تحت وطأة الزمن.
أغمض عينيه للحظات، محاولًا تهدئة أعصابه، لكن صور الرسالة القديمة والمفتاح الفضّي أخذت تتراقص أمامه. كانت كلمات الرسالة ترن في أذنيه، وكأنها تتحول إلى أصوات هامسة. "احمِ المفتاح، فهو السبيل الوحيد لتجنب مصيرك ومصير ابنك." شعر أن هذه الكلمات ليست مجرد تحذير، بل هي لعنة تلاحقه وتطالبه بفك ألغاز الماضي الذي حاول والده إخفاءه.
حينها قرر داميان أن يواجه الأمر، أن يسبر أغوار هذا السر الغامض حتى نهايته. كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل عندما غادر غرفته بهدوء، متوجهًا نحو المكتبة مرة أخرى. كانت الخطوات التي يخلفها تتردد في أروقة القصر الفسيحة، حيث تمتد الظلال لتراقب تحركاته، كأنما تتآمر الجدران عليه وتخفي عنه شيئًا.
وصل إلى المكتبة، حيث كان الجو باردًا بشكل غير مألوف، وأشعة القمر تتسلل عبر النافذة الضيقة، تنير رفوف الكتب المتراصة كجنود قديمة في معركة منسية. أخذ مصباحًا قديمًا كان قد تركه على الطاولة، وأضاءه ليخلق دائرة ضوء خافتة وسط بحر من الظلام. توجه بخطوات ثابتة نحو الزاوية التي اكتشف فيها الدرج الحجري الخفي، وبقلب مليء بالعزم، بدأ بالنزول.
كل خطوة يخطوها نحو الأسفل كانت تزيد من ثقل الهواء المحيط به، وكأنما كان ينزل إلى عالم آخر. كانت الجدران الحجرية تلامس كتفيه في ذلك الدرج الضيق، ورائحة الرطوبة والعفن تملأ الجو، تعكس سنوات طويلة من النسيان. كانت أنفاسه تتسارع، لكنه لم يتوقف، بل واصل النزول حتى وصل إلى باب حجري كبير، بدا وكأنه لم يُفتح منذ عقود.
بهدوء، دفع الباب بيده، فصدر منه صوت صرير عالٍ شق سكون المكان، وكأنما يعلن عن دخوله إلى عالم الأسرار المدفونة. في الداخل، كانت الغرفة مظلمة إلا من بصيص خافت يتسرب من بعض الشقوق في السقف، كأنها عيون قديمة تراقب الداخلين. كان المكان يغمره الغبار، والأثاث القديم متآكل ومغطى بطبقات من العناكب التي نسجت بيوتها في كل زاوية.
اقترب داميان من الطاولة الكبيرة في وسط الغرفة، وبدأ يتفحص الأوراق المبعثرة على سطحها. كانت هناك خرائط قديمة ورسومات لم يعرف معناها، وجهاز قديم يبدو كآلة حسابية غريبة. وبينما كان يبحث، لاحظ وجود درج صغير في إحدى الزوايا، مغلق بقفل معقد. كان القفل نفسه محيرًا، مصنوعًا من معادن مختلطة، ومنقوشًا عليه رموز غامضة.
مدّ يده إلى جيبه، حيث كان المفتاح الفضّي الذي وجده في الصندوق. لم يكن متأكدًا من أنه المفتاح المناسب، لكنه قرر المحاولة. ببطء، أدخل المفتاح في القفل، وكأنه يتوقع أن يصدر القفل صرخة احتجاج. وبالفعل، بعد عدة محاولات، فتح القفل بصوت عميق، وكأنما فتح بابًا نحو ماضٍ بعيد.
داخل الدرج، وجد داميان دفترًا صغيرًا ذو غلاف جلدي، قديم ومهترئ، ومليء بالصفحات الصفراء التي تشهد على سنوات طويلة مضت. فتح الدفتر بحذر، لتظهر أمامه كتابات بخط يد دقيق ومزدحم، وصفحات مليئة بالرموز والأرقام والتواريخ. كان يبدو أن الدفتر يحتوي على مذكرات، وربما خرائط تقود إلى شيء أكبر.
قرأ داميان أول سطور في الدفتر، فإذا به يجد نفسه أمام اعترافات من والده. كانت الكلمات توحي بصراع داخلي، وكأنما كان والده يسرد تفاصيل سرّ لم يستطع الإفصاح عنه في حياته. تحدث عن "المنظمة" التي كانت تراقبه وتطلب منه الحفاظ على "المفتاح"، وعن مهمة خطيرة عُيّن لها منذ شبابه، مهمة تتعلق بحماية سر قديم قد يُغيّر مصير العائلة بأكملها.
شعر داميان بثقل الحقيقة، كأنها كابوس يحيط به. أدرك الآن أن والده كان يعيش حياة مزدوجة، حياة كان يخفيها حتى عن أقرب الناس إليه. وبينما كان يغوص أكثر في سطور الدفتر، وجد إشارة إلى موقع محدد، مكان مخفي داخل أراضي القصر، حيث كان والده يحتفظ بما يُعرف بـ "الأدوات المحرمة".
عند قراءته لهذا الاسم، شعر داميان بقشعريرة تسري في جسده. لم يكن يدري ما هي "الأدوات المحرمة"، لكن الكلمات وحدها أثارت في نفسه رعبًا غريبًا، وكأنها تشير إلى شيء خارق أو محظور. كان يشعر بأن هذه الأدوات قد تكون مرتبطة بشيء غير طبيعي، شيء يتجاوز حدود فهمه.
أغلق الدفتر، ونظر حوله إلى الغرفة التي غمرتها الظلال. كانت هذه الغرفة ملاذًا لأسرار والده، صندوقًا مليئًا بأسرار لا تُحكى. وقف هناك للحظات، ينظر إلى المفتاح الذي بيده، وإلى الدفتر الذي يحمل اعترافات والده. كان يعلم أنه أمام مفترق طرق؛ إما أن يتجاهل ما وجده ويعود إلى حياته العادية، أو أن ينغمس أكثر في هذه المتاهة المحفوفة بالمخاطر، متبعًا خطى والده في عالم من الغموض والخوف.
وبينما كان يتأمل، سمع صوتًا خافتًا يتسلل إلى أذنه، صوت خطوات قادمة من خلفه. التفت بسرعة، ليجد الظلام يكتنف المكان من حوله، لكن قلبه ينبض بشدة، وكأن هناك من يراقبه.
★
☆
★
☆
★
☆
★☆★☆★☆★☆★☆★ما رأيكم بالفصل
.
.
.
أنت تقرأ
السيد داميان
Romanceفي ركنٍ هادئ من غرفته، جلس الرجل المريض على سريره، جسده منهك من معارك طويلة مع المرض. كانت عيناه تعكسان تعباً عميقاً، لكن في داخله اشتعلت الذكريات، بعضها يلمع كضوء الشمس الدافئ، وبعضها يمر كالظلال الباردة. تذكر اللحظات التي كان يقف فيها بقوة إلى جان...