الفصل الثامن

7 6 0
                                    

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
______________________________

في إحدى الليالي الباردة، كان داميان جالساً في غرفته، مستلقياً على السرير تحت أغطية ثقيلة، يحاول التغلب على ألم وهن جسده الذي يزداد يوماً بعد يوم. جسده المنهك كان يبدو كأنه يعاني في صمت، بينما أفكاره تائهة بين الماضي والحاضر، بين أحلامه التي تلاشت وأعبائه التي تزايدت.

كانت زوجته، صوفيا، تجلس بجواره، تنظر إليه بقلق بالغ وتراقب حركاته الخافتة ونظراته الشاردة. اقتربت منه بلطف، وضعت يدها على جبينه بحنان، لتتحسس حرارته وتتحقق من حالته. همست برفق: "داميان، هل تشعر بتحسن؟"

فتح داميان عينيه بصعوبة، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة واهنة، وكأنه يريد أن يطمئنها رغم حالته المتدهورة. قال بصوت مبحوح: "صوفيا... أنت دائماً هنا من أجلي. كم أنا محظوظ بوجودك بجانبي."

ابتسمت صوفيا، وأمسكت بيده برفق، لتمنحه القليل من الدفء والاطمئنان. "لا تقل ذلك، يا داميان. أنت من يستحق كل التضحية. لقد مررت بالكثير، وهذا المرض لن يكسرك، أنا متأكدة من ذلك."

أخذ داميان نفساً عميقاً، ثم قال بنبرة تشوبها مسحة من الحزن: "أحياناً أشعر أن كل شيء يتلاشى من حولي. ذكرياتي، طموحاتي، وحتى جسدي... كأنني أمضي في ظلام لا نهاية له، ولا أعلم متى سأرى الضوء مجدداً."

هزت صوفيا رأسها بنفي، ثم قربت وجهها منه حتى أصبحت عيناها في مستوى عينيه. "لا، داميان، لا تفكر بهذه الطريقة. نحن هنا معاً، وسنواجه كل شيء معاً. أنت قوي، وهذا الظلام سيزول يوماً ما."

ظل داميان صامتاً للحظة، ثم همس بصوت خافت: "أخاف، صوفيا. ليس من المرض فقط، بل من أن أتركك وحدك. لا أريدك أن تعيشي هذا الألم."

شدت صوفيا على يده بقوة، وكأنما تريد أن تنقل له قوتها وثباتها. "لن تتركني، أنا هنا معك دائماً، وسأبقى بجانبك مهما حدث. سنتغلب على هذا معاً، ولا شيء في هذا العالم يمكن أن يفرقنا."

أغمض داميان عينيه، مستسلماً لتلك اللحظة الدافئة التي منحته إياها زوجته، وكأن كلماتها قد خففت من ألمه قليلاً. في أعماقه، كان يشعر بامتنان عميق لوجودها في حياته، وكأنها الشعاع الوحيد الذي يهديه وسط الظلام الذي يعيشه.

فتح عينيه مجدداً، ونظر إلى صوفيا بنظرة ملؤها الحب، ثم قال بصوت أعمق من أي وقت مضى: "أعدك، سأقاتل. سأقاتل لأجلنا، لأجل كل اللحظات التي عشناها معاً، ولأجل اللحظات التي سنعيشها بعد هذا."

ابتسمت صوفيا، وعيناها تلمعان بالدموع، لكنها كانت دموع فرح وأمل. "هذا هو داميان الذي أعرفه. نحن سنجتاز هذه المحنة معاً، مهما كانت صعبة."

وفي تلك اللحظة، شعر داميان بقوة جديدة تتسلل إلى روحه، قوة نابعة من حب صوفيا ودعمها الذي لا يتزعزع. كان يعلم أن الطريق طويل وشاق، لكن بوجودها بجانبه، أصبح مستعداً لمواجهة المرض، مهما كانت العواقب.

مرّ الليل ببطء، وكانت الغرفة هادئة إلا من صوت أنفاس داميان المتقطعة بين الحين والآخر. جلست صوفيا بجواره، لم تغمض لها عين، متيقظة لأي حركة منه، لأي إشارة تدل على تزايد ألمه. كانت تراقب وجهه الشاحب ونظراته المتعبة، ورغم أنه كان يحاول إخفاء معاناته عنها، إلا أنها كانت ترى الألم في عينيه.

في تلك اللحظة، فتح داميان عينيه ببطء، ونظر إلى صوفيا التي كانت جالسة بجواره في صمت، وقد بدت عليها علامات التعب. ابتسم بحزن وقال بصوت خافت، بالكاد تسمعه: "أنتِ مرهقة يا صوفيا، لماذا لا ترتاحين قليلاً؟"

هزت صوفيا رأسها برفق، ثم اقتربت منه وأخذت يده بين يديها وقالت بحنان: "لا أستطيع تركك وحدك، داميان. لا أستطيع الراحة وأنت تعاني. وجودي هنا بجوارك هو ما يهمني الآن."

أغمض داميان عينيه مرة أخرى، وكأن كلماتها خففت بعضاً من الألم الذي يعتصره. ثم قال بصوت متقطع: "لقد كنت أعتقد أنني قوي، يا صوفيا، وأنني سأتمكن من مواجهة كل شيء. لكن هذا المرض... إنه يسلبني قوتي، يسلبني كل ما أنا عليه."

أمسكت صوفيا بيده بشدة، وكأنها تزرع فيه القوة بصمتها. ثم قالت: "أنت قوي، داميان، أكثر مما تدرك. وقدرتك على الصمود ليست فقط في جسدك، بل في روحك، وفي الطريقة التي واجهت بها حياتك. لن أسمح لهذا المرض بأن يسلبك روحك."

تنهد داميان بعمق، وعيناه تائهتان في أفكاره. "صوفيا، هناك أشياء كثيرة أردت أن أخبرك بها، عن مخاوفي، عن الماضي، عن كل الأشياء التي أحملها بداخلي. لكنني كنت دائمًا أخشى أن أثقل عليكِ."

ابتسمت صوفيا بحنان وقالت: "داميان، لقد شاركتك حياتي وكل شيء فيها، وأنت تعلم أنني هنا لأشاركك حتى مخاوفك وأحزانك. لن يكون هناك شيء ثقيل عليّ إذا كان يخصك."

ساد صمت طويل بينهما، كانت فيه صوفيا تمسح برفق على يده، وتمنحه ما تستطيع من الطمأنينة. شعر داميان بامتنان عميق، وكأن كلماته قد هدأت عواصف الألم في قلبه. ثم قال بصوت خافت: "أتعلمين، يا صوفيا، هناك أحلام لم تتحقق، وهناك أمور تمنيت لو أنني فعلتها. ولكن معكِ، أشعر أنني قد حققت أهم شيء في حياتي."

نظرت صوفيا إليه بعينين دامعتين، ثم قالت برقة: "داميان، كل يوم معك كان تحقيقًا لحلم لي أيضًا. وجودك في حياتي كان أكبر أمنياتي، وسأبقى هنا بجوارك مهما حدث."

همس داميان بصوت متهدج: "لقد أردت أن أكون أقوى، أردت أن أحميكِ، أردت أن أكون لكِ الحائط الذي تستندين عليه. لكن يبدو أن الأمور تسير بغير ما أردت."

ضحكت صوفيا ضحكة خافتة، وقالت له بصوت مشبع بالحب: "أنت الحائط الذي استندت عليه دائمًا، داميان. وحتى الآن، أنت قوتي. لا يهمني إن كنت تشعر بالضعف، فأنا سأكون قوتك الآن. نحن نكمل بعضنا، أليس كذلك؟"

حرك داميان رأسه بالموافقة، وشعر بأن قلبه يفيض بحب لا يوصف. ثم قال: "صوفيا، مهما حدث، تذكري أنني سأكون دائمًا جزءًا من حياتك، في داخلك، معك في كل خطوة."

أمسكت صوفيا وجهه بين يديها، ثم قالت له بصوت حنون: "ستبقى معي دائمًا، داميان. أنا لا أحتاج إلى جسدك هنا ليشعر قلبي بوجودك، فأنت جزء مني، وستبقى في روحي إلى الأبد."

في تلك اللحظة، شعر داميان بالسلام الداخلي، وكأن كلماتهما المتبادلة قد خلقت لهما عالماً خاصاً، عالمًا لا يوجد فيه سوى الحب والطمأنينة.

.
.
.
.
.
وعليكم السلام. ارجو ان يعجبكم الفصل.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 09 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

السيد داميان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن